تروج جهات السلطة الدعائية بدون انقطاع ضرورة “بقاء” السلطة ورأسها , لأان رأس السلطة ضروري لحماية الأقليات , وهذه الجهات تروج وتبشر بأشياء أخرى منها حدوث ما لاتحمد عقباه في حال تنحية الرئيس قسرا وحصرا , لأن الرئيس سوف لن يتنحى طوعا , وفي حال تنحيته القسرية ستحترق البلد عن بكرة أبيها ببشرها وحميرها وأرضها وكل مايدب عليها .
في الحقيقة ليس من السهل فهم كل مايقال , دعوني احاول فهم الاشكالية الأولى أي حماية الأقليات , وضرورة بقاء السلطة ورأسها من أجل تحقيق هذه الحماية !.
لا أريد الغوص في متهات النوايا , ان كانت صافية أو صادقة أو كاذبة أو غير ذلك , الا أني لا أشك في صدق بعضها أو حتى كلها , الا أن الحديث عن ضرورة حماية فئة أو فئات من الشعب يفترض وجود تهديد لهذه الفئة أو الفئات , وموضوع التهديد يجب دراسته تاريخيا , ودراسة تاريخ سوريا , خاصة بعد الاستقلال وحتى عام 1963 أو حتى عام 1970 , لاتقود الى النتيجة التي تقول على ان أقلية أو أقليات مهددة في وجودها وحياتها , ولا تعرف سوريا في هذه الحقبة مايجدر ذكره في هذا الخصوص , ولا أريد هنا التطرق الى الأحداث والأسماء والأحزاب وحالة الدولة مدنيا وموضوع عسكرتها طائفيا في هذه الفترة , فلا عسكرة طائفية , والأحداث تشير الى وجود نوع من “الانشراح” الطائفي , حيث ان الطائفة لم تكن انتماء وطنيا وانما انتماء شخصيا , السياسة والأحزاب السياسية تصدرت موضوع الانتماء , وموضوع الانتماء كانت سوريا , الا أن الوضع بعد عام 1963 أو عام 1970 , كما يمكن رصده الآن , تغير بشدة , وهذا التغيير ترافق بتطييف المجتمع السوري والسياسة وولادة شبح طائفية الوعي .
من هنا يمكن القول على أن ضرورة التفكير بحماية طائفة أو فئة معينة , أصبحت ضرورة جديدة وجدية , ضرورة خلقها نظام حكم معين , لم تسقط من السماء , ولم و تنبثق من الأرض , ولم تكن عبارة عن صدفة , كما أنها لم تكن عبارة عن خطة شيطانية , وانما كانت , حسب تقديري , عبارة عن تطور ضروري , ليس لازهار الوطن وتقدمه , وانما لبقاء السلطة , وهذا ما نلاحظه هذه الأيام , فبقاء السلطة هو أمر ذو أولية مطلقة , ولو لم يكن كذلك , لما كان حرق البلاد ضروري , عندما تتم تنحية السلطة قسرا ..
الحاجة الى حماية فئة أو فئات أصبحت للأسف واقعا موجعا , الا أنه ليس من الممكن القول على أنه يمكن تحقيق هذه الحماية بالوسائل التي خلقت “ضرورة ” هذه الحماية , أي أن النظام الذي خلق ضرورة الحماية عمد أو قصدا أو غباء أو سذاجة , لايمكنه القيام بهذه الحماية , خاصة وان النظام لايستطيع الانقلاب على نفسه , ومحاولة انقلابه على نفسه تعني نهايته , التي يعمل بكل وسيلة لكي يتجنبها …حتى ولو حرقت البلد ,واكثر من ذلك ..حتى لو احترق الشرق الأوسط برمته , ولو كان رأس السلطة مدركا لعواقب سياسته وتصرفاته , وكان صادقا بحرصه على فئة من فئات الشعب , لما وصلنا الى وضع , أصبح به تهديد فئة من الشعب السوري “واقعا” لايجوز اطلاقا تجاهله , وتجاهله هو جريمة لاتنقص عن جريمة خلق هذه الضرورة .
لو كان للصدق والوعي والحكمة مكان في الرؤوس , لما توان رأس السلطة لحظة في خلق وضع لاوجود به لتهديد فئة أو فئات ..ان كانت أقلية أو أكثرية , وبالتالي لاضرورة لحماية فئة من فئة أخرى , والوضع الذي لايتقبل التهديد ولا يتطلب الحماية هو الأرضية الديموقراطية , التي حاربتها السلطة وأحرقتها بكل مالديها من وسائل بربرية , بحيث يمكن القول على أن انجازات السلطة عمليا , هي عكس تطلعاتها نظريا , فلا حرية ولا ديموقراطية ولا اشتراكية , وحتى الوحدة الداخلية انقرضت والبلاد تشرذمت ووقعت في أتون الحرب الأهلية .
التساؤل الآخر يخص اشكالية احتراق البلاد واحتراق الشرق الأوسط بكامله عندما تتم تنحية رأس السلطة قسرا , حيث أن التنحية طوعا غير واردة :
لا أعرف كيف لشخص أن يدعي الحرص على فئة أو فئات من الأقليات من ناحية , ومن ناحية أخرى يتقبل احتراق الكل أرضا وشعبا عندما تتم تنحيته , وحرق البلاد سوف لن يكون “انتقائي” , أي أن الحريقة ستلتهم الجميع بما فيهم الأقليات والأكثريات ..سيحترق عباس ودباس والياس , ومن الممكن أن ينجو الرأس من الحريقة , وقد يحدث ماحدث في العديد من الدول , حيث يضب الرأس امتعته وملياراته ويترك شعبا وأرضا تحترق , وأمر كهذا يسلط ضوءا قويا على اشكالية المصداقية والجدية والجدارة بتحمل المسؤولية , ولا يوجد مايبرر التضحية بدولة أرضا وشعبا , فلا التنحية ولا تغيير النظام ولا شيئ في هذا الوجود يمكن له أن يكون سببا وجيها للقضاء على الدولة السورية بالحرق . ماعدا نوع من الجنون الذي ألم بنيرون .
اضافة الى كون منهجية “الأسد أو نحرق البلد ” منهجية همجية , انها أيضا منهجية لا اخلاقية وتتضمن قدرا غير مسبوق من الاستهتار بالبلاد وشعبها ومصالحها وحتى وجودها , والعجب من اعجاب السلطة بهذا الشعار البربري , سلطة تعاقب من يشكك بثورة الثامن من آذار بالسجن عشرات السنين , وفي نفس الوقت معجبة بالرعاع الذي يهدد بحرق البلاد .
لايمكن تفهم مايحدث وما حدث وبالتأكيد سيحث , ومن يراقب الأحداث يننتابه الشعور بأنه يوجد نوع من التكاتف والتضامن بين فئات وعلى رأسها فئة السلطة , على القضاء على سوريا , ولا أستطيع التعرف على سبب لهذا التضامن والتكاتف الا الجنون ..حتى بعد حوالي ألفي عام لايزال التاريخ يذكر بنيرون الذي حرق روما , امنيتي أن أكون قصيرة العمر لكي لايمكنني قراءة تاريخ يذكر بمن أحرق سوريا