من أين أتتنا كل هذه الحرية ؟, حيث نستطيع أن نكتب وننتقد ونعبر عن رأينا دون الدخول في حقول الألغام المخابراتية ودون القفز فوق الأسلاك الشائكة لأجهزة الأمن , التي علق بها العديد من المواطنين , ومنهم الدكتور كمال اللبواني , الذي قضى في السجن أكثر من ثماني سنوات , يقال لأن انتقد وكانت له رؤية , والآخر عشرات السنين لأن له لون أحمر , ,وغيره عقود لأنه فتح فمه ومارس غريزة الكلام وطالب بالحرية والديموقراطية , ثم قال للجزيرة أو غيرها ان هناك في الوطن تعسف !! طبعا تأتي الحرية من الحكومة ومن الحاكم ولا أريد القول قطعا انها من صنع الشبكة العنكبوتية ..انه النظام السياسي الذي نعيش به والذي يتعشق الحرية والديموقراطية , لذا يتعشقة البعض , هو الذي وفر لنا الحرية , وهو الذي احترم كرامتنا ..أقول ذلك مستنبطا, مجتهدا ,مستغفرا ، منكسرا من الجرأة، مستحيا من تقحم البحر الخضم ، منتظرا كلام الفضلاء راجيا من الله الهادي الى الصواب والقدير أن لايقطع لساني , كما قطعت السلطة لسان حسن الخير , الذي تفوه في احتفال تأبيني لقريب له , ارسلته السلطة الى عزرائيل ,بما لاتحمد عقباه … الوغد انتقد !! …قال كلاما سيئا ضد النظام , وهو الذي ينتمي الى طائفة النظام , ومن غير المعقول أن يبصق وغد في الصحن الذي يأكل منه .. ناكر الجميل .. والقرار بقطع اللسان قبل الرمي بالرصاص كان في منتهى الحكمة , من هنا يمكن الاستدلال على أسباب رؤيتي هذه بخصوص الحرية ومن يحميها في سوريا .
لكل حادث حديث , ولكل مقام مقال , ومن يراقب الحدث يستطيع فهم الحديث , وقبل عشرات السنين دوى صوت أحمد سعيد من قاهرة العرب , معويا ومعريا الأكاذيب وناشرا الحقائق حول قوة العرب وجبروتهم وتقدمهم ومقدرتهم على قذف اسرائيل في البحر , وصدقنا ماقاله أحمد سعيد والشقيري , وجمال عبد الناصر وكل الرموز القومية السابقة , صدقنا اناشيد الاشتراكية وصفقنا لعبد الناصر عندما مارس عملية الاخصاء السياسي وحل الأحزاب , والبعث حل نفسه أيضا بناء على نصائح أو أوامر عبد الناصر , لقد كنا أثناء هذه الأحداث أطفال بدون خبرة , صدقنا الحديث عن الحدث .. ولا أنكر وجود بعض البلاهة في عقولنا .
توالت الأحداث ..1956 .. حيث سيطرت على اللغة بعض المفردات والكلمات المشحونة بالفخر من عمل جول جمال ..كلمات ومفردات ملطخة بالدعاية والدماء … وبعد كل حدث ارتج الوعي بعض الشيئ , وجاء عام 1967 , حيث الصفعة الكبرى والصعقة الأكبر , لتلوي عنق الثقة بالأصوات المدوية ومفرداتها المتوقدة كالنار .الآن توجد مفردات أخرى لتسويق الكذب وترطيب الأجواء حول العسكر …. .النكسة الزخم ..الجماهير ..ارادة الأمة وقرارها .. قعقعة كلمات متسربلة بالرصاص , الذي لملم أذياله واتجه داخليا ليحصد أرواح العملاء والمنافقين والخونة ..أتت الثورة المجيدة في زوارق الانقلابات العسكرية , والتصحيحات المجيدة , حيث تسلم الأمن مهمة مرافقة الشعوب الى ىشاطئ الأمان , والحزب القائد للدولة والمجتمع تربع على الكرسي … كل مناوئ الى السجن ..كل معارض الى القبر ..كل ماس بهيبة الدولة الى غياهب المواخير ..الكلام ممنوع والتفكير ممنوع والرأي ممنوع , الاعتقال مسموح والسجون مفتوحة على الرحب والسعة للضيوف الجدد .. السرقة تحولت الى “تأمين ” مستقبل الولد وولد الولد والتلد … يا ماشاء الله كيف تحضرت دولة مهد الحضارات بهذا الشكل , والآن نحن في القمة … ربي يحميكم من النضرة .
بعد أن بلغنا القمة من الأسفل هاج الشعب وماج , الغيرة والحسد .. وكل فلعوص من هذا القطيع يريد أن تكون له نفس مليارات أياد غزال أو رامي بيك أو ماهر أو رفعت أو جميل أو ذو الهمة شاليش أو حمشو .. ومن كثرتهم يمكن القول , ان الشعب في طريقه الى التملير , وما على من لم يتملير لحد الآن الا أن يصبر , وفي الصبر السلوان ..على الدور ..لا تطحش ولا تجحش … ومن ضاق صدره عليه بالرحيل ..لقد صبر رفعت سنوات قبل ان تدفع له الخزينة ثلاثة مليارات دولار على العد والضبط لقاء ذهابه الى المنتجع بعد أن هذب الحموية وأسس سرايا الدفاع , وهؤلاء الحموية هم البلية , ونغمتهم المتجددة تتطلب مفردات جديدة ..عصابات مسلحة تكفيريين عملاء اردوغان والأمريكان , وأكبر الكلمات دويا هي كلمة المؤامرة ..المؤامرة اللعينة التي تريد تقسيم البلاد وتنفيذ مخططات اسرائيل والصهيونية ..مجموعات مسلحة تطاردها قوات حفظ النظام (الجيش) بمساعدة الشبيح ..عفوا المتطوع لخدمة الوطن .. الفتنة , واللاوطنية … السجان أصبح كطبيب المخبر , حيث يفحص منسوب الوطنية في دم المواطن كما يفحص الطبيب منسوب السكر في الدم أو عدد الكريات الحمر ..هناك المصاب بفقر الدم وهناك المصاب بفقر الوطنية .. تشخيص هذه الأمراض هو من اختصاص السجان ورجل الأمن ورجل المخابرات , ولطالما الأمن يقظ فلا خوف على المواطنين ولا هم يحزنون!!