“تكالبت في الحالة السوريّة القوى الإقليميّة والعالميّة في صراع لا علاقة له البتّة بالشعب السوري.” “لا مكان للعواطف فيها أبداً (أو «بنوب» كما يقول الشوام)”

“تكالبت في الحالة السوريّة القوى الإقليميّة والعالميّة في صراع لا علاقة له البتّة بالشعب السوري.” لا مكان للعواطف فيها أبداً (أو «بنوب» كما يقول الشوام)”

العنوان الأصلي للمقال هو: “نهم هناك «مؤامرات» على سوريا”

وقد تقصدت تغير عنوان المقال لغاية في نفس يعقوب!

ضياء.

 

نهم هناك «مؤامرات» على سوريا

أسعد أبو خليل

ليست هي مؤامرة تلك التي تُعلن عن نفسها (أكثر من مرّة) في مؤتمرات علنيّة تستدعي أصدقاءها ومريديها. ليست هي مؤامرة عندما يفصح حائكوها عن مكنوناتهم. هناك ما يثير الريبة. يكفي أن تلاحظ عن بعد ما يجري وما يدور. يكفي أن تشاهد (أو تشاهدي) أي متحدّث من المجلس الوطني السوري وهو يعتلي المنبر لترداد دعايات صهيونيّة لا لبس فيها. هذا الهوس الدعائي بحزب الله، فيما لا يتعدّى دوره في سوريا التأييد السياسي على ما في هذا التأييد من سوء التقدير والضرر على سمعة المقاومة (ينسى أهل 14 آذار السوريّة أنّ النظام السوري هو الذي كان يمدّ الحزب بالسلاح والعتاد، لا العكس) يشير إلى شيء.

من يصدّق أنّ النظام القمعي السوري يحتاج إلى أربعة مقاتلين في حمص، على ما ردّد أكثر من مصدر في معارضة المجلس الوطني السوري كي يدعم جيشه؟ ولماذا الإصرار من المجلس على إصدار تطمينات مُبكّرة إلى إسرائيل؟ هذا تسديد مسبق لفواتير، على طريقة المؤتمر الوطني العراقي قبل غزو 2003، والمجلس يسير على خطى المؤتمر. لو أنّ واحداً من المجلس الوطني السوري يقرن نقده وشتائمه للنظام السوري بنقد وشتائم للكيان الصهيوني، لكنا صدّقنا أنّ المواقف السياسيّة نابعة من القلب لا من الجيب. (اسأل ما في الجيب، تعلم ما في الغيب).

ثم هناك تقلّبات تذكّرك بالتقلّبات الشديدة البراءة (والمنزّهة عن الهوى والغرض) الذي اشتهر بها وليد جنبلاط. برهان غليون كان يرفض الخوض في الصراعات اللبنانيّة ويقول بحدّة: ابعدونا عن صراعاتكم في لبنان. الآن، اتضح أنّ المجلس الوطني السوري (قبل انشقاقه) أصبح فرع 14 آذار السوري (وبالرعاية الماليّة نفسها، وبات فارس سعيد يقرأ بيانات المجلس وبصياغة أقلام مكتب الحريري الإعلامي). المجلس بدأ عهده بالإصرار على الاحتجاج السلمي، وبات يطالب بالتسليح وهو يرفع من «وتيرة تنسيقه» مع الجيش السوري الحرّ (الذي اتهمه تقرير لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب). المجلس الوطني السوري كان يرفض التدخّل العسكري الخارجي، وهو اليوم يريد تدخّلات عسكريّة كونيّة من كل حدب وصوب. برهان غليون كان حازماً في مواقفه من العدوّ الإسرائيلي، لكنّه صمت بعد بثّ شريط غزل (سياسي) بين بسمة قضماني وإسرائيليّين. كل هذه التغييرات في غضون أسابيع؟

ماذا حلّ بما كان انتفاضة عفويّة وشعبيّة في سوريا على غرار الانتفاضات العربيّة الأخرى؟ وكيف يمكننا أن نخلّص تحليل الوضع السوري الداخلي من كثافة التدخّلات الخارجيّة في سوريا (قد تكون تدخّلات الحريريّة اللبنانيّة أضعفها أو أقلّها، أو أنّ دورها مرسوم من قبل دور أكبر منها بكثير)؟ لنتفق أو نختلف على بعض الحقائق والأمور: 1) إنّ اندلاع الانتفاضة في سوريا كان عفويّاً، ولم يكن من بنات أفكار هنري كيسينجر. إنّ المقابلة المزوّرة المنسوبة إلى كيسينجر لا تكفي لجعل أولاد درعا جزءاً من مخطّط خارجي خطير. 2) إنّ للشعب السوري برمّته أسباباً وأسباباً للانتفاضة والثورة على نظام في عهد حافظ الأسد وفي عهد بشّار. لا تحتاج الأسباب إلى حثّ مؤامراتي. 3) إنّ النظام السوري لم يرتكب أخطاءً كما يردّد النظام في أبواق إعلامه، بل ارتكب جرائم ومجازر على مرّ العقود. 4) إنّ النظام السوري مثل كل الأنظمة العربيّة من دون استثناء يعصى على الإصلاح؛ لأنّ الفساد والجَوْر من أساس النظام ومن صلبه (بالمناسبة، هل لا يزال رامي مخلوف متفرّغاً للعمل الخيري؟). 5) إنّ السياسة الخارجيّة لأي نظام لا يمكن أن تسوّغ القمع الداخلي، وخصوصاً أنّ مسألة شعارات السياسة الخارجيّة للنظام لا تتوافق مع تعاطي النظام مع ملفّ الجولان المحتل مع كلّ منظمات الثورة الفلسطينيّة ومع قبوله مثل لبنان بمبادرة الاستسلام السعوديّة. 6) إنّ المعارضة السوريّة المتمثّلة بالمجلس الوطني السوري لا تمثّل التغيير الذي انتفض الشعب السوري من أجله، وهي باتت اليوم أسيرة طوعيّة لأجندات خارجيّة تتصدّرها مصلحة إسرائيل. 7) إنّ النظام السعودي وباقي أنظمة الخليج لم تكن يوماً صديقة الشعب السوري أو العراقي، وقد أمدّت النظاميْن بمليارات الدولارات من الدعم التي لولاها لما استمرّ في الحكم هذه السنين الطويلة. 8) إنّ الواجب هو في معارضة المجلس الوطني السوري قبل وصوله إلى السلطة، كما كان من الواجب معارضة حزب البعث قبل وصوله إلى السلطة في 1963، لأنّ عناوين القمع تُقرأ في بيانات الأحزاب ولغاتها الملتوية وفي تحالفاتها. 9) إنّ النظام السوري ارتكب جرائم ومجازر فظيعة منذ اندلاع الانتفاضة، كذلك إنّ الجيش السوري الحرّ ومن لفّ لفّه من حركات ومنظمات سلفيّة أو دينيّة متشدّدة ارتكب جرائم ومجازر أيضاً وباعتراف تقرير الأمم المتحدة الأخير الذي أضاف ما معناه أنّ من الواجب عدم الحديث عن مجازر الجيش السوري الحرّ لأنّها تقلّ عدداً عن جرائم النظام السوري. 10) إنّ التدخّل الخليجي في سوريا، مثله مثل التدخّل الخليجي في اليمن، هو تدخّل بالنيابة عن مشاريع أميركيّة إسرائيليّة. 11) لم يكن مشروع فريق مراقبي الجامعة العربيّة إلا خدعة من قبل المؤامرة الخارجيّة، إلا أنّ قبول النظام السوري بالمهمّة عرقل لبعض الوقت مسيرة المهمّة، ما فرض إهمال تقرير المراقبين وإنهاء مهمتهم. 12) ليس هناك من بوادر لرغبة أو قدرة النظام الحاكم على مشاركة السلطة مع أحد، ولو كان منتدباً من الحكومة الروسيّة. 13) إنّ تنظيم الإخوان المسلمين بات ركناً أساسيّاً في الثورة العربيّة المضادة، وهو ناشط في الحالة السوريّة وبتنسيق مع ولاة أمره في السعوديّة (إنّ تنظيم الأخوان السوري هو من أقرب الفروع إلى الحكم السعودي). 14) يعمد إعلام النظام وإعلام المعارضة الموالي للإخوان إلى ضخّ كميّة هائلة من الأكاذيب تجعل من إجلاء الحقائق في سوريا عمليّة صعبة وشاقّة. 15) إنّ مؤتمر «أصدقاء سوريا» كان مبادرة من أعداء الشعب السوري من أجل مصالح أميركيّة إسرائيليّة. 16) قد يكون من الضروري مناشدة النظام السوري التوقّف عن الاستمرار في الإصلاح، رأفة بالشعب السوري ومصلحته.

إنّ الحديث عن المؤامرات يفيد ويضّر في آن واحد. عهدنا الأنظمة العربيّة الجمهوريّة والملكيّة وهي تلقي باللوم على مؤامرات خارجيّة لتفسير احتجاجات داخليّة: النظامان البحريني والسعودي يلقيان باللائمة على مؤامرات إيرانيّة لتسويغ القمع السعودي في القطيف وفي البحرين. كذلك فإنّ النظام السوري نبش هنري كيسينجر من شيخوخته (واختلق مقابلة وهميّة معه وهي تُتناقل في مواقع الإنترنت العربيّة) كي يفسّر لجمهوره أسباب الانتفاضات العربيّة (بعدما بارك بعضها قبل اندلاع الانتفاضة في سوريا). إنّ تفسير المؤامرة ضروري كي يصبح إقصاء مواطنين عن الوطن ممكناً وسهلاً في آن واحد. وزارة الداخليّة السعوديّة كانت صريحة: إنّ مواطنيّة الشيعة في السعوديّة مرتبطة بدرجة طاعتهم وولائهم (يكفي لتبيان نفاق أدعياء الليبرالجيّة العربيّة أنّهم في صفّ أكثر نظام قامع للحريّات الفرديّة. كان جون ستيوارت ميل سيستمتع بظاهرة ليبراليّي آل سعود وليبراليّاتهم).

لكن المؤامرات الغربيّة العالميّة ضد دول وأنظمة لا ترضى عنها أميركا (خصوصاً وليس حصريّاً في منطقة الشرق الأوسط) حقيقيّة وضاربة بعمق في التاريخ العربي المعاصر. إنّ فضيحة «لافون» في مصر كانت مثالاً على ذلك. وعندما أماط النظام الناصري اللثام عن عصابة إسرائيل (التي جنّدت مصريّين يهوداً) وعن قيامها بتفجير مواقع ومراكز أميركيّة في مصر لإفساد علاقة لم تكن سيّئة بعد بين مصر والولايات المتحدة، قامت قيامة العالم الغربي آنذاك، واتهم عبد الناصر بالتنكيل باليهود المصريّين، ورفع لوبي الصهيونيّة العالميّة، الذي يستتر وراء رداء معاداة اللاساميّة، صوته. كذلك نفى الإعلام الصهيوني ضلوع إسرائيل في فضيحة انكشاف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في سوريا. وقد أعدّت أميركا لاجتياحها للعراق في 1993 سلّة من المؤامرات التفجيريّة والإعلاميّة، وأمرت إعلام آل سعود بالشروع في تغطية جرائم صدّام حسين (عادت وعكست صحف آل سعود الآية عندما تبنّت صدّام حسين بعد موته لأسباب محض مذهبيّة). ثم ليس هناك من صراع في العالم العربي لم تدخل فيه إسرائيل طرفاً: الصراعات الداخليّة فرصة نفاذ للعدوّ دوماً، من الصحراء الغربيّة إلى جانب الملكيّة الرجعيّة أو الحرب الأهليّة في السودان أو حروب اليمن عبر التاريخ (في صف آل سعود طبعاً) إلى الحرب اللبنانيّة وكان العدوّ الإسرائيلي طرفاً فيها منذ اليوم الأوّل في صف حزب الكتائب وحلفائه، وثورة ظفار بالإضافة إلى الصراعات الفلسطينيّة الداخليّة منذ 1937 (نعلم من الوثائق العبريّة أنّ عائلة النشاشيبي المتنفّذة أو قيادتها السياسيّة كانت تتلقّى معونات ماليّة من الصهاينة وتماشي مصالحهم).

دخلت سوريا في 2011 مرحلة صراع إقليمي ودولي لم تشهدها منطقتنا منذ الحرب الباردة. إنّ حروب بوش وكلينتون وبوش (الأوّل) لم تكن صراعات عالميّة؛ لأنّ العالم إما لحق بأميركا أو أنّه استنكف عن الاعتراض خشية الأذيّة الذاتيّة أو بسبب الغرق في مشاكل داخليّة عويصة. قد تشبه مرحلة الصراع الحالية حرب السويس في 1956، منذ تعقيدات التداخل والتشابك بين المؤامرات. تكالبت في الحالة السوريّة القوى الإقليميّة والعالميّة في صراع لا علاقة له البتّة بالشعب السوري. وعندما تطلّ الحكومة الأميركيّة (في أية إدارة، لا يهم) برأسها للتدخّل العسكري والدبلوماسي، تعلم أنّ إسرائيل ليست بعيدة عنها أبداً، وتعلم أنّ المقاصد الإنسانيّة الشريفة لا وجود لها في حزمة مُقرِّرات السياسة الخارجّة الأميركيّة. لكن هذه المرّة فوجئت الحكومة الأميركيّة بفيتو صيني وروسي ضد محاولة التدخّل العسكري الغربي: إذا كانت ذريعة «حماية المدنيّين» قد أدّت إلى اجتياح وحشي لليبيا، فإنّ قراراً من مجلس الأمن بالتدخّل العسكريّ كان سيسمح للدول الغربيّة بشن حرب عالميّة على سوريا.

وروسيا والصين لا تكترثان البتّة للوضع الإنساني للشعب السوري ولا لمطالبه السياسيّة المشروعة (كما أنّ إيران وروسيا والصين ليست في موقع الوعظ في شؤون الإصلاح والإرشاد، كذلك دول مجلس التعاون والأردن فهي ليست إطلاقاً في موقع يسمح لها بالوعظ والإرشاد). وإعلام فريق «الممانعة» يُحلّل العلاقات الدوليّة على طريقة تحليلات الشيوعيّين الستالينيّين أثناء الحرب الباردة (يعني مدرسة مجلّة «الطريق» بإشراف الرفيق السابق كريم مروّة). ماذا تتوقّع من إعلام «المنار»، مثلاً، الذي لا يزال يعتمد على تحليلات «فرانكلين لام»، الذي لم ينفكّ منذ حقبة بوش ينبّه العرب إلى كون الضربة على إيران آتية لا محالة في الربيع المقبل (وإعلام «المنار» يتحدّث عن «تقدّم» القوات السوريّة في حمص، وكأنّ الجيش السوري يخوض معركة تحرير فلسطين)؟ إعلام «الممانعة» يصرّ على أنّ الحرب الباردة عادت، وأنّ يوري أندروبوف شوهد وهو يفرّ من قبره حاملاً دستور البعث الجديد. وهناك من يجزم على شاشة «الدنيا» بأنّ «الروس طاحشون على الآخر» (ونجم هذه المحطة بلا منازع محمد ضرار جمّو الذي نبّه المعارضين إلى أنّه يعرف في أي ساعة ينامون وماذا يأكلون وأين يذهبون، وجزم على محطة «الدنيا» أنّني أعارض النظام السوري مقابل ما بين 2000 و3000 دولار، مع أنّني أتطوّع للمهمّة مجاناً). والبيانات الرسميّة الروسيّة عن سوريا لا مكان للعواطف فيها أبداً (أو «بنوب» كما يقول الشوام). إنّها تتحدّث عن مصالح روسيّة. والصين تكنّ من الحب لحزب البعث الحاكم في سوريا ما يكنّه وليد جنبلاط من الحبّ لمحمّد رعد. روسيا والصين تعدّان لمستقبل لا تسمحان فيه بعد اليوم للولايات المتحدّة بالاستئثار بالمقدّرات الكونيّة إلى الدرجة الحاليّة. لكن الصين (لأسباب لا مجال لتعدادها هنا) ليست مستعدّة بعد للبروز كقوّة عظمى. إنّ اقتصاد الصين سيتفوّق على الاقتصاد الأميركي بعد نحو 15 سنة: قد يكون ذلك التاريخ مؤشّراً، من دون أن يعني الإلغاء الفوري للسطوة العالميّة الأميركيّة. والأسطول البحري الصيني والأساطيل سمات الإمبراطوريّات الفائقة متواضع جدّاً مقارنة بالأسطول الأميركي (ابتاعت الصين لنفسها من روسيا حاملتيْ طائرات مستعملتيْن بهدف اللحاق البطيء). لكن عقيدة أوباما في السياسة الخارجيّة تلحظ زيادة الوجود العسكري الأميركي في آسيا، ونشر قوّة عسكريّة في أوستراليا، وذلك استعداداً لمستقبل قد يطول وقد يقصر.

إنّ أميركا تدير قطر والسعوديّة ومبادراتهما، وإن كانت بعض الخلافات التفصيليّة تعتري بنية العلاقات بين الطرفيْن غير المتكافئيْن. أميركا تدير دفّة الثورة المضادة في العالم العربي، وثنائي قطر والسعوديّة يتحرّك بهامش صغير. والانضواء في صف الثورة المضادة لا ينفي الخلافات بين أطرافها (مثل الخلاف والتنافس والحقد المستحكم بين السعوديّة وقطر، بالرغم من زيف الاتحاد في صف مجلس التعاون الخليجي بعد الغزو السعودي للبحرين). أميركا تريد إنهاك الخصم السوري، لكنّها غير متأكّدة من صوابية قلب النظام. وقد ظهر هذا عندما عارضت هيلاري كلينتون هذا الأسبوع تسليح المعارضات السوريّة، خوفاً من وصول السلاح إلى مجموعات تصفها أميركا بـ«الإرهابيّة» (فيما يصرّ ليبرالجيّو إعلام أمراء آل سعود وشيوخ الحريري أنّ كل المجموعات المسلّحة في سوريا غارقة في العلمانيّة والليبراليّة والانفتاح)، وعارضت أيضاً تجريم الرئيس السوري. لكن السعوديّة وقطر تبديان حماسة كبرى للتسليح (ولم تمدّ السلالتان المقاومة الفلسطينيّة بقطعة سلاح واحدة عبر العقود)؛ لأنّ المجموعات المتطرّفة تتوافق مع أهوائهما الدينيّة المتطرّفة.

كذلك فإنّ أميركا وإسرائيل لم تتوافقا بعد على رؤيتهما للوضع السوري. تتوافقان على ضرورة إنهاك النظام السوري، وعلى ضرورة دعم حركة 14 آذار السوريّة (طبق الأصل عن شقيقتها اللبنانيّة). لكن الجدال لم ينته في البلديْن بشأن صوابيّة قلب النظام بالكامل. ليس صحيحاً أنّ إسرائيل تسعى إلى الفوضى: هي تفضّل حسني مبارك على الأشهر الأولى والأخرى التي تلت سقوطه. إنّ تفجير أنابيب الغاز وتنفيذ عمليّة «إيلات» المعقّدة لم يكن ليتما في ظلّ نظام مبارك. كذلك إنّ حالة الفوضى تسمح لضرب الثورة المضادة أكثر من التحرّك في ظل نظام قمعي. لكن إسرائيل وأميركا تريدان ضرب مواقع مختلفة في محور الحلف الإيراني في المنطقة العربيّة، وهما مهووستان بضرب حزب الله (لو كان حزب الله يفتقر إلى قاعدة شعبيّة لسهل ضربه أكثر، لكن الحزب روّع المنطقة في الثمانينيات عندما كان تنظيماً سريّاً صغيراً، وهذا ما يدركه جيّداً المسؤولون الأميركيّون الذين لا يبدون حماسة لخيار التدخّل العسكري المباشر في سوريا).

المؤامرات باتت مكثّفة في سوريا، إلى درجة أنّه يمكن تحديد أبعادها المختلفة. هناك طبعاً الصراع الإيراني ـــــ السعودي، وهو اليوم مُستعر بسبب ما يجري في سوريا. وطلب تسليح المعارضة من قبل سعود الفيصل هو من أجل الدفع بالصراع إلى الأخير (والفيصل هو الذي أشرف أيضاً على تسليح 14 آذار في لبنان بعد اغتيال الحريري، وأبدى أسفه في ما بعد أمام حاكم عربي لأنّ قوى 14 آذار لم تصمد أمام قوى 8 آذار بالرغم من توفير ثلاث وجبات ساخنة في اليوم من المال السعودي، على حدّ قوله). كذلك إنّ الهويّة الطائفيّة لحزب الله والنظام السوري والنظام الإيراني تتيح للنظام السعودي ذي عقيدة الكراهية المذهبيّة والدينيّة، وهي في صلب الوهابيّة، تحويل الصراع السعودي الإيراني إلى صراع سني ــ شيعي وقد خاضته السعوديّة بحماسة منذ 2003. وهناك أيضاً صراع على مستوى أعلى من الصراع الإقليمي الأبرز، هو الصراع بين أميركا من جهة ومنافسيها الخجولَيْن إلى الآن، أي روسيا والصين. لكن المنافسة العالميّة تلك تسفر عن تكريس لابتعاد روسي عن المصالح الأميركيّة العالميّة بصورة لم تظهر منذ نهاية الاتحاد السوفياتي. وهناك أيضاً الصراع اللبناني الذي تدور رحاه في سوريا: لا تجرؤ 14 آذار على مواجهة حزب الله وحلفائه في لبنان، لهذا فهي ترمي بثقلها في الصراع السوري لعلّها تصيب في حزب الله مقتلاً باسم «التضامن مع الشعب السوري». وهي تختلق خبريّات عن مشاركة حزب الله في الصراع في سوريا، لتبييض صفحتها مع إسرائيل وتسويغ تدخّلها العسكري والمالي والسياسي والدعائي في الصراع السوري.

لكنّ هناك بعداً آخر غير خفي في الصراع. إنّ إسرائيل أيضاً تخوض غمار الصراع في سوريا. وليس مشهد بسمة قضماني في التملّق لإسرائيليّين (كذبت قضماني عندما زعمت أنّ الشريط مُفبرك، ومشاهدة الشريط بالكامل يتوافق مع المقطع المُتداول) وخبر لقاء مأمون الحمصي (الذي زعم مرّة أنّ آل الحريري لا يتعاملون بالمال في السياسة) مع ناشطة إسرائيليّة، والتطمينات التي يرسلها غليون ورياض الشقفة إلى إسرائيل ليست صدفة إطلاقاً. وقد باشرت أطراف في المعارضة السوريّة مبكّراً اختلاق الروايات عن ضلوع لحزب الله وللحرس الثوري الإيراني في القمع بسوريا، وكأنّ هناك نقصاً في جهاز القمع والقتل في سوريا. إنّ إسرائيل تتصارع مع أعدائها في سوريا (وإن كانت غير متأكّدة من رغبتها في إسقاط النظام بالكامل). وقد بدأت إسرائيل في الحرب في سوريا قبل أعوام، عبر قصف وسيّارات مفخّخة واغتيالات، لكن النظام السوري لم يحرّك ساكناً عملاً بعقيدة حزب البعث في الانتظار لعقود لتحديد زمان المعركة ومكانها. وإسرائيل تستفيد من حال الصراع كي تقوم باغتيالات، أو يقوم أعوانها في سوريا (وهم نظراء أعوانها في لبنان) بتنفيذ الأوامر.

إنّ الأطراف الخارجيّة تستهتر بمصالح الشعب السوري استهتاراً كاملاً. طبعاً، هناك استثناءات للاستهتار بمصالح الشعب السوري. هناك الإنساني وليد جنبلاط، الذي في تاريخه السياسي الطويل لم يحد عن نهج الديموقراطيّة والوراثة العائليّة والكثير من الاشتراكيّة. ألم تره حاملاً شمعة تنير الظلام برفقة كريم مروّة الذي قال لجريدة «الديار» في التسعينيات إنّ أحداً لم يؤثّر عليه كما أثّر حافظ الأسد وفيديل كاسترو؟ وليد جنبلاط هذا يشعر ويتألّم لمعاناة الشعب السوري، ربما لأنّ مجزرة حماة في 1982 ارتكبت أثناء عقود حلفه الوثيق مع النظام السوري. لكن تأييد جنبلاط للشعب السوري هو على شاكلة تأييد «أصدقاء سوريا». تجمّع الأعداء والشعب السوري يواجه مصيراً وحيداً.

* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت:

angryarab.blogspot.com)

رأي

http://www.al-akhbar.com/node/44599

“تكالبت في الحالة السوريّة القوى الإقليميّة والعالميّة في صراع لا علاقة له البتّة بالشعب السوري.” “لا مكان للعواطف فيها أبداً (أو «بنوب» كما يقول الشوام)”” comment for

  1. ثمة أخطاء واضحة في متن المقال ولكني آثرت ترك المقال دون تعديل مع الرابط الألكتروني للتحقق من صحة ما ورد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *