من هو صاحب القرار ؟

يحاول البعض , خاصة من جانب السلطة ,  تغيير صورة الصراع  السوري  الداخلي  بطريقة مريبة, فالنظام الذي يرفض كل يوم ثلاثة مرات  على الأقل  التدخل الخارجي , حشر سوريا  في طاحونة  الصراع الدولي  بين الشرق والغرب , النظام الذي يرى ان المشكلة داخلية  جعل منها مشكلة أممية  , لابل كونية , حسب تعبير بعض أركان النظام  , النظام ليس ضد التدخل الخارجي , ولكنه ضد نوع من التدخل الخارجي ,يرحب بتدخل روسيا , ويشجب تدخل تركيا , ومسألة  شرعنة التدخل الخارجي  المؤيد للسلطة , وشيطنة التدخل الخارجي  المعارض للسلطة  أصبحت واضحة من قضية حماس , التي رأت على أن الجو الشيعي لايناسب  اخونجيتها السنية , لذا  ذهبت ,  وقبل أن يصبح الرحيل رسميا  انهالت شتائم  النظام السوري عليها , اذ  انه لاحدود لفجور حماس   , انها تتفق مع فتح !  , والأسوء من ذلك هو اتفاقها مع فتح  تحت المظلة القطرية ..يالها من مذلة !, وهذا التطور يوحي بأن السلطة السورية هي التي هندست القطيعة بين حماس وفتح , وعندما فلتت حماس من اليد بدأت بالعهر مع فتح وتحت اشراف حمد , أمر لايصدق !.

النظام تعامل مع الجميع على  أساس  مبدأ الولاء , الذي  نظم وينظم أسس التعامل الداخلي , ولأسباب عدة  منها كسب الوقت,   النظام قبل  المبادرة العربية  نظريا ورفضها عمليا , ومن البنود الأربعة التي تم الاتفاق عليها  لم يحقق شيئا  , الا أن النظام  استخدم  اسابيع وجود المراقبين للاستفحال بالقتل , حيث زاد عدد القتلى يوميا  بنسبة 80% ,انسحب المراقبون ,ولم  يكن لعاقل الا توقع ذلك.

بشكل مختصر يمكن القول  ان جميع التدخلات  فشلت لحد الآن ..تركنة المشكلة السورية فشلت في حلها  بسبب عدم الولاء التركي للسلطة ,عربنة  المشكلة فشلت  في حلها بسبب عدم ولاء العرب للسلطة , دولنة المشكلة   الآن على قدم وساق , ولم تنته بعد , الآن تحاول السلطة روسنت الأزمة , أي وضع الحل أو معظمه بيد الروس , وسترحب السلطة بأي حل من حلولهم لا تتضمن مادة تنحي لرئيس ..فكل شيئ مقبول الا التنحي , والعياذ بالله .

قد يكون هناك نوع  من الغباشة على العيون , والعين المغبشة  ترى اشياء ليست بموقعها الصحيح , هذه العين ترى نصر السلطة السورية  من خلال فرضية نصر الفيتو الروسي الصيني , ولكنها  لاترى  اطلاقا على أن 13 دولة من أصل 15 دولة  صوتوا الى جانب  المشروع العربي -الغربي , ولا تعير لنتائج هذا التصويت أي أهمية  لطالما نفذت بريشها مبئيا , كما انها لاتعير اختراقات السفارات أي أهمية  وفي معظم دول العالم , لأن ذلك من عمل العملاء , ثم انها لاتعير طرد السفراء السوريين  من العديد من الدول , لأـن ذلك مؤامرة  , ولا تعير العقوبات الاقتصادية التي قلصت قيمة العملة السورية الى النصف تقريبا , لأن سوريا الأسد هي سوريا الصمود , ولا تعير اشتعال الوطن من شماله الى جنوبه بالاحتجاجات والثورات والانشقاقات   , لأن ذلك من عمل العصابات , ولا تعير المعارف التاريخية  عن العلاقات الدولية أي قيمة  , لأن روسيا صامدة , ولا يوجد أي شك على استمرارية صمودها , وكيف يمكن  التأكد من ذلك ؟ فهذا أمر لاتعرفه الا السلطة , مع أـن  روسيا تخلت عن  دولا أخرى سابقا  بشيئ من السهولة ..ان كان العراق أو  ليبيا أو يوغوسلافيا ..

السلطة  ترتكز في تأكيدها  ومراهنتها على الولاء الروسي على ركيزة مهمة  , وهذه الركيزة تتعلق بمدى استسلام سوريا الى روسيا  , السلطة مستعدة لكل تنازل باستثناء التنحي ,  أي أن سوريا مستعدة لتقديم كل شيئ يحافظ على استمرار الحكم  ..تتنحى عن سوريا  ولايتنحى الرئيس , هذا مايجعل هذا الرئيس نوعا من الأعجوبة , وكأنه لايوجد في البلاد أي شخصية بامكانها تحمل مهام الرئاسة الا السيد بشار الأسد .

التدويل  بشكله الروسي  المقرون بالتدويل الأممي , واستهلاك  كل محاولة للحل , المقرون مع تزايد العنف الأمني  وتزايد عدد القتلى بشكل شاقولي  خطر جدا , وحتى المعارضة التي تطالب بالتدويل  لم تصل في تحقيقها لهذا التدويل الى ماوصلت اليه السلطة , واذا كان التدويل حسب النموزج الليبي  خطر , فان التدويل حسب النموزج  الحالي أخطر ,سبب ذلك  هو أن التدويل الليبي لم يلغ  الدور الليبي تماما , وبعد أسابيع من سقوط القذافي  انسحبت الطائرات وانتهى القصف , أما التدويل الحالي  فتكمن خطورته بأنه  يحول سوريا الى بضاعة في بازار  المساومات والتسويات العالمية , وفجأة ستجد السلطة على أن الاتفاق قد تم  , ليس بينها وبين أي جهة عربية أو أجنبية , وانما بين الجهات خارج سوريا ..كما حدث  في سايكس بيكو ,فالسلطة  منزوعة الارادة  , ومرغمة  على أن تفعل  ماتقوله لها الجهة الروسية , ليس لها في هذا الجو العالمي المعادي لها  أي مجال لفرض أي شيئ .

انه الاستسلام قبل النهائي , وهذا الاستسلام سيكون له تأثير كبير على الحلفاء , ومن الحلفاء لم يبق  عمليا الا حزب الله وايران , وأي اتفاق روسي -غربي على أي نقطة  , حتى ولو كانت  هذه النقطة تجريد حزب الله من السلاح , سوف لن يكون بامكان السلطة  الا الانصياع .

اضافة الى مخاطر  الارتكاز على العكازة الروسية شبه الوحيدة , يزداد التأزم السوري حدة  ,  ومعيار هذه الزيادة هو عدد القتلى , كما أن مقولات العصابات المسلحة تزداد شحوبا , ومن يؤمن بعد بفرضية العصابات المسلحة  , التي تشعل النار في أكثر من 500 نقطة سورية ..من الشمال الى الجنوب  , ومن الشرق الى الغرب , ثم ان الدم يزيد من تطرف المعارضة , حيث يحدث نزوح من المعارضة السلمية الى المعارضة المعسكرة , اضافة الى الاستنزاف  المادي والمعنوي …والى متى يستطيع الجيش الاستمرار بتحمل أعباء حرب لها أن تكون غير متناظرة , أي حرب بين قوات نظامية  وعصابات  , مع العلم انه لايوجد في سوريا الشكل  الكلاسيكي للحرب الغير متناظرة , اذ لايختلف الجيش النظامي في نوعية أدائه عن أداء العصابات  , فالجيش ملزم بشكل طبيعي بالتقيد باتفاقيات جينيف   , والعصابة غير ملزمة , الا اني  أرى انه لاوجود لالتزام أي طرف سوري بهذه الاتفاقيات  أو غيرها من الأعراف .

التسوية من فوق الرؤوس , أو مايمكن تسميتها تسوية  فوقية  , ستكون أقسى على السلطة من أي  تسوية تشترك السلطة بصياغتها , ولطالما وقعت السلطة في مطب  الاعتماد الكلي على روسيا  , فسوف يكون لروسيا أن تقرر مع الغير   , كيف ستسير الأمور في الوطن .

لا حاجة  للتنقيب في الماضي , ولا حاجة  لتعداد الفرص الذهبية  , التي حظيت عليها السلطة  , الأمور  تسير في طريق وحيد الاتجاه  , واضافة الى ذلك فالطريق مسدود ..

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *