عام 2004 كتب نبيل فياض سائلا , البعثيون أم الأصوليون ..من دمر سوريا ؟, وقد تأكد نبيل فياض من حالة الدمار حتى في عام 2004 , وقد كنت أظن على أن معظم الدمار تم بعد شهرآذار من عام 2011 , وبهذه المناسبة اريد اعطاء رقم عن حجم الدمار المادي الذي حدث بعد 2011 , لقد دمرت السلطة بالاشتراك مع المعارضة المسلحة حوالي 40 مليار دولار , أي مايعادل تقريبا ثلاث أضعاف الميزانية العامة لمدة سنة , وما يعادل 4 اضعاف مسروقات رامي مخلوف , وأربعين ضعفا من مسروقات رستم غزالة .. ثم أكثر من4 أضعاف مسروقات رفعت الأسد وهكذا , هذا بما يخص من سرق أقل من أربعين مليار من الدولارات , الا أن هناك من سرق أكثر من أربعين مليارا , أي أن الحرب الأهلية كانت أرحم من من هؤلاء “القمة” ماديا , ورفعت الأسد كان أرحم من الحرب الأهلية ماديا .
الخسائر اضافة الى ذلك جسدية ونفسية واجتماعية وأخلاقية وسياسية ومستقبلية , اذ أن تطورات الأشهر الأخيرة , التي سببها فساد وقصور في الحاكمية خلال أربعين عاما , ستحتاج في أحسن الأحوال الى أربعين عاما أخرى بعد سقوط السلطة , وكلما استمرت السلطة والأصولية سنة اضافية بالتخريب , ستحتاج البلاد الى أربع سنوات اضافية للترميم , وأسوء المشاعر هو الشعور الذي يوحي بأن الدولة السورية فشلت في البقاء على قيد الحياة , ولا علاج للامراض التي لحقت بها ..فالج لاتعالج .
لو سألنا الاخونجي المعسكر عن أسباب الدمار السوري , لقال لك سبب الدمار هو الاستبداد البعثي , وهنا تجدر ملاحظة , وهي صحة كون البعث مسؤول عن سوريا فسادا.. استبداد.. ورقيا أيضا وذلك لفترة قصيرة نسبيا , وقد انتهى دور البعث سياسيا قبل عشرات السنين , وحتى وجود البعث تقلص تدريجيا بعد عام 1970 , ومنذ أكثر من عشر سنوات لايوجد بعث , وانما يوحد آل الأسد , الحكم ليس بعثي الآن وانما أسدي بامتياز .
لو سألنا البعثي ولاحقا الأسدي عن أسباب الدمار , لقال ان المسبب هي الأصولية السنية , ولا أصوليىة غيرها , على كل حال , فان محاولة تحليل هذه المقولات هي محاولة عقيمة , ذلك لأن الأطراف المعنية بالدمار لاتفكر الا بشكل قطعي , وقطعية الفكر هي الغاء لوجوده , ولا يمكن لمن تحجر في الآية والحديث أن يعترف بأي خطأ اعترافا منتجا , لأن ذلك يمثل طعنا بالله , كما أنه لايمكن للأسدي القطعي أن يعترف صادقا بأي خطأ , لأن ذلك يمثل طعنا بالمتأله , وللأمانة على القول ان كل جهة تعترف “كلاميا” ببعض الأخطاء , الا أن هذا الاعتراف لايمثل الا “خدعة” فالذي يعترف حقيقة بالخطأ عليه البرهنة عن اصلاحه , وحالة الدمار التي توجد بها البلاد الآن لاتوحي بحدوث أي اصلاح منتج ايجابيا .
ليس غريبا أن تخرب الأصولية المسلحة بالاشتراك مع الأسدية المسلحة البلاد , وليس غريبا أن يكون هذا التخريب عملاقا , ذلك لأن الأصولية المسلحة غير مؤهلة فكريا لأن تتفاعل مع الغير الا في التخريب , لأن البناء غير ممكن على قواعد أكل الدهر عليها وشرب , والبيت الذي يبنى على الرمل ينهار , وحال الأسدية ليس أفضل , وما يميزها عن الأصولية المعسكرة هو ان تخريبها المرتكز على منهجية الفساد مبرهن عليه , فالأسدية تحكم منذ أربعين عاما , واليوم نرى البلاد حطام , لذا لايمكن هنا اللف والدوران , أصولية الفساد الأسدية المعسكرة خربت البلاد بالاشتراك مع الأصولية المعسكرة الأخرى , وبفضل هذا الحلف قطعت البلاد شوطا كبيرا في التحول الى خربة , وسجلت في هذا الخصوص رقما قياسيا .
قد يشك احد في وجود هذا الحلف , اذ كيف يتذابح الحلفاء بالشكل الذي نعرفة من عام 1982؟الجواب بسيط , سبب التذابح الأساسي كانت الكرسي , وتوزيع الغنائم , والحياة المشتركة الأصولية السنية -الأسدية تعرف فترات كثيرة وطويلة من الوفاق والوئام , ولحد الآن !, فرغبات مسقط الأمطار والعارف بالأسرار الشيخ البوطي هي أوامر يجب تنفيذها بالحال , فالبوطي مقتنع وراض عن الطريقة التي يتم بها تقسيم الغنائم, بينما غيره من الأصوليون غير راض عن ذلك , وهنا هو لب وقلب الاشكالية بين الأصوليتين .
لقد كان على الأصولية البعثية-الأسدية ممارسة الاستبداد للاستئثار بمقدرات البلاد , منعت كل لسان من التكلم وكل فكر من التفكير وكل حرية وديموقراطية من الممارسة , الا أن المساجد بقيت مفتوحة للأصولية الأخرى , التي مارست بها تربية الأجيال , والأصولية البعثية-الأسدية ساعدت الأصولية الأخرى كثيرا , حيث لايعرف التاريخ السوري تصاعدا في عدد المساجد شبيه لتصاعد هذا العدد تحت اشراف الأسد , وأصولية البعث -الأسد افرغت البلاد من السياسة (كما فعل شاه ايران ) تماما , وانقراض السياسة أو انحسارها , ترافق تلقائيا بتضخم المد الديني , الذي شغل الشاغر السياسي , وبنتيجة ذلك نحن الآن بصدد مجتمع ذو انتماء طائفي نشيط يرقص على اشلاء الانتماء السياسي , الذي اعطاكم عمره , ويجدر هنا التذكير , بأن المد الديني لم يقتصر على فئة دون الأخرى , للمد الديني رجل سنية وأخرى علوية . لذا فان تطييف الوعي الاجتماعي كامل وشامل تقريبا .
اذا كان الاستبداد البعثي-الأسدي ضروري لنمو الأصولية الدينية التي تتمركز في المساجد , فان الأصولية السنية أو الدينية بشكل عام ضرورية للأصولية البعثية-الأسدية , حيث تتمكن أصولية البعث -الأسد من ممارسة التخويف من الأصولية الدينية بشكل يضمن لها مايكفي من مبررات لتسويق الاستبداد وبالتالي المقدرة على ممارسة الفساد , ولتسويق الاستبداد هناك شعارات معروفة نسمعها كل يوم عشرات الألوف من المرات … من أجل صيانة الوحدة الوطنية ..من أجل محاربة الطائفية ..من أجل الوقوف في وجه الظلاميين والتكفيريين ..من اجل الممانعة والمقاومة , من أجل دحر تآمر الخليجيين والسعوديين الوهابييين , ومن أجل محاربة الصهيونية .. الخ
لا اعرف مدى وجاهة وصحة ماقلت عن الحلف الذي تحدثت عنه , الا أن هناك فكرة أخرى أريد التنويه اليها , وهذه الفكرة تقول , أليس من الملاحظ على أن حجم الأصولية الدينية حاليا أكبر بكثير من حجها الطبيعي , الذي اقدره بحوالي 10% من الشعب السوري , وليس من الملاحظ على أن حجم الأصولية السلطوية أكبر بكثير من حجمها الطبيعي , الذي أقدره بحوالي 10% من الشعب السوري أيضا , أي أن هناك “انتفاخ” أصولي على الجهتين, ولا يمكن أن يكون لهذا الانتفاح من سبب الا تعاون الجهتين عمليا , وللتمويه تبادل الشتائم والسباب .
اعتذر عن الاطالة ,راجيا لكم أسعد الأوقات ولسوريا طول العمر