من يريد البحث عن “أفكار” في خطاب الرئيس , يصاب بالاعياء وخيبة الأمل , فما قاله الرئيس بخصوص الفساد والاصلاح ,على سبيل المثال وليس الحصر ,لم يكن بمستوى مسؤولية رئاسية , اذ لايمكن للمواطن تفهم فرضيات أو نظريات غير قابلة للفهم حول الاصلاح عندما يقول : ..ان تأخرنا أم لم نتأخر فهذا موضوع آخر ..نعم انه موضوع آخر , الا أنه الموضوع الأهم , وكونه “آخر ” لاينفي أهميته قطعا , الا أن رميه في سلة المهملات لأنه” آخر ” فهذا آخر مايمكن تقبله وتفهمه , ولا أريد الخوض في غياهب خطاب الرئيس المؤلف من حوالي عشرون صفحة , والذي استغرق القائه ساعات , فالرئيس لم يساهم في انقاذ البلاد من بلاء العنصرية القومية, الذي يأزم الحالة السورية منذ عقود , بقوله ..لايوجد في سوريا الا عربا , مع العلم على انه يوجد في سوريا الملايين من غير العرب , والرئيس لم يساهم في ترسيخ الثقة بالرئاسة القائدة والحزب القائد , عندما يتحدث عن وما أرادت القيادة القطرية القيام به عام 2005 , ولم تقم به لحد الآن , كما أن الرئيس لم يتعامل مع عنصر الزمن بالحرص اللازم ..فعشرات السنين التي مضت بدون تقدم في المجالات التي عليها التقدم بها , هو أمر مهم جدا ..عشرات السنين من حياة الشعوب تمضي وكأنها لم تكن ..أمر كارثي…. , لقد قال الرئيس في خطاب القسم قبل أكثر من عشر سنوات أكثر وأوضح مما قاله قبل أيام ..أين هي التطورات الايجابية على الأرض خلال السنين السابقة ؟؟؟ الرئيس يكتفي بالقول , سنصلح …, ومن قال للرئيس على أن الشعب يصدق كل مايقال , ولماذا يجب على الشعب تصديق كل مايقال ؟؟ , ولكي يصدق الشعب , عليه أن يلمس ويحس ويرى , عليه رؤية حذف المادة الثامنة , عليه الشعور بالأمان والاستقرار والبحبوحة , عليه الشعور بتناقص الفساد , وعليه الشعور بتطور ديموقراطي حقيقي ,بانحسار الطائفية والمحسوبية المذهبية السلطوية , وعليه الشعور بعدم العزلة الدولية …..وقائمة انتظارات المواطن والشعب تطول ..وتطول , ولتعدادها يلزمني العديد من الصفحات , أكثر من صفحات خطاب الرئيس العشرين .
هناك شك ,بأن الرئيس لم يقل , على الرغم من الصفحات العشرين ,كل مايريد قوله , لذا كان علي البحث في أدبيات الرئاسة والسياسة السورية عن المفقود من الخطاب , حيث وجدت هنا وهناك بعض التكملات المتفاوتة الأهمية للخطاب , هناك تكملة لبسام القاضي, حيث نصح بسام القاضي الرئيس” بالتكثيف ” في خطابه المقبل (المقال منشور في هذا الموقع) , وقد سرد بسام القاضي النقاط التي اعجبته في الخطاب , والنقاط التي لم تعجبه , ولربما فاقت النقاط التي لم تعجبه النقاط التي أعجبته …فله رأية الذي يجب احترامه , أما فراس عزيز ديب (مقاله منشور في سيريانو) فقد قال ان الخطاب سيرسم التاريخ , معربا عن شغفه باطلالة الرئيس ,التي كانت أكبر من التوقعات وفوق الطموح … ولا عجب أن يكون اعجاب السيد فراس عزيز ديب بخطاب الرئيس بهذا الشكل ..الأستاذ فراس من دعاة تقديس الرئيس , ويروج للثالوث الأقدس المكون من “شعب وجيش وقائد ” , وتقديسه للشخص هو دلالة على ضمور العقل , ومن ضامر العقل لايمكن لنا أن ننظر أكثر من القيام بعمليات التبجيل والتبخير ., وهذا ماقام به الأستاذ فراس أحسن قيام .
لم يكن كافيا ما وجدته من تكملات وارشادات وتبخيرات وتمجيدات وغير ذلك من معالم الكلام الفارغ الأجوف الخشبي , الذي يترجم واقعا متكلسا نصطدم به في كل محاولة تنقيب وبحث في غياهب السوسيولوجيا السورية , التي يمكن استبدالها بكلمة “البدولوجيا ” السورية (على حد تعبير خليل أحمد خليل ) , والتي نتجت عن الثقافة البدوية المقاومة للتاريخ والممانعة للتقدم والعصية على العلاج بفعل اصابتها “بالبدوقراطية ” , التي انتجت البداوة السياسية , والتي تستمد قوتها , ليس فقط من العشيرة وانما من الطائفية السياسية والدينية , وما حال كاتب المدائح والتباخير الأستاذ فراس عزيز ديب الا حال من الطائفية الدينية , التي قادت الى ضمور عقله , الذي لم يعد يستوعب الا تفاهات الدعاية , المؤسسة والمبنية مذهبيا , لنظام أو رئيس أو اتجاه معين , وهذا هو أحد التوضيحات للتباين بين ماقاله اللاطائفي سليم العقل بسام القاضي والطائفي ضامر العقل فراس عزيز ديب .
عودة الى البحث عن مصدر يقول لي مالم يقوله الرئيس , وفورا وجدت اولا العنوان المعبر “مالم يقوله الرئيس ” لكاتبه ابراهيم الحمدان , استبشرت خيرا , وقلت لنفسي , وصلت الى النبع , حيث يمكن النهل من فائض علم الحمدان , قدس الله سره, واعتبار الحمدان ساقية من النبع , له خلفية لا أريد الافصاح عنها , فالحمدان من أهل البيت والبت والمنطقة والمذهب , وهو يعرف بحكم المراتب العشائرية ما لا أستطيع معرفته.
الحمدان تحدث أولا عن ترفعه عن “الثرثرة” الفكرية , ثم عن مدرسته الابتدائية والمريول وتعلم الأبجدية ,التي اخترعها الشعب السيوري العظيم , وعن تملكه الفهم الذي يمكنه من رصد الحقيقة ورجم أكاذيب الفضائيات , وعن اكتشافه لتحضيرات وتحريضات الأعداء المحمومة لاطلاق النار على خطاب الرئيس وتقطيع أوصال الخطاب قبل أن يصل الرئيس الى مدرج الجامعة , ولم يتفاجأ الحمدان بخوف وهلع خصوم الرئيس من حديثه قبل أن يتحدث, فالرئيس فعلا مخيف , ومن لايصدق ذلك , عليه سؤال الشعب السوري , الذي مات منه الألوف بالرصاص , وما تبقى مات من الخوف من الرئيس …ثم انتقل الحمدان للتحدث باسهاب عن غيظ القصر الأميري في الدوحة من الرئيس وخطابه , وعن قضية تنحي الرئيس التي يريدها القصر الأميري , والتي تمثل, حسب نظرة الحمدان, تنحي الشعب السوري عن كرامته وتخليه عن بلاده (سوريا الأسد) , وعاد الحمدان الى قصة الخوف , الذي ألم الآن باردوغان أيضا , حيث أصيب هذا الاردوغان بالتعرق والارتجاف بسبب اعلان الرئيس عن خروج آل عثمان من البلاد الى الأبد , وقد رأى ثاقب البصر الحمدان بمنظاره السحري أوباما وهو يتخبط و يضغط على اسنانه بعصبية خلال متابعته خطاب الرئيس على التلفاز , و الحمدان رأي بنفس المنظار ساركوزي وهو يقضم على أظافره ..ثم رأى بمنظاره من قرية قريبة الى القرداحة ..كل العالم ..من نيتان ياهو الى الحريري , الذي لم يشرب حليبه هذا الصباح .. ثم برهان غليون وشلته , التي رأها تمثل فلما كأفلام توفيق الذقن وميرفت أمين , ولم يحدث الحمدان عن ما ألم بميركل وبان كيمون وبوتين وكاميرون وغيرهم من الذين تنسطوا لخطاب صناعة التاريخ ..انها صناعة تاريخهم أيضا .
أكد الحمدان في سياق بحثه المستفيض على أنه لاينتمي الى طرف ضد طرف آخر في النزاع الداخلي , لأن انتمائه شارعي (ليس سوقي), ولم يكد حبر عبارته يجف حتى فاجأ القارئ بالقول ان ميوله لفريق الأسد ناجم عن قناعته من أن المعارضة لاتنتمي الينا ولا ننتمي اليها .. أي أنه ينتمي.. قدس اللهه سره , وهذا مانفاه قبل ربع ثانية .. بشكل عام من الصعب فهم ماقاله الكاتب في مقاله الأغر عن انتمائه وميوله وعدم انتمائه وعدم ميوله ..لخبطة وخربة غير مألوفة من أستاذ شرب حروف الأبجدية من منبعها الأصلي .
الحمدان علل بحثه عن ما لم يقوله الرئيس بالنظرية التالية , ان ما لايقوله الزعماء الكبار في خطاباتهم أهم مما يقولونه ..خاصة في الأزمات , لذا كان على الحمدان استجواب الخطاب , حيث وجد على أن الرئيس وفريقه يريدون عدم ترك مقعد المعارضة شاغرا للعناكب والعقارب , وانما يريدون توسيع الطيف الحكومي لربما بمعارضة تحت سقفها …كمعارضة الجبهة التقدمية مثلا ..في ظل الحزب والقائد الى الأبد .. وهذا قول عظيم من فم أكبر الزعماء , ورحم الله القذافي !
اكتشف الحمدان في استجوابه للخطاب الراسم للتاريخ أكثر وأكثر … فالرئيس ترك باب التوبة مفتوحا للتائبين, ذلك من منطلق ومنطق القوة والامساك التام بكافة خيوط اللعبة العسكرية مع المسلحين ..أه ياقبضاي !!, واكتشف الكاتب أيضا على أن الرئيس تلقى تفويضا مطلقا من القوى الرئيسية بالتصرف مع عدم التائبين كما يحلو ويروق له ..ومن هي هذه القوى الرئيسية ؟ لم يفصح الكاتب عن ذلك للأسف !.
من خطاب الرئيس استنتج الكاتب أيضا على أن المتمرد السوري يقف الآن وظهره على الحائط , وليس أمامه الا ألأسد ..ويالها من صورة تعبيرية حضارية فذة ..الرئيس قال أيضا ان النهاية قريبة , وهو يثق بما يقول , ومستوى الثقة في ماقاله هو 100% , , وهذا أمر شخصي من الصعب امتحانه , وأسأل الحمدان ..اذا كان مستوى الثقة 100% , فكيف حال مستوى الصدق ؟ هل هو !100% أيضا ؟؟ ..ثم تحدث الكاتب عن الفروسية العربية ومعانقة ابن العم لابن العم ..الى آخر تلك الخزعبلات , حيث يصل الحمدان الى ماهو أهم ..فخطاب الرئيس منجم سحيق يحفر فيه عمال المناجم السياسية , الا أن ما استخرجه عامل المناجم الحمدان كان لحد الآن قليلا جدا , لقد انتظرت من الحمدان أن يقول مالم يقوله الرئيس ..وهو الذي وعد بذلك , وذالك لأن مالايقوله العظماء أهم من مايقولوه ..انتظروا اني أتابع قراْة المقال …. الحمدان عامل المنجم العميق ينقب وينقب حيث وصل الى قاع الحضارة المنجمية, وما لم يقوله الرئيس وقاله الحمدان هو :وأما من ضربنا على خدنا الأيسر فلن نعطيه خدنا الأيمن , بل سنمسك له يده منذ اليوم وصاعدا , فان اصرت على الغي والبغي …كسرناها ….., والرئيس قال مايشبه ذلك , وليس في التكسير شيئا جديدا ..ا فتكسير الأضلاع والرؤوس والأيدي والقلوب والعقول يجري على قدم وساق من أكثر من اربعين عاما .. لاجديد في “جملوكية” الخوف .
ختم الحمدان مقالته التي استجوب بها خطاب الرئيس بأهم ما أراد الرئيس قوله ولم يقوله ” دعوهم يضرطون “… فعلا عبارة حضارية تؤكد النظرية التي تقول , مالايقوله العظماء الكبار أهم من الذي يقولونه .
مع ادراكي للعمق المنجمي السحيق لهذه العبارة , أو بالأحرى الحضيض الحضاري العميق لهذه العبارة , اعلن نهاية بحثي حول ماقيل وما لم يقال في خطاب الرئيس , الذي طلب منه بسام القاضي بعض التكثيف , وها هو الحمدان يكتشف العبارة التي تغني وتسمن وبها يمكن اختصار واختزال الصفحات العشرين ,علاوة على ذلك لالزوم لساعتين من وقت الرئيس الثمين لكي يقول كلمتين ..دعوهم يضرطون ….. عبارة كافية وشافية قالها ابراهيم الحمدان بالنيابة