“إننا لا نستطيع أن نحل مشاكلنا بنفس طريقة التفكير التي خلقنا بها هذه المشاكل!”
الرد على من رد على الدكتورة ربا صابوني وانتقدها في نقدها لتعليقات على مقالة ميشيل كيلو “معارضة ضايعة”.
دعت سوزان سامي ربا صابوني الى الكتابة عن “قليلي الفهم” وبعد أن تأملت مليا حاجتها لأن يكتب لها عنهم وجدتني أصل الى الاعتقاد بعدم ضرورة للكتابة عن قليلي الفهم لأنهم أكثر من أن يكتب عنهم وأكثر كما يقال في اللهجة الشامية “من الهم على القلب” أينما نظر المرء فإنهم كالبغاث المستنسر المنشور وإن كانوا كزبد البحر في ردحهم وقدحهم و مردودهما الفكري والثقافي !!! جوقات و جوقات من الردح والقدح والعصبية الرخيصة والغرائزية المقيتة والغوغائية الجاهزة للطم في كل مأتم وكل جمع ،الجهوزية العالية للتنظير البعيد كل البعد عن الواقع الثقافي الحقيقي للشعب السوري (من لم يجد ما يقرأه عن خصوصية هذا الشعب النفسية والثقافية يمكنه على الأقل مشاهدة و فهم أفلام المخرج السينمائي السوري محمد ملص كا”الليل” و”أحلام المدينة” وغيرهما لترتسم صورة غروتسكية (GROTESQUE) واضحة عنه أمام ناظريه). وإذا لم يفهم المعلقون على المادة حقيقة ما يجب أن يفهموا هم وميشيل كيلوا نفسه فلأنهم لا يريدون رؤية الواقع الذي لخصه الرئيس السوري شكري القوتلي الذي وصف حقيقة نفسية الشعب السوري يوم سلم قيادة البلد لجمال عبد الناصر ذلك الشعب الذي ارتضى أن يقوده رجل غير سوري باسم خرافات وأوهام وخزعبلات الشعب السوري نفسه الذي ما إن يشطح ينطح فأما أن يشطح نحو القومية أو نحو الأممية أما الوطنية الواقعية فهي سرعان ما تجره الى حقيقته المرة وهي حقيقة قرونوسطيته البدوية – الطائفية المتمركزة عن دوغماتية (dogma) الدين وحوله التي لا تبتعد كثيرا عن روح (commonwealth spirit) القومية – الأممية لأنها منبثقة من متلازمة روح القرون الوسطى ( Medievalism syndrome ) مع خصائصه الفردية والجماعية و القطيعية !!!
الطامة الكبرى والمأساة الحقيقة للشعب السوري هي أن القلائل من يريدون فعلا حمل المرآة و تقديمها للشعب ليرى نفسه على حقيقتها فأجهزة النظام و بروبوغاندا السلطة تطبل وتزمر لشعب واعي “بطل” تغلب على المؤامرة هذا من ناحية و من ناحية أخرى المعارضات المنقسمة المتخاصمة المحسوبة على الداخل والخارج “المحسوبة عا يلي بسوى ويلي ما بسوى” تطبل لهذا الشعب الشرس “البطل” الذي أثبت “تناحة” غير مسبوقة في تدمير الذات وتدمير الوطن ولو أدى ذلك الى استتباعه لهذه القوة الإقليمية أو الدولية هذه أو تلك.
أين الحقيقة؟ الحقيقة أننا لا نريد الحقيقة بل نريد أقزام ورعاع يحطمون مرايا الواقع والواقعية وينفخوا ويضخموا في الخيلاء الجماعي (vanity of collective ego) لهذا الشعب فينظرون ويجلدون ، ينهقون و ينبحون بما لا يقدم ولا يؤخر في نهاية هذه المأساة التي نعيش فصولها فصلا بعد أخر!! ومن أراد أمثلة على ما ذهبت إليه ما عليه إلا أن يقرأ لكتبة ومستكتبي “سيريانو” كسوزان سامي المحترمة جدا جدا و لسلفيا باكير المهووسة بالأمم المتحدة وموظفيها ولتوماس آدام المشغول حتى الثمالة “بالعولمة” الناسي المتناسي لوجدانية الوطن وثمة آخر وهو ذاك المشبع والمتخم حسب كلماته هو “بزبالة آل سعود” التي يفضلها عما هو سوري وتلك ،ربا منصور،التي ما إن فسح المجال لها للردح حتى تخيلت السيد حسن نصر الله أخاها أو أباها الذين ما تركا لها فرصة للكلام إلا و قالا لها “اخرسي ولي”و وزد عليهم عماد بربر ونضال مراد وغيرهما منهم من لم يفهم حتى كلمات النشيد الوطني السوري ومع ذلك لن يتوانى عن الانخراط في جوقات النعيق على الوطن كلهم صار لهم مجال للردح والقدح وصار لهم جنازة يلطمون بها حتى ولو كانت جنازة لوطن ليس ككل الأوطان بل هو الوطن سورية!!
أما دعوات الموضوعية والعقلانية في المعارضة وفي النقد للوصول الى المشترك الوطني و الى الوصول الى عقلنة الأزمة لكي نحتويها كيلا تحتوينا وترمي بنا الى المجهول “الأفغاني” فإنها تتعرض باستمرار للرجم المستقرد (أي رجم القرود الزاعقة الهائجة) وننسى: “إننا لا نستطيع أن نحل مشاكلنا بنفس طريقة التفكير التي خلقنا بها هذه المشاكل!” ولكن وكما قالت د. ربا صابوني :على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟؟ إنه زمن النهيق والزعيق والنباح والنهيق والتزمير والردح والقدح.
بالأمس عبرت زوجتي عن استغرابها لنباح الكلاب في هذه الليالي السورية السوداء رغم أننا نسكن قلب دمشق ذي الكثافة السكانية العالية أي لا نسكن منطقة ريفية يكثر فيها الخلاء وبالتالي الفرصة للكلاب كي تنبح فقلت لها “إنه زمن النباح يا عزيزتي!”
انظري غدا ماذا سوف يكتب ردا على هذه السطور، كم رد موضوعي وكم سيكون من غير الموضوعي لتري عين الحقيقة لهذا الزمان!!!
لاتناسب بين العنوان الذي يقول كل شيئ , وبين النص الذي لايقول أي شيئ حول الموضوع الذي نحن بصدده , النص يتناسب جدا مع الأدبيات البعثية , التي تستهلك نفسها في ممارسة الشتيمة ومشتقاتها , وفي هذه الاشكالية استهلك الكاتب , الذي أقدم له أجمل التهاني بسبب موضوعه الأول الغير منقول , ثلث ماكتبه , لقد كانت “الفاتحة ” المعتادة . ثم انتقل الكاتب , بشكل غير معهود منه , الى جلد الذات , وهو المنتفخ بالفخر المزيف حتى الانفقاع , وفي الفصل الثالث يدعي أبو سلمى انه يبحث عن الحقيقة , وفي بحثه عن الحقيقة وجد الرعاع والأقزام والمهووسين والمهووسات والمتخمين بالزبالة , أي أنه عاد الى البداية , وقد كنت أنتظر منه نصا مناسبا نوعا ما للعنوان المعروف عن ألبرت أين ستاين , حيث تعامل الفيزيائي بشكل علمي مع العنوان , شكل لاصلة له مع تعامل “الزئبقي” معه .. لقد كتب أين شتاين كثيرا عن العلاقة بين طرق التفكير المسببة للمشاكل , وانه ليس بامكان طرق التفكير هذه ان تحل المشاكل التي سببتها , وهذا ماقوله دائما دون أن أرقى الى مستوى أين شتاين .
المقولة تلخص الوضع السوري وطرق حل مشاكله , وتنفي امكانية الحلول عن طريق نفس الاشخاص , الذين سببوا المشاكل , فالسلطة التي أفسدت لاتصلح ولا تنصلح , وتبني أبو سلمى أفكارا من هذا القبيل يعتبر تطورا ايجابيا , اشجعه عليه .