تختلف عواقب التوهم , حسب نوعية الوهم وحسب الجو الذي نشأ به هذا الوهم , ولنأخذ على سبيل المثال وهم كون السلطة علوية وخلفيتها الاجتماعية علوية أيضا , ومن يدافع عنها حصرا علوي , هذا الوهم قاد , بسبب طريقة استيعابه وفهمه وادراكه الساذجة من قبل الكثيرين من المعسكر الطائفي الآخر , الى ولادة كراهية موجهة ضد الطائفة العلوية , وقد تضمنت هذه الكراهية مجموعة من الارتكاسات , تراوحت من النقد الى القتل على الهوية .
كل طائفة من الطائفتين المتعاديتين , بدون سبب, أسهمت بشكل مساوي للأخرى في في خلق أوهام “علوية” السلطة , و”سنية” المعارضة , فلا المعارضة سنية حصرا ,ولا السلطة علوية حصرا , والمسؤول عن ولادة هذه الأوهام هي السلطة المستفيدة الوحيدة من هذه الأوهام ..مستفيدة من نتائج “فرق تسد “, والسلطة باستقطابها الشكلي “علويا” ضمنت لنفسها مولاة قيادة الجيش , التي هي علوية بأكثريتها , الا أنها قادت الى حدوث انشقاقات عديدة في الجيش , وبذلك أصبحت سوريا عمليا بصدد جيشين , جيش علوي وجيش سني,وكل ذلك حدث بمباركة ومبادرة السلطة , التي اختارت الأقوى عسكريا للاحتماء به , والأقوى عسكريا هم العلويون .
في الحقيقة , يمكن القول , ان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد هو الذي بدأ بالتطييف , وتمكن خلال حكمه الذي دام حوالي ثلاثين عاما من اعطاء الجيش صبغة علوية , موهما الطائفة العلوية , على أنه الوحيد الذي يدافع عن مصالح الطائفة , ولم يقل الأسد ضد من يدافع عن مصالح الطائفة ؟ , حيث انه في الستينات لم توجد أي ضرورة للدفاع عن أي طائفة , فالحياة في الوطن السوري لم تكن طائفية بشكل يتطلب العلاج , فالأسد بذلك غرر بالطائفة وأغرى بعض أفرادها بالامتيازات والأموال والاثراء السريع , وهؤلاء هم الذين يقفون الى جانب الأسد الابن , ولا تتجاوز نسبتهم في الطائفة 3-5% , والغالبية العظمى من الطائفة لم تنال شيئا من هذا القبيل , ولم تصاب بالاثراء , مع العلم على أنه تم احتكار نسبي لمعظم وظائف الدولة “الدسمة” من قبل الطائفة تحت اشراف الأسد أبا وابنا .
بالرغم من الصبغة العلوية الواضحة للسلطة السورية , يصعب البرهنة على أنها تمثل الطائفة العلوية , ويصعب القول على أن خلفيتها الاجتماعية علوية أيضا , يسهل القول على أن السلطة تلطت خلف الطائفية والطائفة , ووظفت الطائفية والطائفة في خدمتها , ثم استوردت الكثير من رجال الطائفة كشركاء في عمليات الاثراء , ولا يمكن القول على أن السلطة استوردت ازلامها فقط من الطائفة العلوية , وان كنت أكثريتهم علوية , الطوائف الأخرى قدمت للسلطة الكثير من الرجال والأزلام ..طبعا لكل شيئ ثمنه !!
تجنيد الطائفة شكليا في خدمة السلطة , وتجنيد بعض أفراد الطائفة عمليا في خدمة السلطة , خلق وضعا مريبا الحق اضرارا جمة بسمعة الطائفة , التي كانت دائما أقل طائفية من غيرها من الطوائف , وقد ترتب على ذلك أن تدفع الطائفة ككل ثمنا غاليا لامتيازات بعض أفرادها , والثمن كان التضارب مع بقية الطوائف وولادة شيئا من الحقد والكره تجاه هذه الطائفة , والذين يدفعون الثمن هم من الذين لم يستفيدوا من الامتيازات الأسدية ..انهم الفقراء والمساكين الذين وضعوا في أتون حرب طائفية يتكلم المحاربون بها فقط لغة القتل , لغة بلغت بلاغتها اشكالا غير مسبوقة , انظروا الى التفنن بالقتل في الحولة , وهل يعرف التاريخ “مذبحة” للأطفال كمذبحة الحولة ؟؟
نتائج الحرب الطائفية سلبية بالنسبة لكل الطوائف المشاركة , الا أن سلبيتها بانسبة للأقلية أكثر بكثير من سلبيتها بالنسبة للأكثرية , ويجب على الأكثر تضررا أن يسعى أولا لايجاد مخرج من الأزمةة.
بالرغم من كون المشكلة طائفية , لا أظن على أن الحل “الطائفي” مجدي ومفيد , الحل الطائفي سيقود الى مشكلة قد تكون أكبر على المدى البعيد من المشكلة الحالية , والقاعدة الفكرية المريضة لاتنتج الا الأفكار المريضة , أما القاعدة الفكرية السليمة , فقد تنتج أفكارا صحيحة , وعندها قد يكون الحل صحيح .
بناء عليه لايمكن ايجاد حل صحيح انطلاقا من وهم السلطة العلوية , وانما من الحقيقة التي تقول , على أن السلطة بحد ذاتها فريق أو مايشبه الطائفة الأسدية , وعلاقة الفريق الأسدي مع الطائفة العلوية كيفيا لاتختلف عن علاقة الأسد بالطوائف الأخرى, كميا توجد فروق واضحة , ذلك لأن الفريق أو الطائفة الأسدية على أستعداد لتجنيد أي أنسان يخدمها بالسعر المناسب ومن كافة الطوائف الأخرى , الأسد غير مهتم بالفقه العلوي ,وانما فقط باستمرار تملكه للبلاد .
هذا يعني ازالة التهمة عن الطائفة , تهمة احتضانها للسلطة , وبالتالي تزول الصبغة الطائفيةعن الازمة , التي تتعيش السلطة منها , وهذا يقود بدون انهار من الدماء وبدون ازمان العداء بين الطوائف , الى انهيار تلقائي للسلطة , التي لم يبق عندها ما تتعيش منه , والتي تصبح معزولة , وبعد زوال السلطة يجب اعتاق الدين من وظيفة احتواء الانتماء القومي , حيث يصبح الانسان مبدئيا شيوعي أو سوري قومي ..أو غير ذلك , والكل يصبحوا سوريون , لهم الوطن , والدين لله