الأقليات ! هل الجنون هو من يحميها؟

تروج  جهات السلطة الدعائية  بدون انقطاع    ضرورة  “بقاء” السلطة  ورأسها  , لأان رأس السلطة ضروري  لحماية الأقليات ,  وهذه الجهات تروج وتبشر بأشياء أخرى منها  حدوث  ما لاتحمد عقباه في حال  تنحية الرئيس قسرا  وحصرا , لأن الرئيس سوف لن يتنحى طوعا , وفي حال تنحيته القسرية  ستحترق البلد  عن بكرة أبيها ببشرها  وحميرها وأرضها  وكل مايدب عليها .

في الحقيقة ليس من السهل  فهم كل مايقال , دعوني  احاول فهم الاشكالية الأولى  أي حماية  الأقليات  , وضرورة بقاء السلطة ورأسها من أجل تحقيق هذه الحماية !.

لا أريد الغوص في متهات  النوايا  , ان كانت صافية أو صادقة أو كاذبة أو غير ذلك ,  الا أني  لا أشك في صدق بعضها  أو حتى كلها , الا أن الحديث عن ضرورة حماية  فئة أو فئات من الشعب  يفترض  وجود تهديد لهذه الفئة أو الفئات ,  وموضوع التهديد يجب دراسته تاريخيا , ودراسة تاريخ سوريا , خاصة بعد الاستقلال  وحتى عام 1963  أو حتى عام 1970 , لاتقود الى النتيجة التي تقول  على ان  أقلية أو أقليات مهددة في وجودها  وحياتها , ولا تعرف سوريا في هذه الحقبة مايجدر ذكره في هذا الخصوص , ولا أريد هنا  التطرق الى  الأحداث والأسماء  والأحزاب  وحالة الدولة مدنيا  وموضوع عسكرتها طائفيا في هذه الفترة , فلا عسكرة طائفية , والأحداث تشير الى وجود نوع من “الانشراح” الطائفي , حيث ان الطائفة لم تكن  انتماء وطنيا  وانما  انتماء شخصيا , السياسة والأحزاب السياسية تصدرت  موضوع الانتماء , وموضوع الانتماء كانت سوريا , الا أن الوضع  بعد عام 1963 أو عام 1970 , كما يمكن  رصده الآن , تغير بشدة ,  وهذا التغيير ترافق  بتطييف المجتمع السوري  والسياسة   وولادة   شبح طائفية الوعي .

من هنا يمكن القول  على أن ضرورة التفكير  بحماية طائفة أو فئة معينة  , أصبحت  ضرورة جديدة  وجدية ,  ضرورة خلقها  نظام   حكم معين , لم تسقط من السماء , ولم و تنبثق من الأرض , ولم تكن عبارة عن صدفة ,  كما أنها لم تكن   عبارة عن خطة  شيطانية , وانما كانت , حسب تقديري ,  عبارة عن تطور  ضروري , ليس لازهار الوطن  وتقدمه , وانما  لبقاء السلطة  , وهذا ما نلاحظه هذه الأيام  , فبقاء السلطة هو أمر   ذو أولية مطلقة , ولو لم يكن كذلك , لما كان حرق البلاد  ضروري , عندما  تتم تنحية السلطة قسرا ..

الحاجة الى حماية فئة أو فئات  أصبحت للأسف  واقعا موجعا ,  الا أنه ليس من الممكن  القول على   أنه يمكن تحقيق هذه الحماية بالوسائل التي خلقت  “ضرورة ” هذه الحماية , أي أن النظام الذي خلق  ضرورة الحماية  عمد أو قصدا أو غباء أو سذاجة , لايمكنه القيام بهذه الحماية , خاصة وان النظام  لايستطيع الانقلاب على نفسه  ,   ومحاولة  انقلابه على نفسه تعني نهايته , التي  يعمل  بكل وسيلة لكي يتجنبها …حتى ولو حرقت البلد ,واكثر من ذلك ..حتى لو احترق الشرق الأوسط برمته , ولو كان  رأس السلطة مدركا  لعواقب سياسته وتصرفاته , وكان صادقا  بحرصه على فئة من فئات الشعب , لما وصلنا الى وضع  , أصبح به  تهديد فئة من الشعب السوري “واقعا” لايجوز اطلاقا تجاهله , وتجاهله هو جريمة  لاتنقص عن جريمة خلق هذه الضرورة .

لو كان للصدق والوعي والحكمة مكان في الرؤوس , لما توان رأس السلطة لحظة في  خلق وضع   لاوجود به لتهديد فئة أو فئات  ..ان كانت أقلية أو أكثرية , وبالتالي لاضرورة  لحماية فئة   من فئة أخرى , والوضع الذي   لايتقبل التهديد ولا يتطلب الحماية  هو الأرضية الديموقراطية , التي حاربتها السلطة  وأحرقتها  بكل مالديها من وسائل  بربرية , بحيث يمكن القول  على أن  انجازات السلطة   عمليا , هي عكس تطلعاتها نظريا , فلا حرية ولا ديموقراطية  ولا اشتراكية , وحتى الوحدة الداخلية   انقرضت والبلاد تشرذمت  ووقعت في  أتون الحرب الأهلية .

التساؤل الآخر  يخص  اشكالية  احتراق البلاد واحتراق الشرق الأوسط   بكامله عندما تتم  تنحية  رأس السلطة قسرا , حيث أن التنحية طوعا غير واردة :

لا أعرف كيف لشخص  أن يدعي  الحرص  على فئة أو فئات من الأقليات  من ناحية , ومن ناحية أخرى  يتقبل  احتراق الكل  أرضا وشعبا  عندما تتم تنحيته , وحرق البلاد سوف لن يكون “انتقائي” , أي أن الحريقة ستلتهم الجميع   بما فيهم الأقليات والأكثريات ..سيحترق عباس ودباس  والياس , ومن الممكن أن ينجو الرأس من الحريقة , وقد يحدث  ماحدث في العديد من الدول , حيث يضب الرأس  امتعته  وملياراته   ويترك شعبا وأرضا تحترق ,  وأمر كهذا يسلط  ضوءا قويا على اشكالية المصداقية  والجدية  والجدارة بتحمل المسؤولية , ولا يوجد مايبرر التضحية بدولة أرضا وشعبا  , فلا التنحية  ولا  تغيير النظام ولا شيئ في هذا الوجود  يمكن له  أن يكون سببا وجيها  للقضاء على الدولة السورية بالحرق . ماعدا  نوع من الجنون  الذي ألم بنيرون .

اضافة  الى كون  منهجية “الأسد أو نحرق البلد ” منهجية همجية , انها أيضا منهجية  لا اخلاقية  وتتضمن قدرا غير مسبوق من الاستهتار  بالبلاد وشعبها  ومصالحها وحتى وجودها ,  والعجب  من اعجاب السلطة  بهذا الشعار  البربري , سلطة  تعاقب من يشكك بثورة الثامن من آذار بالسجن عشرات السنين , وفي نفس الوقت   معجبة  بالرعاع الذي  يهدد  بحرق البلاد .

لايمكن تفهم  مايحدث  وما حدث وبالتأكيد سيحث , ومن يراقب الأحداث يننتابه الشعور  بأنه يوجد نوع  من  التكاتف والتضامن بين فئات  وعلى رأسها فئة السلطة , على القضاء على سوريا , ولا أستطيع التعرف على سبب  لهذا التضامن والتكاتف الا الجنون ..حتى بعد حوالي ألفي عام لايزال التاريخ يذكر بنيرون الذي حرق روما , امنيتي أن أكون قصيرة العمر لكي لايمكنني قراءة تاريخ يذكر بمن أحرق سوريا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *