لاتفتقر الساحة الفكرية السورية الى عنصر التحايل ولا الى المحتالين , وهناك قواعد للاحتيال منها مثلا محاولة جعل الطبيعي في السياسة استثناء ,والاصلاح الاستثنائي هوالقاعدة , فالسياسة يجب , وبشكل مستمر , أن تعود الى طبيعيتها , وان تتخلى عن الزائد عن الحد من ممارسات التحايل , التي أصبحت مكشوفة للقريب والبعيد , ومن هذه الحيل نوع من “المنطقية ” التي يروج لها السيد متقلون وغيره من نشطاء القلم , وذلك بالقول ..الاصلاح .. اما أن يبدأ اقتصاديا ثم يتبعه الاصلاح السياسي , واما العكس , وتصوير متقلون لورشة الحاكمية في دولة ما على هذا الشكل ينم عن جهله أو حيله , وذلك لعدة أسباب منها , انه لايمكن لدولة أن تنتهج مبدأ “الاصلاح” كوضع مستمر , لأن ذلك يعني السماح “بالافساد” كوضع مستمر , ولاحاجة لأي اصلاح “طارئ ” عندما تكون الحاكمية مقبولة ومزودة بنوع من الفلاتر التي تنقيها وتزيل شوائبها وذلك بشكل مستمر, ورشة صيانة دائمة ..وهذا ليس اصلاح بالمعنى السوري , الاصلاح بالمعنى السوري هو عبارة عن عملية انقاذ قبل الغرق المؤكد , اصبحت ضرورية جدا , بعد ان كاد الوطن أن يختنق , انها ليست الفلتر الذي ينقي ويطرح الشوائب وليست الصيانة الدورية المستمرة , وليست تغييرا لقطع غيار تآكلت بفعل الزمن , الاصلاح السوري هو ضرورة حادة , ذات كم وكيفية غير مسبوقة , حالة استثنائية , وعليها أن تبقى كذلك .
ضرورة الاصلاح الاستثنائي الانقاذي , هو بمثابة اعتراف بالعجز والفشل , الذي يميز حاكمية السلطة السورية , واذا كان الاصلاح بالواقع جدي , فعليه أن ييبدأ أولا ببتر هذه السلطة بترا تاما واسقاطها , وهذا أضعف الايمان ..ففي الحياة يوجد مايسمى العقاب والثواب , والعقاب هو للمفسد , والثواب للصالح , وليس لمن يدعي العزم على القيام بالاصلاح , من أفسد عن قصد لايصلح , ومن أفسد عن قصد ليس صالح , هذا ناهيكم عن العقاب المشروع للمفسد والفاسد , ولا يمكن استبدال العقاب المشروع للمفسد والفاسد بمكافأته لعزمه على اصلاح ما أفسده , العدل لايتحقق باسقاط السلطة الفاسدة فقط , وانما بمحاكمة هذه السلطة الفاسدة بدأ برأسها وانتهاءا بأصغر زبانيتها , واصدار الحكم المناسب بحق كل رجالها , من أكبرهم ألى أصغرهم , وكل شيئ غير ذلك هو تلفيقة يشترك بصنعها متقلون وغيره سماسرة السلطة , الذين يريدون عمليا رفع الهية المفسد الى مستوى أعلى من مستوى الملائكة , والمثل الواضح هو مثال رامي مخلوف , الذي غسله الرئيس وغسل سرقاته وجعل منه ملاكا , وكأن شيئا لم يكن , ومن يريد تكرار تهريجية مخلوف , انما هو مهرج كمخلوف , وحتى لو أنه لم يسرق كمخلوف , الا أنه يستر على السارق , ويطمس عمله المنافي للقانون والأخلاق , وبالتالي يعتبر شريكا له .
اما النقطة التلفيقية الثانية , والتي يشترك متقلون في تنقيحها وصياغتها , في نقطة الفصل بين الاصلاح الاقتصادي والاصلاح السياسي , وترتيب هذه النقاط بأولا وثانيا , ولا أعرف كيف يمكن الفصل بين الاقتصاد والسياسة , السياسة اقتصاد والاقتصاد سياسة , ثم يقرر متقلون أولوية الاصلاح الاقتصادي , لأنه كما قال:”أمام عدم الاستقرار السياسي لمنطقتنا والاستهداف المستمر لسورية بسبب الأوضاع التي جرى إعدادها خصيصاً لسورية , أو التي جرت في خضم المجال الحيوي السوري المؤثر في سورية مباشرة أو غير المباشر مثل حرب شارون على الضفة الغربية ومحاصرة ياسر عرفات 2002 ثم مجزرة جنين واغتيال ياسر عرفات وما استتبعها من نتائج واضطرابات خطرة في لبنان قبل وبعد اغتيال الحريري كل ذلك حتم البدء بالاقتصادي بالتوازي مع العمل على إفشال المؤامرات المتتالية التي خاضتها سورية منفردة وباقتدار قلّ نظيره في التاريخ.” ., لقد قرر متقلون اعطاء الاصلاح الاقتصادي أولوية على الاصلاح السياسي , ولا أعرف نهجا مماثلا لحكومة أو سلطة في هذا العالم , وذلك لسبب يجب على متقلون معرفته , وهواستحالة أي اصلاح اقتصادي في ظل فساد سياسي , والنتيجة التي يجب على متقلون معرفتها أيضا , كانت الفشل الذريع , لقد قضي على الطبقة الوسطى لصالح قلائل من زبانية السلطة , استشرى الفساد وبقي الاقتصاد ريعي , وانخفض معدل الدخل السنوي للفرد , ولست هنا في مجال تفنيد نتائج الفشل الاقتصادي , فهذا أمر تعترف به السلطة ورأسها أيضا …فما هي عواقب هذا الفشل ؟؟؟مكافأة لمن يدعي عزمه على الاصلاح , والقصد من هذه التهريجية كلها هو خداع المواطن واسكاته , ومن لايسكت , يتولى الأمن أمره .
بعد مرحلة الاصلاح الاقتصادي الافتراضية , التي تحولت الى مرحلة الفساد الاقتصادي الأعظم في تاريخ سوريا , توقع المواطن بدأ مرحلة الاصلاح السياسي , لعله لايفشل كما فشل سابقه , وخاصة لأن متقلون يعتبر هذا الاصلاح “حتمي” , وقد فشل هذا الاصلاح حسب رأي متقلون لسبب عجيب غريب وهو” الذاكرة” وضعفها عند الكثيرين من المثقفين والفنانين السوريين , والكثير الكثير من المتظاهرين , الذين في مجملهم منسلخين تماما حتى عن رجال المعارضة الوطنية (تميزا عمن يطلب التدخل الخارجي والذين هم خارج نطاق الحديث عنهم هنا) , وما يحركهم ويسيرهم جملة من الأبواق الاعلامية التي تشكل الأداة الطويلة لعملاء أمريكا في المنطقة ..من “الجزيرة ” الى العربية ,وجملة من الرجال الموجودين على الأرض الذين في مجملهم اما رجالات استخبارات معادية , واما رجال مغرر بهم بالمال أو الأفكار المشوهة عن الدين والوطنية وكيفية القيام بالواجب لهما وبهما .. اذن ضعف “الذاكرة “هو سبب البلية , الذي اكتشفه رياض متقلون , اضافة اليه موضوع التخوين , واحتكار الفهم والممارسة الوطنية من قبل متقلون وغيره من سماسرة السلطة , ولم يشرح لنا السيبد متقلون تأثيرات ضعف الذاكرة , يقول فقط ..غياب الذاكرة عن الماضي القريب وعن ماذا غابت الذاكرة ؟ لايقول الأستاذ متقلون شيئا , الا أنه ينتقل فورا الى غياب الموضوعية في الرؤية , مما يشكل خطرا كبيرا على الحاضر والمستقبل , لأن المستقبل لا يمكنه التشكل على نحو صحي وسليم إلا انطلاقاً من فهم وتصالح مع التاريخ المعاصر والبعيد, وفهم طبيعة تحدياته ,وإلا تكررت الأخطاء واستحضرت الأزمات على نحو متكرر لأن الديمقراطية لا تقوم إلا على الوعي الإنساني القائم على المسؤولية المجتمعية التي لا يمكن أن تنسجم مع أمية (بكل أشكالها وأهمها الأمية السياسية) مستشرية بين صفوف معظم المتظاهرين (لو لم يكونوا كذلك لوحدوا جهودهم نحو الإصلاح وليس وراء شعارات منسلخة تماماً عن إستراتيجية دور ومكانة سورية وعن أرض الواقع السوري ولا تخدمه أبداً) , .
كحصيلة لجهد متقلون الفكري وتحليلاته , يمكن القول على أن الاصلاح الاقتصادي فشل , والاصلاح السياسي فشل , وفشل الأول هو نتيجة للثاني, وسبب فشل الثاني هو الشعب , الذي تحول بمجمل ” متظاهريه ” الى عملاء , وأميين اضافة الى ذلك , حيث كرر متقلون, بعبارة أخرى , قول الرئيس بخصوص عدم تأهيل الشعب السوري لممارسة الديموقراطية ..لأن الديموقراطية لاتقوم الا على الوعي الانساني القائم على المسؤولية المجتمعية , التي لايمكن أن تنسجم مع أمية ,, أي ان الشعب السوري ينتمي ثقافة وحضارة الى عصر ماقبل افلاطون , اي الى العصر الحجري , تبا لك يامتقلون على ماقلت ..السمسار يبقى سمسار !هل لنا اسقاط الشعب , أو اسقاط السلطة ؟؟