آسف لأن المتظاهرين لم يكونوا على مقاس أفكارك و مزاجك يا سيد فراس .. و آسف لك لأن أولئك الرعاع بحسب ذلك المقاس لم يأخذوا موافقتك و موافقة أمثالك قبل أن يخرجوا للشارع .. آسف لأننا نحن أبناء الثورة لم نكن عند حسن ظنك و آمالك , ولم نتمكن من التشبه بالنييوركيين الثائرين ..
آسف لأننا نلبس قمصانا تباع على الأرصفة بمائة و خمسون ليرة سورية .. و لأننا لا نرتدي ثيابا من الماركات و بالتالي لا نفقه في مفاهيم المجتمع المدني و لا العدالة الاجتماعية و لا الحصافة العلمانية .. نأسف نحن أبناء الثورة لأننا لم نتمكن من أن نكون ; كول ; ونمتلك ; هاي لوك ; .. نأسف ..لأن سحنة القاشوش و إيقاعاته لم تطربك .. و نأسف كذلك لأن علي الديك لم يشاركنا هتافاتنا و لا أغانينا .. نأسف لأن جورج وسوف أو صباح فخري و غيرهم لم ينشدوا في ساحاتنا .. ولم يشاركونا آلامنا و يعبروا عن هتافاتنا ..
نأسف لأنه لايوجد بين متظاهرينا ; لوك ; على شاكلة سلاف فواخرجي أو ; سو كول; كباسم ياخور أو متلونا مثل عباس النوري .. نأسف لأننا نموت و نحن نصرخ .. إذ يبدو أنه علينا أن نكتم شعورنا بالألم و نُدفن حتى بدون مراسم وداع تليق بإنسانيتنا .. دون أن تبكينا علينا أمهاتنا أو أصدقائنا .. نأسف – يا سيد فراس – أننا نتعاطف مع من يقتل سواء من المدنيين أو ابنائنا في الجيش ممن زجّ بهم في معركة لأجل كرسي السلطان .. لكن .. لن نأسف يوماً .. أننا أردنا ألا نكون قطيعا .. لن نأسف أننا أحرار .. نأسف لكل هذا و أكثر ..
إذ نأسف لأننا نخرج من الجوامع و ليس بمقدورنا أن نخرج من نقابة المحامين أو الفنانين أو نقابة شوفيرية السرافيس و التكاسي .. نأسف لكل هذا و أكثر .. إذ نأسف لأننا اعتدنا أن نقول يالله إن كنا جالسين و أردنا النهوض .. نأسف إن كنا قد اعتدنا مناجاة الله في أوقات المحن .. نأسف لكل هذا و أكثر .. إذ نأسف لأن اللغة لم تعد تساعدنا على صوغ عبارات تؤكد بأننا لسنا طائفيون .. نأسف لأننا لم نتمكن من إقناعك – يا سيد فراس – بنبل قضيتنا و صدق مشاعرنا الوطنية , و أننا لا نحمل أجندة سلفية و لا أخرى إخوانية .. نأسف لكل هذا و أكثر ..
إذ نأسف أننا نردد ما علمنا إياه أجدادنا السوريين .. إذ نأسف أنك لم تقرأ ما قاله الحكيم; أحيقار ; وزير الملك سنحاريب في القرن السابع قبل الميلاد:; يا بنيّ .. الموت خيرٌ لرجل لا راحة له .. الموت أفضل من الحياة المرّة ; وهو القول الذي ورَّثه لأحفاده السوريين : الموت ولا المذلة ، والذي أصبح شعارا عالميا بلكنة سورية . ولن يفوتني- يا سيد فراس – أن اقول لك بأن اليهود قاموا بسرقة هذا الشعار الأخلاقي و بإمكانك أن تراه في ابن سيراخ 30 : 17; نأسف أيضا إذ نأسف منك و من كل توغلك غير المجدي في الحضارة السورية القديمة الذي لم يترك فيك أثرا , ولم يستنهض سوريتك , إذ لم يتنامى إلى مسمعك ما ردده الحكيم أحيقار ذاته حينما قال : يا بني : إن الأثيم يسقط و لا ينهض , و البار لا يتزعزع لأن الله معه ..
وقد تناهت أصداء هذا القول على حناجر الشارع السوري : إن الله معنا . ألم يأتيك ذلك الإيقاع الذي يقول إن الله معنا ؟ عزيزي فراس .. واسمح لي برفع الكلفة على اعتبار أنك ثائر قديم في; نيويورك ; وبالرغم من أنه لم يعتقلك أحد هناك أو يشتمك أو يتهمك بالإندساس و الشرق أوسطية ,إلا أنك تعتبر زميلا في العمل الثوري , و إن كنت لم تشارك في ثورة ابناء وطنك .. اسمح لي أن أعزمك على ثورتنا أنت و ; بني تيارك; و حينها سوف يكون لكل ملاحظاتكم ونقاطكم العشرة أو العشرين و تعليماتكم و تنظيراتكم كل الشرعية و القبول …
هات سلة أفكارك العلمانية التي أنتهجها و تعال معنا .. بالطبع سوف تنال هذه السلة تلك الشرعية حينما تخاطر ; بنعمة التنفس ; التي قد يقبض عليها; شبيح ; أو عنصر أمن لن يعترف بكل مواقعك الأكاديمية .. و إذا حدث و سأل عن اسمك فسوف يعتقد أنك سائحا فيتركك .. وهذا لن يحدث .. و لكن إياك و أن تخبره أنك كتبت ; مغامرة العقل الأولى ; إذا كان هناك ثمة متسع لحديث .. لأنه سوف يعاني في فهم تلكم الكلمات الثلاث … فيختصر الحديث و يقوم بمهمة عزرائيل .. هذه العزيمة موجهة لكل من يعترض على الثورة و الدعوة عامة و مفتوحة .. ولا تحتاج لإبراز أي بطاقات .. رغم يقيننا بأن الثورات لا تحتاج لعزيمة .. إلا أني أعتقد أن البعض يعمل بالمثل القائل : ; يلي بيجي بدون عزيمة بيكون بلا قيمة; .. و نحن نريد لكل مدعويينا أن يكونوا معنا بكامل قيمتهم و مكانتهم ..
إنه لمن المعيب حقا أن توصم ثورتنا بأنها دينية أو سنية أو طائفية , و لسنا بحاجة لتأكيد ذلك في كل مرة , فثورتنا وطنية و كل من ينأى بنفسه عن هذه الثورة فيمكن وصفه باللاوطني ، وإن ذهبنا صعدا في الوصف يمكن نعته بالطائفي ، أو حتى الحائن للوطن و لدماء شعبه بل إنه راضٍ عن القتل .. و المبرر الذي يسوقه البعض بأنه يجب قتلنا كي لا نقتلهم فيما بعد تأكيد على الطائفية المعشعشة في رؤوسهم .. إنه لغريب فعلا أن يعتقد البعض أنه علينا أخذ موافقتهم قبل أن نكتب أي شيء أو قبل خروجنا للشارع و نحن نضع أرواحنا على أكفنا .. و يمتعضون من طريقة تفكيرنا المغايرة لهم و المختلفة عنهم و كما أنه علينا أن أن نكون على مزاجهم .. هؤلاء هم الأشخاص التقليديون غير المعتادون على أنماط جديدة للحياة و طرائق التفكير .. لكل منا أن يؤمن و يفكر كما يريد ..
طالما لا يعتدي بشكل شخصي على الآخر.. و ثورتنا تأتي في سياق رفضنا لطرق التفكير النمطية التي حاول الجلاد ترسيخها .. و هنا لا بد من توجيه كلمة لأولئك المتفزلكين و المنظّرين و أن نطلب منهم أن يكفوا عن التبويق .. و نتمنى منهم أن يجيبوا على السؤال التالي:ما الذي تتوقعونه من ضحايا هذا العنف؟ و مالذي تتوقعونه ممن قتل أخاه أو رأى قنبلة حارقة تدخل صدر زميله ؟ فضلا عن الجثث التي قطعت ؟.. أخيرا .. إن الأسباب التي تدعو لإسقاط النظام كثيرة و أعتقد أنها لا تحصى ، و لكن وبغض النظر عن كل تلك الأسباب التي تدعو لأن نكون معارضين .. فإن فشل النظام في إدارة الأزمة و تخبطه و إتاحة الفرصة للغريب بالتدخل كفيل بأن يعلن الشعب السوري معارضته ، وأن يطالب باسقاط نظامه .. إن سوريا بعظمة تاريخها ، لا يمكن لها أن تقبل بأن يتسيد عليها طغمة من الحرامية واللصوص ، والبسطاتية .