لامقدس عند موسكو

لا مقدس في حسابات موسكو في سوريا، باستثناء مصالحها طبعا. العبارة لمعارض سوري عائد من موسكو، ومن لقاءات مع وزير الخارجية سيرغي لافروف وعدد من الدبلوماسيين الروس المشرفين على الملف السوري.
وبديهي أن القداسة التي نزعها الروس تعني قبل كل شيء موقع الرئيس بشار الأسد في سوريا، الذي لن يتمسك به الروس في نهاية الصفقة التي يسعون إلى عقدها بين النظام والمعارضة. ونقل احد المعارضين عن مسؤول روسي تكراره أن مصير الأسد في يد السوريين وحدهم، وليس في يدنا، ولا ينبغي أن يكون في يد أحد آخر.
وبحسب معارض سوري، بعد استعراض تلك المقدمة وتفنيد المغالطات السائدة عن التمسك الروسي بالأسد، فإن الروس قد استنبطوا واقعة أن النظام السوري لن يكون قادرا على البقاء في ظل الشروط الحالية، ولكنهم يعملون من خلال لقاءاتهم السياسية على إيجاد بديل مقبول للنظام الحالي.
ويقول المعارض إنهم في محادثاتهم ينفتحون على أكثر من سيناريو، ويبدون مرونة أكبر من المتوقع، لا سيما في تسليمهم بأن لا شيء سيوقف عملية التغيير الجارية في سوريا، لكنهم لا يريدون رمي «ماء حوض الاغتسال الوسخ مع الوليد السابح فيه». بعبارة أوضح الروس يسعون إلى تحقيق معادلة لا تزال ممكنة برأيهم، وهي المزاوجة بين تغيير مضبوط للنظام من دون إسقاط الدولة، التي من دونها لا يمكن أن تستقيم أي عملية انتقالية آمنة، وبين الحفاظ على المصالح الروسية في سوريا عبر فريق جديد مركب من المعارضة وجناح من النظام الحالي لم تتلوث أيديه بدماء الحراك الشعبي. ويرى الروس أن هناك فريقا من النظام الحالي مؤهل للعمل في قيادة المرحلة الانتقالية.
وقال المعارض إن روسيا تحتاج في سوريا إلى ثلاثة عناصر ضرورية لتنهض تسوية لن يبخل الروس في مجراها بالتضحية بالرئيس الأسد والحلقة الأسرية المحيطة به، إذا ما تطلب الأمر ذلك شريطة تحقيق الهدف الأساسي للتدخل الروسي: الحفاظ على الموقع السوري في دائرة التأثير الإقليمي لموسكو، وإيجاد إدارة سورية بديلة تقبل برعاية المصالح الروسية المتشعبة، وصيانة أجهزة الدولة السورية، ولا سيما الجيش الذي يعتبر المتراس الأخير للدفاع عن استقرار العملية الانتقالية والمصالح.
وقال المعارض السوري إن اللقاءات مع المسؤولين الروس كشفت وجود ثلاثة سيناريوهات يدرسها الروس. وروى أن اسم نائب الرئيس فاروق الشرع لا يزال مفتاحيا في أي عملية انتقالية بالنسبة لموسكو. وسأل الروس خلال اللقاءات عن سيناريو أولي يجعل من الشرع مستودع صلاحيات الرئيس خلال تلك الفترة على أن تتولى شخصية من المعارضة رئاسة الوزراء خلال تلك المرحلة. وطرحت فرضية تولية معارض علوي منصب رئيس وزراء لطمأنة الأقليات، كما طرحت أسماء كاسم المعارض عارف دليلة أو هيثم مناع لاحتلال ذلك المنصب.
وقال الدبلوماسيون الروس لمحادثيهم السوريين إنهم لا يريدون عزل الأسد من منصبه في هذا السيناريو، فضلا عن أي سيناريو لا يتضمن تنحيته دفعة واحدة، ولكنهم يسعون إلى نزع ما في يديه من صلاحيات وأسلحة كمدخل للعملية السياسية. ويرى الروس أن هذا السيناريو الأول يتضمن بقاء الأسد، لكن نائبه المطلق الصلاحيات يتولى التفاوض على إجراء انتخابات برلمانية حرة مفتوحة أمام الجميع، على أن يغادر الرئيس في نهايتها المشهد السياسي.
وقال المعارض إن الروس تحدثوا عن سيناريو آخر يقوم فيه الأسد بنفسه بمغادرة منصبه، مدركا أنه بعد نقل صلاحياته لن يكون قادرا خلال المرحلة الانتقالية على البقاء على رأس الدولة التي كان يدير جميع مفاتيحها بقبضة واحدة. ويعتقد الروس أنه ينبغي أن يتمكن الرئيس السوري من التقدم إلى الانتخابات الرئاسية، لكنهم اقترحوا إنشاء لجنة مصالحة ومحاسبة تستمع إلى جميع المرشحين لتحدد ما إذا كان بوسعهم التقدم إلى تلك الانتخابات.
وقال المعارض السوري إنه لا رهان روسيا على بقاء الأسد في السلطة، وان الجيش قادر على الدفاع عن الدولة والنظام، وأنه صلب وقادر على الاستمرار في المقاومة. وأضاف أن الروس ابلغوا محادثيهم أن الجيش السوري، الذي يتمتعون في أوساطه بعلاقات ونفوذ قويين، كان سيلعب دورا قويا في بداية الأزمة، لكن الضباط السوريين الكبار قرروا دعم النظام بعد انتشار السلاح في أيدي بعض أجنحة المعارضة وتشكيل «الجيش الحر» وتداول احتمالات التدخل الخارجي وإعادة تسليح جناح يدين بالولاء لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي إطار سيناريو ثالث قال المصدر إن الروس لا يستبعدون إقامة حكومة انتقالية برئاسة عسكري يحظى بتأييد الجيش وبعض أجنحة النظام والمعارضة.
وتنظر المعارضة، التي التقت الروس، إلى شروط لا بد منها لكي تبدأ المرحلة الانتقالية. وطالبت المعارضة بخطة تبدأ بسحب الجيش من المدن وإحلال الشرطة وقوى وزارة الداخلية مكانه. كما ترى الخطة ضرورة إطلاق المعتقلين الذين لم يشاركوا في العمليات القتالية، وتجريد أسرة الرئيس والشخصيات المحيطة بها من مناصبها وصلاحياتها. كما طالبت بعزل كل الشخصيات التي اتخذت مواقف عدائية من الحراك الشعبي وعملت ضده. واقترحت لجنة مصالحة ومحاسبة لكل المسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الحراك الشعبي من رتبة مساعد حتى رتبة لواء.
وتطالب المعارضة بتولي مهمات إدارية وسياسية بدءا من مسؤوليات المحافظة حتى المناصب الوزارية. كما تدعو إلى نقل صلاحيات الرئيس إلى نائب رئيس من دون تحديد للاسم، وتشكيل حكومة وطنية موسعة يترك فيها للمعارضة حق قيادة الوزارات السيادية، وللعسكريين حق تعيين وزير للدفاع. وتعتبر الخطة الانتقالية للمعارضة التي عرضت على الرئيس أن مدخل أي تحول سياسي في تغيير النظام يبدأ بإلحاق الأجهزة الأمنية بالحكومة، وإعادة تكوينها فور انطلاق الانتقال السياسي.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *