خريف الجزيرة: سقوط امبراطورية /مملكة الوهم.

خريف الجزيرة: سقوط امبراطورية

مملكة الوهم

بيار أبي صعب

بعد فورة التسعينيات الفضائيّة، عرف العرب نوعين من التحرّر. الأوّل «اجتماعي» مع محطّة lbc التي انتصب لها الخليج سيفاً واحداً، تحيّة للحسناوات الخفيفات اللبس والاستعراض والبوح الملتهب والاغراء. وبعد هذه السنوات، جاء الرأسمال السعودي والتهم بشبق الفضائيّة اللبنانيّة المذكورة. أما التحرّر الثاني في المشهد الفضائي العربي، فجاء «سياسيّاً»، مع «الجزيرة» التي فرضت نفسها في وقت قصير اقليميّاً ودوليّاً. إنّها قصّة أليس في بلاد العجائب. في الدولة الصغيرة الغنيّة، تفتّحت تجربة اعلاميّة مثيرة، تراهن على الاختلاف والجرأة والمهنيّة. من التغطية المغايرة للحدث إلى رفع لواء «الرأي الآخر»، تشكّل اعلام بديل لم يكن يتخيّله مشاهدو التلفزيون الرسمي، من المحيط إلى الخليج.

 

الاختراع المحيّر صار مرجعاً للفرد العربي المتعطّش لكشف المسكوت عنه، ومتابعة الجدل السياسي ولو استعراضيّاً. كيف بوسع نظام سياسي لا يختلف عن أنظمة الجوار، أن يفتح تلك الثغرة «التقدميّة»؟ غضّ كثيرون النظر عن الخلطة الغريبة في المكوّنات السياسيّة للمحطّة: من «بعث» (عراقي) آنذاك، و«ليبراليّة» مشرّعة على إسرائيل في فترة ما، إلى الاتجاه الاسلاموي الذي ابتلع كل ما عداه.

ما همّ؟ صار للعرب محطّة تضاهي

الـ CNN، وتنظر إلى الأحداث من زاوية أخرى. من الحرب الأميركيّة ـــ البريطانيّة على العراق إلى العدوان الاسرائيلي على لبنان ثم غزّة… وصولاً إلى الانتفاضتين التونسيّة والمصريّة، كان التاريخ يتشكّل مباشرة على «الجزيرة». ثم اكتشف النظام القطري هواية جديدة، وقرّر أن يصبح سبونسور «الثورة» العربيّة. مرّت المحطّة فوق ربيع المنامة مثل الدبابات السعوديّة، لـ«تقود» حركة التغيير في سوريا. بسرعة بدأت الزلات المهنيّة التي تحوّلت انحرافات متعمّدة، فتزييفاً منهجيّاً للحدث كما تثبت الوثائق والتصريحات التي تسرّبت في الأسابيع الأخيرة. ليس أن النظام السوري بمنأى عن الاستبداد والقمع، لكن «فجور» الخطاب الاعلامي جاء يسرق من الشعب انتفاضته. على صخرة المأساة السوريّة تكسّرت مملكة الوهم، وعادت المحطّة إلى حجمها الطبيعي. فجأة انتبه المشاهدون إلى أنّهم أمام اعلام رسمي يشبه ما نراه في سائر الأنظمة الشموليّة، بل يفوقها خطورة بحكم التجربة والصيت وادعاءات الاستقلاليّة والموضوعيّة. اليوم تتواصل الفضائح والاستقالات، ليبقى في ذاكرة الاعلام العربي المعاصر، جرح غائر اسمه «الجزيرة».

 

ميديا

العدد ١٦٧٠ الاربعاء ٢٨ آذار ٢٠١٢

——————————————————————————–

 مقالات أخرى لبيار أبي صعب:

يوم ضدّ الانحطاط

ربيع مروّة المتلاعب بأساطير الراهن

لبكي سيندروم

تحجيب الفضاء؟ حظاً سعيداً يا سادتي الرقباء!

ما مذكر «ثورة»؟

http://www.al-akhbar.com/node/61098

خريف الجزيرة: سقوط امبراطورية /مملكة الوهم.” comment for

  1. شكا الإعلامي السوري طريقة تعامل «الجزيرة» مع الشأن السوري، انطلاقاً من قريته (العثمانية) وتجربته الشخصية. يقول في الرسالة المؤرخة بتاريخ 5 آذار (مارس) 2012: «في قريتي ستة من أبناء عمي قتلوا، واثنان اختفيا بعدما ظهرا على قناة «الجزيرة» على أنهما منشقّان هما عزيز وبشار (…) عزيز والد لخمسة أطفال، كان صوته يتهدّج خوفاً وهو يقول ما تم تلقينه وظلّ بندقية وراء رأسه (…) في قريتي آخر القتلى كان ابن عمتي أحمد، وجدت جثته في مكب للقمامة في حمص مقطعة الأطراف (…) في قريتي يحبّون الأسد (…)». وسخر سلامة من سياسة المراسلين غير الرسميين للمحطة أي الناشطين المعارضين الذين يزوّدونها بالأخبار، قائلاً: «مراسلو «الجزيرة» إذاً في سوريا يلتزمون المعايير التحريرية والموضوعية والحيادية وتقديم الرأي والرأي الآخر، أشدّ على أيديهم وأدعوهم إلى زيارة قريتي ففيها الكثير من القصص الجميلة».

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *