الآتي أعظم

لايمكن استخدام جدول الجمع والطرح في علم الثورات , الثورة تحدث , على علاتها , عندما تصبح  علل  أسبابها  أسوء من علاتها ..بشكل عام  الثورة هي أفضل من أسبابها , الثورة ليست خيار  عقلاني  حسابي , وانما هي اجبار  بعضه معنوي وعاطفي , الثورة  تريد بتر المرض  , ولا تستطيع قبل بتر المرض  أن تفكر كثيرا وتفصيليا  بملامح المستقبل , وفي سوريا تأخرت الثورة كثيرا , وكان لها أن تندلع قبل أربعين عاما  , لأن ماحدث قبل  أربعين عاما  سيقود لامحالة الى الوضع الحالي , ولا حاجة هنا لأنبياء السماء  , كثيرون من بشر الأرض تنبؤا  بما سيحدث  ,  وحدث ماتنبؤا به  .
الثورة مغامرة   , ومن ظن على أن هناك فرد من الشعب  السوري يجرؤ  على  التظاهر ضد السلطة ؟ فحصيلة القتل والتخريب  والتهديم  تبرهن  على عقم  الحسابات في قرار هذا الفرد , فكيف يدافع الانسان عن حياته  , عندما يعرض هذه الحياة الى مخاطر أكيدة , والخطر الأكيد  في اليد ..اكثر من 10000 قتيل في 12 شهرا , ولم يسبق  أي مجتمع  في العصر الحاضر  المجتمع السوري  في عدد قتلاه الا قبائل الهوتو والتوتسي , ومؤخرا  الشعب الليبي , ولا غريب  في أن يتصدر  المجتمع السوري  قائمة  المجتمعات التي تريد افناء ذاتها ,  الواقعة السورية لاتزال في بدايتها , والحبل على الجرار .
الثورة كانت مفاجأة للجميع , مفاجأة للثوار , مفاجأة للسلطة , ومفاجأة حتى لمن  توقع حدوثها من مساجين السلطة  السياسيين ,الذين تحدثوا عن حتمية التاريخ , وهل كانوا يتوقعون بدء هذه الحتمية في منتصف آذار من العام  الفائت ؟لا أظن !.
لقد أفلح نظام الاستبداد  في  تحقيق العديد من الانجازات , وأول انجاز مزيف  كان اقناع الأكثرية   بعامل -الاستقرار-  الأكثرية  كانت مقتنعة بوجود استقرار , ولم يكتشف احد على  أن هذا الاستقرار  كاذب , وأن هذا الاستقرار  ليس الى  حالة من الهمود   تقترب من حالة الموت السريري ,  وقد اقتنع البشر  على أن الميت سريريا  نشيط وحيوي  ولا ينقصه شيئ , وهذه القناعة أتت عن طريق  الحذف والالغاء subtraction أي حذف ممارسة الحرية  من طبيعية الانسان , وحذف  ضرورة العدالة من طبيعية الانسان ,  وتمييع  الفساد عن طريق اشراك  كل المجتمع به , لايوجد من لايمارس الفساد  , وزيد ليس أفضل من عمر , لذلك أصبح الفساد  دستور البشر وناموسهم ووجدانهم , ومن يريد تطبيق علم الحسابات على   الأربعين سنة السابقة , يصل الى النتيجة التي تقول , حياة الانسان السوري  كانت من أولها الى آخرها تلفيق وتلفيقة , ولطالما لم تحدث ثورة حامية  حتى الى قبل عام , لذا يمكن القول , على أن الانسان السوري   لم يستعمل الحسابات في تحليلاته لموجبات الثورة , وبناء عليه  لايستخدم الحسابات  في ثورته , ولو استخدمها   في نطاقه الشخصي  لما ثار  ولما أرسل عشرات الألوف الى الموت الحقيقي   خلال سنة من الزمن .
 توجد ثورة كامنة , وتوجد ثورة منفجرة ,  ومن الملاحظ  وجود  نوعية واحدة من الأسباب  لهذه  الثورات في العالم العربي , وهذه النوعية هي الفساد والاستبداد  وانعدام الحرية والديموقراطية ,  كما أنه  يوجد ثوار ,  ومن الملاحظ أيضا  على أن  انفجار الثورات  ذو علاقة أولية  بنوعية الثوار , فقد بدأت الثورة في تونس  حيث تعرف البلاد   أكثر النظم العربية تقدما  ..فهناك أحزاب  وهناك نقابات  وهناك  بحبوحة اقتصادية  وقوانين  تقدمية , وفي هذا الجو  ولد الانسان الذي يستطيع أن يثور  ,  لقد كان الانسان التونسي  أكثر حرية وتحررا من الانسان السعودي , والظلم الاجتماعي في تونس لايقارن  بيالظلم الاجتماعي في السعودية , ولم تحدث ثورة في  السعودية  , ليس لعدم وجود موجبات لها  , وانما لعدم وجود الثائر الذي يستطيع  القيام بها , وهذا الأمر ينطبق على مصر  , وتوجد له قةواسم مشتركة مع الوطع الليبيي والوضع اليمني والسوري , الا أنه لهذه الأوضاع خصوصياتها  , التي يجب بحثها بشكل مفصل .
 اذا كانت هناك قواسم مشتركة بين الثورة السورية والثورة في تونس ومصر , هناك أيضا فوارق حدثت في سياق تطور الأحداث , فالثورة التونسية والمصرية  بقيت بشكل رئيسي  بيد أهل تونس وأهل مصر  , اما الثورة السورية فقط خرجت عن ارادة الشعب  وخرجت عن ارادة الحكومة , مركز القرار الحكومي أصبح في موسكو وطهران  , ومركز القرار الثوري بشقه العسكري أصبح في الخليج  , والجناح المدني للثورة  انفلت خارجيا  بفعل انفلاته من قبضة الأمن , وانكمش داخليا  بفعل   خوفه من قبضة الأمن , وقبضة الأمن هي العامل الذي شوه  موقف هذه المعارضة داخليا وخارجيا , وخلق بين صفوفها ذلك التباين , الذي لم تتمكن مراعاته  من توحيد الصفوف , فالمعارضة الخارجية تعرف تماما  على أن شخص كحسن عبد العظيم خائف ولا يستطيع  التعبير بحرية عما يريد , كما أن المعارضة الداخلية  تعرف على أنه    لايمكن لشخص كبرهان غليون الا أن يرتمي في الحضن الفرنسي , الطبيعي  أن يكون  الحضن السوري  هو  المكان  الذي يرتمي به  غليون وغيره , الا أن الحضن السوري  ليس الا السجن السوري  , وهل يوجد من مشتاق لهذا الحضن ؟؟
لانزال في بداية المشوار  والآتي سيكون أعظم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *