من استراتيجية نظام المزرعة الى استراتيجية نظام الدولة

اول وأهم استراتيجيات  السلطة السورية الأسدية  في السيطرة  , هي استراتيجية المزرعة , وهذه الاستراتيجية تعني بشكل أو بآخر  حشد طائفة معينة   في مزرعة السلطة  ,  المهم في هذه الطائفة  هو أن تكون متماسكة و ممسوكة  من السلطة بشكل متين , قلة عدد المتماسكين  غير مهم اطلاقا  , اذ  أن هناك مرتزقة  والولاء يمكن شرائه ,  المهم أيضا أن  تنتج المزرعة مايكفي  لسد  الحاجات المادية  الجشعة  ولتمويل المرتزقة  والحاشية ,  وتمويل الحاشية ليس بالمشكلة , هناك امتيازات للحاشية   تمكنها من  ممارسة التجارة الرابحة  بسلعة الواسطة   وسلعة الوصولية ثم سلعة  خرق القانون  وسلعة تأجير الحدود , ثم سلعة احتكار  المناقصات والاستيرادات  , وسلعة  المازوت  وقناني الغاز , والعديد من السلع , التي توصل قريب من العائلة أو  أمين شعبة من الرفاق الى رتبة  المليونير  او حتى الميلياردير!

لكي  يتم تماسك  الطائفة   والمسك بها بشكل محكم , لابد من زرع بعض المفاهيم  في رؤوس اعضاء الطائفة  , أحد هذه  المفاهيم هو  الخوف !! الخوف من ابادة الأكثرية الطائفية لهم , والسلطة هي الوحيدة القادرة على حمايتهم  , وتفعيل هذا المفهوم على أرض الواقع  لايتم الا من خلال  استغلال  بعض الأحداث  التي يتم افتعالها   من قبل السلطة ..أتذكر مقتل  عميد كلية الحقوق  الدكتور محمد الفاضل , الذي نسب الى طائفة معينة  , بينما  كانت السلطة هي الفاعلة لمقتل الدكتور الفاضل , وهكذا  تستتب العداوة بين الطوائف , حيث يتم أسر الطائفة من قبل  حاميها الزائف , ولكل من يحميه  , خدمة لأهدافه الخاصة , وهكذا  يمكن الامساك بالمجموعة الطائفية بشكل محكم  , وضمان ولاء هذه المجموعة  على أي حال , اذ أن موضوع الطائفة  أصبح   موضوع حياة أو موت !.

هذه المنهجية الهمجية ليست نادرة في التاريخ , وكل طاغية  عرفه التاريخ قام  باستنذافها   , حيث عمد  الطاغية  على تجميع زمرة من الخائفين من غيرهم  حوله , خوف لأي سبب كان  !! , عرقيا ..دينيا .. ماديا ..عائليا ..عشائريا ..الخ , ثم يقوم الطاغية  برفع مستوى العداء  بين الطائفة الملتفة حوله وبين طائفة أخرى ,  وعند انخفاض  مستوى العداء  بين المناصرين والمعارضين  لأي سبب كان , يقوم الطاغية  بتنشيط هذا العداء عن طريق زرع الفتن  بوسائل عدة  ..تقتيل طائفي ..تهجير .. اغتصاب .. تمثيل بالجثث  , مما يجدد التوتر بين الطوائف  ويقود الى استراحة الطاغية .. الذي يتفرج على الفئات  المختلفة    وهي  تقتتل وتفتك  ببعضها البعض ..وهكذا  يستمر  في طغيانه  وفي وجوده  وتحقيق أهدافه  المنحطة مثل السرقة  المادية  والاثراء  وتجميع الأموال   وتكديسها  على  الحسابات  المصرفية هنا وهناك !.

من يريد للثورة السورية النجاح  عليه بمقاومة اتجاهات من هذا القبيل , عليه بابطال مفعول هذه الآلية , وهذا ما لاتقوم به الثورة السورية  بقدر كاف من النجاح ؟, فالثورة   تعتمد غريزيا على منهجيات مشابهة , وتريد تجنيد  عدد أكبر من الثوار  بشكل ما ,  الثورة تستطيهع جذب  العديد من المواطنين الى جهتها بالشعارات  الطائفية المتطرفة , الا أنها قد  تخسر في الوقت نفسه الكثير من تأييد المناصرين للحراك الثوري , وهكذا يتحول الأمر الى نوع من المفاضلة  , التي تتحكم حاجة الثورة    آنيا  وعلى المدى المتوسط  بنتائجها ,  السلطة فرضت العسكرة على الثورة  , والثورة  تعسكرت  جزئيا  وتعثرت  بعض الشيئ , ومعادلة السلطة كادت أن تنجح , الا أن السحر انقلب على الساحر , ولسبب  أجهله تفصيليا ,  تطور الأمر الى نوع من التوازن العسكري بين كتائب الأسد وبين الجيش الحر  ومناصريه , والحالة لاتزال تتأرجح بين كر وفر , كر وفر يحصد يوميا  عددا ضخما من ارواح المواطنين السوريين  شعبا وجيشا .

لاعلاقة  اساسية لمناصرة الثورة من قبل  التيارات الغير محاربة والتيارات السلمية  مع  النشاطات   العسكرية لتيار من الثوار , رفض النظام  له علاقة  بما فعله ويفعله هذا   النظام وليس بما يفعله متشنج سني طائفي  أو غيره من الزمر الطائفية , الا أن رفض النظام   يخضع أيضا الى معادلة تفاضلية , النظام سيئ  , والهدف من الثورة هو نظام أفضل  , وقد آن الأوان  للبرهنة على ان نظام مابعد الأسد سيكون  أفضل من نظام الأسد .

هناك نوع من المعارف التي يمكن استنباطها من الثورات العربية الأخرى  خاصة من تونس ومصر , فتونس ومصر  عانوا من انتفاخ   التيارات الاسلامية , وهذا الانتفاخ هو أمر متوقع  , لأن الأنظمة السالفة في هذه الدول حولت التيارات ا الاسلامية من تيارات ظالمة مظلمة الى تيارات مظلومة   , وفي نفس الوقت برهنت هذه التياراتحديثا  عن شيئ من النضوج  ,مكنها من الالتزام  باللعبة الديموقراطية , ولم تحدث كوارث القتل والتشنيع بعد نجاح  الغنوشي في تونس ,  ولم يتم فرض الشريعة ,  ولا تزال الحانات تقدم المشروبات  الروحية   كالسابق , ولا يمكن القول على أن حقبة مابعد بن علي أسوء من حقبة بن علي  والأمر مشابه في مصر حيث أن عهد محمد مرسي يبشر بالكثير من الايجابيات , وفي سوريا  يمكن توقع عهدا  أفضل مدنية من نظيره في مصر أو تونس , ومن الممكن توقع  حصول الاخوان  في  سوريا على 25 % الى 30% من الأصوات في  أول انتخابات حرة ( في مصر وتونس كانت نسبتهم أكثر من 40%ر بقليل ) , أما في  الانتخابات التالية  فسيكون نصيب  الاخوان أقل من 15% من الأصوات ,  لهذا فانه لاخطر على  سوريا من التيارات الاسلامية اطلاقا .

ازمان الحرب الأهلية   وبقاء  السلطة لفترة طويلة   سيؤثر سلبيا على تشكيلة مابعد الأسد , كلما بقي النظام  لفترة أطول , ازدادت  قوة التيارات  الاسلامية  بشكل طردي ,الا أنه من الأفضل لهذه التيارات  , التي ستكون  بدون أي شك شريكة في الحياة السياسية السورية, على المدى المتوسط والبعيد  , أن ترقى  فوق كل الاعتبارات   الطائفية المرضية  التي فرضها النظام على الشعب السوري   , وان  تهجر  الطائفية باتجاه منحى مدني سوري  , ذلك لأن الديموقراطية  التي تطالب بها هذه التيارات لاتتحمل النزعات الطائفية  ,ولا وجود لديموقراطية  ممزوجة مع الطائفية ,  ولا وجود لنظام المزرعة في الديموقراطية , ثم انه  يجب على الخطاب الثوري أن يرقى عن التعميم وعن ربط نظام الأسد بطائفة معينة ,  وبالتالي عن شيطنة وتجريم هذه الطائفة جماعيا  , وهذه الطائفة  التي تشكل   حوالي 10% الى 15% من مجموع الشعب السوري  , هي حقيقة من أكثر الطوائف تضررا من نظام الأسد , واثراء بعض افرادها لايعني  على أن مجمل الطائفة أصبح ثري , وما لحق الطائفة من أضرار هو أكبر بكثير من  الفوائد المادية التي حصل بعضهم عليها , ومثل هذه الفوائد لايقتصر على الطائفة العلوية  , وانما هناك الكثير من المرتزقة من الطوائف الأخرى , السلطة الحالية  تمثل بحد ذاتها  “طائفة ” هي الطائفة الأسدية , والحكم  الحالي ليس علوي  , والحكم القادم يجب أن لايكون سني , الحكم يجب أن يكون  سوري بامتياز , وقبل أن  يكون المواطن سنيا أو علويا أو مسيحيا  ..الخ يجب أن يصبح سوريا  ,  والديموقراطية السورية المرتقبة   هي التي تستطيع انصاف الجميع , بغض النظر عن انتمائهم الشخصي  الديني .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *