الوطن ليس أنا أو أنت أو هو , الوطن كلنا جميعا !

من المهم جدا  تحديد بداية الثورة السورية  , واذا كان الظلم والفساد  واللاشرعية  اسباب وجيهة للثورة  , يجب القول    على أن الثورة  الشعبية بدأت  بعد  عام 1963   , وبالواقع  تواجدت  فئات  في هذه البلاد بعد هذا التاريخ  في حالة رفض  لما حدث سياسيا وعسكريا وسلطويا  , فالرافضون الأوائل  كانوا من ضمن المؤسسةالانقلابية  , التي تطورت من تصفية لأخرى   ومن تصحيح لآخر .. في المجمل عاشت البلاد منذ ذلك التاريخ  في حرب أهلية باردة , تخللتها فترات ساخنة وحامية جدا .

لماذا من المهم تحديد  تاريخ الثورة بسنة 1963 ؟   لأن ذلك دليل على العديد من  ألامور   , اولهم هو ان الثورة التي اتحدث عنها  لم تكن انقلابا عسكريا  تم خلال ربع ساعة وبدأ بالبيان الأول وبرقيات التأييد ,    , وثانيهم , هو أن ازمان الثورة هو دليل على عدم امكانية القضاء عليها , مهما تفننت السلطة   , وثالثهما هو  انه من الطبيعي  أن تخطئ الثورة مرحليا   وتنتكس أحيانا   , خاصة ثورة  في بلاد  جهزت السلطة بها  كل الامكانيات  لنجاح عملية قمع   بواسطة العسكر , الذي, كما قيل مؤخرا, على انه استورد من الأسلحة  بين 2007 وعام 2011 خمسة أضعاف  معدل استيراده للأسلحة في السنين الخمسة التي سبقت 2007  ,  لماذا كل هذا السلاح ؟ , الذي أفقر الشعب  اولا , ثم استعملته السلطة لتقتيل الشعب ثانيا  , السلاح لم يكن لتحرير الجولان , وانما للسيطرة على بابا عمرو  وادلب  والرستن وغيرهم .

العسكرة هي أحد عيوب  الثورة بنظر البعض, والسلمية هي أحدى عيوب الثورة بنظر آخر  , ولكن هل للثورة أن تختار  بين السلمية والعسكرية , وهل ليس على الخيار أن يأخذ الجهة الأخرى بعين الاعتبار  ,  ومقدرة هذه الجهة   التي تجلس على كرسي السلطة  في فرض  زمن وشكل ومكان  وأسلحة المعركة  ..للثورة استراتيجية تسمى استراتيجية النجاح  , ولها تكتيك   تساهم في  بلورته بدون أي شك  الجهة السلطوية  ..العسكرة هي  حصيلة لمجموع من التفاعلات  التي  حصلت , والتي للسلطة الباع الأكبر بها , فالسلطة  تريد العنف  وتريد العسكرة  , ذلك لأنها لاتملك  غير ذلك   ولم تملك سابقا غير ذلك  , السلطة  مارست العنف  خلال أربعين عاما  وبشكل دائم ,   كان دائما غريبا عن المألوف في هذه الدنيا  وغريب  عن حضارة العالم  ..ممارسة للعنف  بحيوانية متفاقمة   لم يكن لها مثيل مواز في هذا العالم .

وقد نجحت السلطة  في تحقيق “كامل” أهدافها   , ذلك لأن السلطة متواضعة جدا في صياغة  هذه الأهداف  , اهدافها ومطالبها البسيطة كانت البقاء على الكرسي  , واستخدام هذا البقاء  من أجل الاسترزاق    ..يدا بيد مع الزبانية  , أما الاهتمام بالوطن حاضرا  ومستقبلا    فلم يكن من اهتمامات السلطة   , ذلك لأن بدائيتها وبساطتها لاتسمح بذلك ,  التعامل مع الشرعية والقانون  أصعب بكثير من  اغتصاب الشرعية والقانون .

التعنيف الذي مارسته السلطة  لم يبق  مجردا  بحالته المؤذية  للبلاد  والعباد  , وانما تحول الى مدرسة   , تعضى وتجذر في المجتمع   وأصبح “قيمة” للتعامل  مع الآخر  ,لم يعد الشواذ وانما أصبح القاعدة ,  .. لقد تغيرت طبيعية البشر   , وأصبح شبه طبيعي أو طبيعي   أن تأكل الفلق  في أقبية المخارات  , وأصبح من الطبيعي  جدا  أن يعتدي  المخابراتي على رزقك وعرضك  , ومن الطبيعي جدا  أن تصبح في غياب القضاء  بدون حق , حتى ولو كان الحق الى جانبك  , والخط البياني لتزايد المنكرات أصبح   شاقولي  ..يرتفع ..ويرتفع  ..ويلتهم  القيم  الانسانية  الأفضل , ثم يستبدلها  بالاستعباد والاستبداد والاستبعاد , ومن ظواهر الاستبعاد   تقسيم المجتمع  وظيفيا  , فلا يمكنك أيها المواطن أن تنجح في مسابقة  لتوظيفك كمعلم  في مدرسة ابتدائية   , الا اذا كان لك بعد مذهبي أو حزبي , أو كلاهما  ,  ولا  حظ لك  للنجاح في مسابقة للايفاد الى الخارج لاكمال التخصص  , كطبيب مثلا ,  الا  باستيفاء شروط  البعد المذهبي -الحزبي …امتد الأمر حتى الى المخاتير , ناهيكم عن  مدراء المدارس  وغيرهم .

تعلم الانسان السوري  ممارسة العنف , حتى الجسدي منه ,  وهو الآن يمارسه  أو بالأحرى مستعد لممارسته .لايوجد سبب  يبرر تقطيع الجثث  بعد القضاء على مواطن ما  , وتقطيع الجثث  أصبح ممارسة طبيعية ..أصبح هواية   قبل أن يكون “حاجة”  , ألم  تقطع  الأيدي والألسن والأطراف  في السجون , ألم تقطع الحرية اربا اربا  في المواخير  , وماذا عن التمثيل بالكرامة  ؟؟وماذا عن الاغتيالات  والاختفاءات  وعن المشانق الميدانية  , وهل لأحد ان يذهب الى  افغانستان أو الصومال ليتعلم ذلك  , والمدرسة  أمام الباب  وفي متناول الجميع ؟.

الثورو أمر  فهمه بسيط  وممارسته صعبة  , الثورة هي ترجمة  للمطالبة  بقدر أدنى من الحرية  , وبقدر أدنى من العدالة الاجتماعية  والمساواة  ..أين هي المشكلة  في تحقيق ذلك للمواطن ؟.

المشكلة في السلطة  , التي لاتريد   السماح للشعب  بأن يكون حرا  , والسلطة لاتستطيع الالتزام  بالعدالة الاجتماعية  , لأن العدالة الاجتماعية   تلغي  ماتسميه السلطة “استحقاقاتها ”  ومن “استحقاقات ” السلطة  كانت دسترة المادة الثامنة  ولعشرات السنين  , سلطة تعيش  عشرات السنين مع المادة الثامنة العنصرية  , وترفض التخلي عنها , الا بعد  قتل  الألوف من البشر ,  هي سلطة  لاتؤمن بالعدالة  الاجتماعية  , سلطة تجذر بها  الفساد وتجذرت بها الديكتاتورية  والاستعبادية والاستبعادية  والوحشية  , سلطة تدنت  الى مستوى اللصوص  وقطاع الطرق والعصابات   , تدنت الى اللاشرعية  والى المجاهرة الفظة بنتائج استفتاء  تقول  ان 100% من ابناء الشعب يريدون آل الأسد أبا وابن   , ,اكبر  ظواهر الفساد  هي الاصرار على  البقاء  على الكرسي  بالرغم من الاعتراف بالفشل ..سابقة لامثيل لها في  سياسات حكومات العالم .

اذا استخفت السلطة  بكامل الانسان  وبكامل المجتمع  , فلماذا لاتستخف بعقله  ,  ولماذا لاتغرق هذا العقل  بمحاليل ” المؤامرة” ,  السوري الذي يرفض السلطة  أصبح الشر بعينه  ..الشر الأكبر  , انه الخائن  المتعامل مع العدو  والمتآمرين   ,فئات من الشعب  تعد بالملاين تتآمر مع حمد !!, ولا أريد نفي صفة التآمر عن حمد  , الا أني استنكر  الاستهزاء  بالعقل  والأخلاق , وأستنكر  توصيف الانسان السوري بأنه متآمر  أو شريك في المؤامرة ,فئات من الشعب تريد ازاحة سلطة تعتبرها فاجرة وفاسدة  ومستبدة , سلطة تحتقر   الوطن الوطنية  عن طريق اعتبارها على انها  الوطن والوطنية , أي أن الوطنية فاسدة والوطن لص مستبد  وسارق ..هل هذا هو الوطن ؟ وهل هذه هي الوطنية  التي تعتبر السلطة نفسها ممثلة للاثنين ؟؟

لو سمحنا لأنفسنا باستخدام مفردات السلطة , من تخوين الى تآمر الى عمالة  , لأصبح سهلا أن نقول على   ان المؤيدون للسلطة  هم الخونة  , وهم المستسلمون  الخانعون  والمهتمون فقط بمصالحم الشخصية  ,  وصولية ميتة الضمير والوجدان , الا أن  السياسة  والميول  والصراعات الداخلية   هي أمور طبيعية  , أمور لاتعرف  القائد  الأبدي ولا سجين المؤبد  , لاتعرف “بطولة”  ولا تعرف خيانة  أحد , والانزلاق في مستنقع  الخيانة والبطولة  والأبدية  والوحدانية  هو في أفضل صوره  ليس الا ممارسة تشويهية  تخريبية  , فلا يوجد  من هو أفضل من الآخر ,  والوطن ليس أنا أو أنت أو هو    , الوطن كلنا جميعا  .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *