لكنّ العالم لا يبدو الآن في هذا الوارد. وقد جاء البيان الرئاسيّ الأخير ينمّ عن انزياح في الموقف الأميركيّ – الأوروبيّ يكاد يفوق الانزياح الروسيّ المقابل، والذي حظي بالتركيز في الإعلام المؤيّد للثورة السوريّة. فاللقاء على خطّة كوفي أنان هو، على ما يبدو، أمر اليوم الدوليّ، وقد جاء الاجتماع في كوريا بين باراك أوباما ورجب طيّب أردوغان ليرسم سقفاً منخفضاً للتحرّكات السياسيّة، ثمّ كانت قمّة بغداد العربيّة أمينة للبرودة نفسها.
أسباب التخاذل الدوليّ كثيرة، في عدادها الانتخابات الرئاسيّة الوشيكة في كلّ من الولايات المتّحدة وفرنسا، والميل الغربيّ المزكّى إسرائيليّاً لتقديم الموضوع الإيرانيّ والتعامل معه على الموضوع السوريّ. وهنا تلعب الدولة العبريّة دوراً ملحوظاً، لا في دعم الثورة، كما يقول النظام، ولا في دعم النظام، كما تقول الثورة. فالحساب الإسرائيليّ البارد والسينيكيّ هو أن لا تقوم قائمة لسوريّة، لا بهذا النظام ولا ببديل له، ما دام أنّ النزاع السوريّ – الإسرائيليّ لم يُبتّ سلميًّا.
وهنا يمكن الوقوع على خريطة من المواقف غير المتجانسة بالضرورة. فإذا صحّ أنّ الإسرائيليّين مهجوسون اليوم بإيران، إلاّ أنّهم لا يوافقون بالضرورة على خلاصات النزعة الجغرافيّة – السياسيّة في الولايات المتّحدة التي تمنح أولويّتها لإضعاف إيران من خلال سوريّة. وهم، في المقابل، ومن خلال مقدّمات مختلفة، يتقاطعون مع النزعة الثقافيّة الأميركيّة التي ترى أنّ “خطر إيران” الكبير لا يحجب “خطر الإسلام النضاليّ والجذريّ”.
كائناً ما كان الأمر، هناك دائماً من يمضي في استنهاض الرضّة الأميركيّة بسبب “القاعدة” و11 أيلول وفي تفعيلها. ولم يكن بلا دلالة أنّ هيلاري كلينتون حين تحدّثت عن “القاعدة” وعزت لها بعض الأعمال الإرهابيّة في سوريّة كانت تستبق، في اتّهامها هذا، كلّ الأدلّة والإشارات.
ورضّة “القاعدة” تجد دائماً ما يكمّلها في رضّة العراق، حيث أطاح الأميركيّون صدّام لينتهي العراق، بعد سنوات قليلة نسبيًّا، في فلك النفوذ الإيرانيّ.
يبقى التعويل، وسط هذه المعمعة، على الصمود البطوليّ للسوريّين. لكنّه، مع هذا، صمود يشعر بالمرارة ليس فقط بسبب التخلّي الذي يواجهه، بل أيضاً بسبب ذاك الصوت “البريء” جدًّا والواسع الانتشار اليوم، الذي يرفض التدخّل الدوليّ كما يرفض التسليح فيما النظام السوريّ ماضٍ في تنفيذ مذبحته.
لقد كان يكفي لاختبار الأسد ورغبته في الحلّ السياسيّ أن تمرّ مظاهرة واحدة من دون إطلاق نار. وعدم حصول ذلك يعني أنّ رفض التدخّل ورفض التسليح معاً معناهما الصمت حيال ترك السوريّين يُذبحون. هذه مجزرة وليست حلاًّ سياسيًّا!