مؤامرة الربيع العربي

اتهم المجتمعات الشرقية بالاكثار من  استخدام نظرية المؤامرة  في تعليل وتفسير  وتحليل   كل عثرات وصعوبات  الحياة ,  من عثرات اقتصادية  الى اجتماعية الى سياسية الى عسكرية  ,  وهذا الاتهام  محق في الكثير من الحالات , اذ  اني لست الوحيد الذي يتهم  هذه المجتمعات (حكومة وشعبا)  في توظيف  نظرية المؤامرة  من أجل تبرير الضعف   والفشل  والتأخر .

قرب نظرية المؤامرة  من النظرة الدينية  ..كالقضاء والقدر  , هو أمر شبه مؤكد ,  كما أن الايمان , الذي يقود الى اشراك الغيب المتمثل بالله في تنظيم أمور الحياة , وما يرافق ذلك من تطورات  غير متوقعة  , تجبر  الضحية على البحث عن مسبب  , حيث يفترض هذا وجود المسبب في المؤامرة   .

هناك أسباب أخرى عديدة جدا , الا اني أود اليوم التنويه الى سبب  غيرمألوف   , هو “الاعتياد”  على  التضرر من  قبل قوى خارجية  , قوى تآمرت بالفعل  على هذه الشعوب   وسلبتها حريتها وسرقت مادياتها  وامتهنت كرامتها ’, كل ذلك حدث على مدى مايقارب  من 500 عام ,  وليس من الخطأ  زج فترة  الألف سنه   قبل بداية الاستعمار العثماني في حيز  الحقبات , التي كان للمؤامرة الحقيقية  بها تأثيرا كبيرا ..معظم الخلفاء  قضوا نحبهم   بمؤامرة  …

الانسان الشرقي اعتاد بالفعل على التأثر سلبيا من نتائج المؤامرة الحقيقية , وبعد  مجيئ استعمار جديد  بعد الحرب العالمية الأولى  بقي التضرر من المؤامرة الحقيقية قائم , بعد الاسقلال  وبعد الفشل المتكرر  للأنظمة في كافة المجالات , كانت نظرية المؤامرة هي المنقذ الوحيد  للأنظمة , التي بررت بالمؤامرة  صعوباتها في بناء الدولة الحديثة  الحديثة , تلك الصعوبات الحقيقية , لأنه ليس من السهل بناء دولة حديثة على انقاض  مستعمرة أو محمية  , وبدون أن يملك الشعب  مايكفي من الخبرات  لبناء دولة أم مايشبه دولة .

المؤامرة التي  كان معظمها حقيقي , تحولت  الى مؤامرة  أصبح  معظمها وهمي , وهذا هو حالنا اليوم . اننا نظن بوجود مؤامرة في كل الحالات , مع العلم انها موجودة فقط في بعض الحالات, وحتى  في هذه الحالات ليس بالضرورة تسميتها مؤامرة ,  اذ لكل دولة ومجتمع استراتيجيات  , وأهداف  قد تتعارض مع أهدافنا  ومصالحنا , وسعي الآخر لتحقيق أهدافه  هو أمر مشروع , كما هو سعينا لتحقيق أهدافنا مشروع  , لاوجوب لتسمية  كل سياسة ضدنا على أنها مؤامرة , وذلك لأن هذه التسمية تقترن عادة بنوع من السلبية والاتكالية   ,التي تنقص من المقدرة على مقاومة  هذه الاستراتيجيات والتصدي لها .

لقد بلغ  الاعتياد لابل الادمان على نظرية المؤامرة   درجة استلاب العقل , ومن أشكال استلاب العقل والفهم ظاهرة الربيع العربي  ونظرة البعض الى هذا الربيع,  فكل هؤلاء يؤمنون بوجوب الثورة  وأحقيتها  وأهميتها  , الا أن هؤلاء, بدون الكثير من الاستثناء , يقولون  ان الربيع العربي هو نتيجة لمؤامرة خسيسة , ويبلغ بهؤلاء النفور من “المؤامرة ” الى حد   تثفضيل الارتماء بأحضان القذافي وغيره ,  حيث لا يزال هؤلاء يتباكون عليه   ..وذلك لأنهم  يعتقدون على أنهم “مشبعون” بالوطنية”  الصافية , التي تمنعهم من قبول المؤامرة مهما كلف ذلك ..مئة سنة أخرى مع القذافي  أو الأسد أو مبارك أو علي عبد الله صالح  , أفضل من قبول  “المؤامرة ” الافتراضية , الا أن اشباعهم بالفهم أقل ..فمن السهل اثبات ذاتية ثورات الربيع العربي , بسبب وجود اسباب وجيهة لها  , ومن السهل اثبات وجود  حمى استعمارية جديدة  تريد استغلال الربيع العربي , سببيا لاعلاقة لهذه الحمى بالربيع العربي , ومحاولة  استغلال الربيع العربي ليس برهانا على أن الاستعمار أو الرجعية العربية   أشعلت نيران هذا الربيع , الربيع العربي هو حركة  أو حركات  موجهة أصلا ضد الاستعمار وضد الاستبداد  والاستغلال والديكتاورية , ثم أنه لبعض الدعم من  قبل الرجعية العربية  أسباب أخرى ..الرجعية العربية تحاول من خلال ذلك تأجيل موعد دفنها ..ان الله يمهل  , ولا يهمل ,ولا مخرج للرجعية العربية الا مخرج الانقراض .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *