ما العمل ؟

نحن الآن في أواخر  شهر شباط لعام 2012 ,  قريبا سيصبح عمر الثورة  الحادة سنة كاملة , بعد أربعين سنة من الديكتاتورية ومن  الحرب الباردة الأهلية  , التي تخللتها فترات حامية عديدة , أقول “حرب باردة أهلية ” لأن البلاد كانت ولا تزال عمليا في حالة الطوارئ ,  والسلطة لم تكف في نصف القرن الماضي عن  محاربة الشعب واغتصابه وقمع حرياته وتعطيل تطوره الى الديموقراطية , كما أن السلطة لم تكف عن  اذلال المواطن وتزوير ارادته واغتصاب حقه في انتقاء ممثليه  , كما أن الحرب الأهلية الباردة  تتجلى  بالفساد  الذي لم يعد حالة استثنائية , وانما تحول الى العرف والأساس لتعامل البشر مع  بعضهم البعض  ومع أجهزة الدولة .

الحرب الأهلية الباردة , تحولت الآن الى حرب أهلية ساخنة , وفي قوام هذه الحرب ارتشح العديد من الخصائص  المثيرة للقلق , هناك الارتشاح الطائفي  , الذي يرفضه نظريا فرقاء هذه الحرب ,الا أنهم يوظفون  المشاعر الطائفية  بدون  تردد في استقطاب  وتجنيد المحاربين . ..السلطة  تضع السلاح في يد البعض بناء على  انتقاء مذهبي , وتيار المعارضة المعسكر يأتي بالأسلحة بناء على تعاطف مذهبي  , وكل  يعتقد على أنه  مهدد من الآخر  , وكل يعتقد  ان وجود الآخر يتعارض مع وجوده .

هذه الحالة تفرض اسئلة عدة  , منها مالعمل ؟؟. البعض يقول  العمل يكون  بالاصلاح , والبعض يسأل  من سيصلح , وآخر يسأل ماذا سيصلح , ؟وهل  المرشح للقيام بالاصلاح قادر على القيام بمهماته ؟.

في الحقيقة  يبدو لي وكأن الوضع ميؤوس منه , وسبب ذلك وجود قناعات خاطئة عند الجميع , ذلك لأن الرئاسة تعتقد على أن قتل المواطن  بعد تعريفه على أنه عضو في عصابة  ارهابية  هو الدواء الشافي , والسلطة أصبحت سجينة ريائها  الذي مارسته  ايام بعد اندلاع التظاهرات علىى لسان المستشارة بثينة شعبان , حيث وصفت الآنسة بثينة  التظاهرات على أنها تمرد عسكري  تقوم به عصابات مسلحة , وبذلك ارادت استباق التحول الذي حدث بعد ذلك  , وارادت اعلاميا  تغطية  قمع التظاهرات  بأقسى أنواع العنف  , ثم انها ارادت حلا سريعا   لتطور  وجد شبيها له في تونس ومصر  .

الحل الذي تجده السلطة مثاليا حو الحل الأمني  , الذي لم يحقق لحد الآن الا الخلل الأمني  , الذي سيقود الى  الغوغائية التامة  , وما القتل على الهوية الآن  الا عرضا من أعراض الغوائية التامة  الكاملة .

في الجواب على سؤال ما العمل؟ ؟ يقول آخر, الحوار أو التفاوض  , مع من وعلى ماذا ؟ الحوار مع السلطة  ممكن , الا أنه لانتيجة منه   , وذلك لأن السلطة لاتريد من المعارضة  أقل  من الانطواء تحت جناحيها  والاستماع الى أوامرها  , كما أن الوضع الأمني لايسمح بالحوار  , فهناك  عدد هائل من السوريين في الخارج  يقدر بثمانية ملايين مغترب , وعلى الأقل نصفهم ممنوع من دخول سوريا  , واذا دخل فسيجري اعتقاله  , كيف ولماذا  وما هي الجريمة التي ارتكبها هؤلاء بحق الوطن ؟ لا أحد يعرف الا المخابرات  , التي تقييم ,بأخلاقها العالية,  الانسان , على أنه مواطن شريف  أو مواطن غير شريف  ,ومن هنا يمكن الحديث عن  سلطة المخابرات وبالتالي نظام المخابرات  ودولة المخابرات , أي وطن المخابرات  , الذي لايسمح بنيويا  من أن يعبر المواطن عن ارادته  , ولا جدوى من حوار  لايحترم ارادة المواطن ,أو بالأحرى لايستطيع  احترام هذه الارادة.

من الممكن أن يكون التفاوض أفضل من الحوار  , مع ان الفرق بين الحوار والتفاوض ضئيل جدا , ولما لايمكن للسلطة  اعتبار المعارضة مساوية لها  ,فانه لايمكن التفاوض مع السلطة  , هنا يمكن للفكرة التالية أن تكون أكثر نجاحا  وفائدة  ..السلطة تتفاوض مع الأمم المتحدة  , التي تمثل عندئذ المعارضة , حيث يمكن للأمم المتحدة  في هذا السياق اعادة تأهيل سوريا للاندماج في المجتمع الدولي بعد سنين من مروق السلطة السورية وتمردها , الذي  خرب علاقات سوريا بالعالم الخارجي , اضافة الى تلف   علاقة السلطة بالشعب السوري داخليا .

لايمكن  للسلطة ان تفاوض الأمم المتحدة دون ضغوط أقوى , أي انه يجب ارغام السلطة على ذلك, وذلك باجراءات  كاجراء اليوم ..اليوم  منع الاتحاد الأوروبي جميع الوزراء السوريين من الدخول الى أوروبا , والدخول يعني الاعتقال , ولمن يفهم  وعنده بعض الحس , تمثل هذه الخطوة صفعة صاعقة على وجه السلطة ..لا أظن على أن السلطة  تأبه بذلك , وذلك لأنها فاقدة للحس , وحقيقة لاتعرف السلطة معنى كل ذلك .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *