انعدام الاستقلالية في ظل تعدد الاستقلالات

قصة الاستقلال تزداد بسبب التهافت  غرابة يوما بعد يوم  !! وذلك بالرغم من وجود اتفاق مبدئي  على أن يوم 17-4 هو يوم الاستقلال الأول والأخير  , ففي هذا اليوم رحل  آخر جندي فرنسي, والاستقلال  جاء بعد جهود  قام بها “رجال” الاستقلال ,  ونظرا لتردي الامور المتصاعد  يميل البعض الى تبديد الاسقلال بالقول  , ان سوريا لم  تستقل أبدا , اذا أن الاسقلال   يعني أكثر من رحيل الجيش الفرنسي , الاستقلال يعني   تحرير  المواطن من الفقر والاستعباد والقمع  والديكتاتورية والاستغلال  والفساد , وللأسف  ازدادت هذه الشوائب مع السنين  , ولم تتناقص , وقد بلغت ذروتها في السنين العشرة  الأخيرة , مما قاد الى الانفجار , الذي نحن بصدده الآن .

فبعد عام 1946 لم يتم بناء الدولة ,التي بها يتمثل الاستقلال , وانما تم القضاء على مشروع الدولة بعد أول انقلاب عام 1949 , حيث استمر التدهور  , وجاءت الوحدة  , ثم الانفصال بعد حوالي ثلاثة سنوات  , والبعض يقول ان  يوم الانفصال  هو يوم  الاستقلال الثاني , استقلال من المستعمر المصري , واني ارتاب قي هذه النظرة  , اذ أنه من الصعب  وضع جمال عبد الناصر  ومصر في مرتبة  الاحتلال الفرنسي, وذلك على الرغم من أن الأخطاء  التي حدثت تتجاوز بأضرارها   الأخطاء الفرنسية  , وعلى الرغم من ذلك   فمصر تبقى دولة عربية , والحزب الذي كرس الانفصال  هو حزب قال انه يريد الوحدة  العربية , ولم يناضل  حزب البعث  من أجل وحدة مع فرنسا , وانما مع مصر وغيرها من الدول العربية , من هنا يجب القول على أنه هناك فرق كيفي بين مصر وفرنيسا  , وذلك بغض النظر عن كم الأضرار التي الحقتها مصر بسوريا , مقارنة مع الأضرار التي سببتها فرنسا لسورية.  ومن هنا يجب القول  على ان  الضابط عبد الكريم النحلاوي  , الذي قاد الانقلاب على الوحدة  , ليس بمثابة فارس الخوري , الأخير هو رجل الاستقلال , والأول هر رجل الانقلاب , وسوريا استقلت على يد  فارس الخوري وأمثاله  وليس على يد النحلاوي وأمثاله .

تنصيب النحلاوي كرجل الاستقلال الثاني  له هدف واضح , وهذا الهدف هو تنصيب غيره أيضا  ومن قال ان الانقلابي النحلاوي  أفضل من الانقلابي الأسد  ومن ورثه ؟؟لذا فانه يوجد  استقلال ثالث ولتبرير وجود الاسقلال الثالث   يستعرض المروجون له  وضع سوريا  بلغتهم  المعتادة  , اذ يقولون: تعيش سوريا الآن حرباً كونيّة تستهدف وجودها وشعبها ودورها, بغية إعادتها إلى ما قبل مرحل الاستقرار التي عرفتها في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد, ويستغل أبطال هذه الحرب الكونيّة حالة الفساد المستشري في طول البلاد وعرضها كاستغلالهم لاستحقاقات سوريّة تأخر النظام الحالي الإيفاء بها دون مبررات مقنعة سنوات عدة, نقول غير مبررة بدليل أنه حقق وأنجز معظمها في الظروف القاهرة التي يعيشها الوطن السوري راهناً,من حسن الحظ أن غالبية السوريين ليسوا مقتنعين بادعاءات الغرب المستعمر(ورجالاته في معظم المعارضات السوريّة) الذي يدّعي القلق عليهم من خلال مطالباته اللجوجة بالإصلاح تارة وبإسقاط النظام مرات أخرى.. الخ. وإذا ما قُدّر للمشروع الغربي النجاح –والراجح أنه فشل- فهذا يعني أن سوريا ستعود إلى عهد الانتداب وربما الاحتلال المباشر أو الاحتلال بالوكالة, وهنا بالذات (وربما فقط) تأتي أهمية النظام السوري الحالي الذي استحق عن جدارة لقب الممانع والصامد أيضاً, وهو في صموده لا يدافع عن وجوده كنظام فحسب بل يدافع عن وجود سوريا الدولة والكيان والمجتمع المتعدد الاثنيات والقوميات والأديان والمذاهب.. إنه يدافع في صموده عن التنوع الثقافي السوري في ظل الوحدة الوطنيّة.
انطلاقاً مما سبق, يمكن القول وبضمير مرتاح أن الرئيس بشار الأسد هو بطل الاستقلال الثالث لسوريا(مع احترامنا لمشاعر الناصريين والقوميين والبعثيين إذا ما فهموا أن سنوات الوحدة 1958- 1961 كانت عبارة عن احتلال مصري لسوريا), ومن بعد تثبيت دعائم الاستقلال الثالث بقيادة الرئيس بشار الأسد سيكون أمامه وأمام السوريين مهمة استكمال بناء الدولة السوريّة المُمأسسة, والنهوض بحالة المواطن السوري والعمل للقضاء على البطالة أو الحد منها كما محاربة الفساد, والاهم من كل ذلك الحفاظ على الاستقلال الثالث لسوريا والسوريين.. الاستقلال المُتمثل في السيادة والدور والقرار والإنماء.

وهذا يعني مايلي , هنك ثلاثة استقلالات  , أول استقلال  كان عام 1946 , والاستقلال الثاني كان عام 1961  , والاستقلال الثالث  كان عام 1963 , وهذا الاسقلال  يستمر الى هذه اللحظة تحت جناح القيادة الحكيمة , ولا يخجل مروجوا الاستقلال الثالث من  التنويه الى الخلفية الطائفية  للاستقلالات ,فمن البارزين في الاستقلال الأول كان المسيحي فارس الخوري , ومن البارزين في الاستقلال الثاني  كان السني عبد الكريم النحلاوي , ومن البارزين في الاستقلال الثالث  كان العلوي حافظ الأسد ,  وبذلك  قامت الطوائف بواجباتها حيال الاستقلال  , وما حدا أحسن من حدا !!!

هل يجب أو يمكن القول , على أن انماط التفكير التي نحن بصددها  غريبة ؟ ليست غريبة  عندما  عندما نرى  الدرك والانحطاط الفئوي الطائفي  الذي  ينخر بالبلاد , الا أن هذه الأنماط بدون أي شك  عجيبة ,   فمن عجائب الدهر مثلا  أن يتأخر الانسان بدلا من أن يتقدم  ,ومن عجائب الدهر أيضا  أن يرحل المستعمر  الخارجي , ويأتي المستعمر الداخلي , ومن العجيب أيضا  أن لايسأل رجل الاستقلال الثالث  الشعب عن رأيه حول  افتراضية الاستقلال الثالث , ففئات  كثيرة وكبيرة  توحي على أن الأمر لايتعدى “االاستعمار ” الثالث ,  ولم يعط  رجل الاستقلال الثالث الشعب  أي امكانية واقعية لقول كلمته  بصراحة وحرية  ,  انما  كان مضطرا  لتزوير هذه الكلمة  , وهذا يوحي بأن  الموضوع حقيقة هو استعمار ثالث وليس  استقلال ثالث , ولو كان الأمر استقلال ثالث  حقيقة  لسمحت السلطة للشعب بالفرح والهرج والمرج به , الا أن تصرف السلطة يوحي  , بأن السماح للشعب بقول كلمته  سيحول الفرح  الى عكسه .

اذا تثنى للأمور أن تسير على منوال الاستقلالات المتعددة , فسيكون هناك  بكل تأكيد  استقلال رابع ,  ولا يعني هذا بالضرورة  سقوط النظام, وانما يعني  ان الاصلاح هو استقلال و سيأتي  مع النظام أو بدونه , والاصلاح  هو فعلا  رمز للاستقلالية   ,  هذا اذا تطورت الأمور بشكل جدي  وفعال .

فالى متى سيستمر تكاثر الاستقلالات في دولة حولها الاستقلال الثاني والثالث الى مستعمرة , كفى اهانة لرمزية واعتبارية السابع عشر من نيسان , وكفى دجلا  واحتقارا للشعب السوري  , الذي لم يبق من استقلاله  الى رمزية هذا اليوم ,وبعد أن سرق الضباع  الاستقلال ثم الأخضر واليابس , يحاولون  سرقة الرمز , فعلا هذا يكفي !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *