” وددت لو كان بيني وبينهم جبل من نار.”
إن هذه السطور هي نتاج نقاش مع معلمي رياض متقلون بعد أن قرأت معه الردود التي كتبت في “سيريانو” عن مقالة السيد إبراهيم الأمين “أميركا وعربها مستمرّون في مواجهة الأسد.”
سأبدأ من حيث انتهيت يا سيدة “سلفيا باكير” فعلا “أمر مخجل !” جدا أنك لم تقومي بتصحيح ما يجب تصحيحه وهو أن أمريكا وعربها “مستمرّون في مواجهة” ليس الأسد وإنما سورية وشعبها بأكمله! وأنها ليست المرة الأولى التي يرتكب فيها عرب أمريكا جرائم بحق سورية و شعبها والمؤسف أنه في كل مرة كان على سورية أن تتعالى على الجراح لعدة أسباب منها منطق “البراغماتية “السياسية في احتواء شر هؤلاء العرب ومحاولة “ضم الشمل” قدر الإمكان أو على الأقل كما قال أحدهم اتباع مبدأ أن” الكلب الذي لا يعوي عليك أو الذي يعوي لصالحك خير من الكلب الذي يعوي عليك”. ولن أنسى أنه في ثمانينيات القرن الماضي أرسل صدام حسين بدعم من أمريكا و عربها الخليجيين قنابل موقوتة الى دمشق والمعرض الدولي (أحداثها مازالت مشتعلة ومتفجرة في ذاكرتي الشخصية) فيها وأنه موّل “الأخوان المسلمين” لقتل السوريين وإشاعة فتنة في سورية بمساعدة الملك حسين ونظامه الذي اعترف رسميا بذنبه بالدعم والتمويل والتدريب للإخوان المسلمين على ذلك في رسالة علنية قدمها الى رئيس الوزراء الأردني مضر بدران قبل أن يقوم بزيارة اعتذار الى سورية.
“الفيلم الأمريكي الطويل” والبشع يعاد لعبه من جديد في بلادنا سورية مستغلا “عقب أخيل” الذي أشارت إليه بذكاء زميلتي السيدة ربا صابوني وهو حاجة سورية الى إصلاح سياسي شامل كما أشرت له أنا شخصيا في أكثر من مجال وكذلك أشار إليه آلاف السوريين بما فيهم أستاذي د. رياض متقلون وحتى الرئيس بشار الأسد في خطاباته وخاصة الأخيرة منها. وتكمن المشكلة والمأساة السورية أنها وعبر تاريخها وكلما تنشقت هواء متوسطيا حضاريا هبت عليها رياح السموم الخليجية برمالها و قسوتها وبربريتها وعقليتها القرونوسطية وأعادتها الى الوراء في الزمن والفكر والحضارة.
“كم وددت لو كان بيني وبينهم جبل من نار” وهذا ليس لسان عمر بن الخطاب بل لسان كل سوري متنور رشف حضارة سورية التاريخية التي أنجبت عدا عن الأبجدية وأولى المدن وأولى اكتشاف الزراعة و الصناعة والمثيولوجيا (على أقرأ كتابات فراس سواح) و أنما أيضا “لوسيان السوري” والشاعر العظيم “ميلياغروس” و”أبولودور الدمشقي” و”اقليدس السوري” و “لونجونيوس التدمري” مستشار الملكة زنوبيا ومدرسة الفلسفة السورية التي تركت أثرا في كل فلسفة المتوسط المصرية واليونانية والرومانية..الخ.
المأساة السورية ما تزال تتكرر على أيدي عرب أمريكا وبدلا من صدام حسين لدينا الآن قطر و”جزيرة تها” وآل سعود و”العربية” التابعة لها وتركيا المحكومة بالنسخة التركية من “الأخوان المسلمين ” وطبعا مخابرات الأردن ما تزال تلعب دورها المعروف الطويل الذي أثنى عليه في السابق جيمي كارتر(تذكر ما قاله عن الملك حسين) ثم بيل كلنتون في خطابه الشهير الذي ذكر فيه أن دعم أجهزة المخابرات الأردنية أحد أهم مرتكزات المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط بعد الموساد.
المأساة لها طرف سوري للأسف وهم أولئك الذين وبسبب طفرة الخليج النفطية عملوا في الخليج وأحضروا معهم الى سورية وفي جيوبهم و جيوب عقولهم و تلافيفها رمال وقسوة وبربرية الصحراء “الوهابية” وهكذا تراهم ما أن يتعرضوا لتحريض الجزيرة “يتخرتتوا ” (انظر مقالة د. رياض متقلون ” حصان طروادة والخراتيت”) .ولا ننسى المحطات الفضائية السلفية التي تنفث سمّها في عقول السوريين ليل نهار منذ بداية الأزمة وحتى ما قبلها عبر محطات تدعي تعليم الدين الإسلامي والتي تكرس تغيب العقل والمنطق والمدنية وتفرض وجهة نظر آل سعود وشيوخهم وبدلا من أن يكون رصيد سورية من التعددية الدينية والعرقية ذخيرة لها في بناء مجتمع علماني متطور يتحول هذا الرصيد الى نقمة ووبال على السوري ويصبح مقدح شرار لنعرات طائفية تقسم المجتمع السوري تماما بما يخدم بقاء اسرائيل في منطقتنا “كدولة لليهود ” لا تختلف مصالحها عن مصالح آل سعود و آل أبو “حونظز” القطرية و”الحريرية” وغيرها.
وبكل تأكيد أن أسوء ما في جماعة الخليج ليس فقط ما ذكرته عن الوهابية والبربرية والصحراوية و العنجهية “البترودولارية” السلفية القرونوسطية التي يؤثرون بها على فئة عريضة من السوريين لأن مراكز الإسلام والإعلام عندهم وإنما أيضا ما هو أخطر بكثير وهو تبعيتهم العمياء لأمريكا وانعدام الاستقلال والقرار السياسي عندهم ودورانهم في فلك أمريكا على نحو مخزي يجعل من “الجزيرة” و”العربية” و مجموعة ” MBC” أدوات أمريكا في ضرب ثقافتنا وفي نسيان قضايا العرب الحقيقة في التنمية البشرية والفكرية ومحاربة إسرائيل الصهيونية العنصرية التي يعتبر الحرب ضدها هو قمة الفعل الحضاري والإنساني في هذين القرنين. ما هو مخزي أكثر هو هرولة قطر المخزي لإثبات لأمريكا أنها تستطيع آخذ وكالة عن أمريكا في تنفيذ مخططاتها بنجاح أكثر من تركيا وإسرائيل وحتى مصر “كامب ديفيد”. يكفي أمريكا أن تقول أن إيران هي العدو وهي التهديد وليس إسرائيل حتى تتسارع صحف ومحطات الخليج الى تسويق هذا الأمر وإقناع العرب أنها إيران هي “فعلا” التهديد وليس أمريكا وليس إسرائيل أو تركيا. وتضيع كل جهود التقدمية العربية في سورية والعراق مصر وتخفت على حساب ثقافة “آل حونطز” القرونوسطية. وطبعا في كل مرة سورية هي من يدفع الثمن الأغلى ففي الثمنيانيات حاربها كل العرب ووقفوا بأمر من أمريكا مع صدام في حربه ضد أيران ثم دفعت سورية الثمن لأنها رفضت احتلال العراق و تبقى سورية على الصليب و تجلد لأن الحر” العالي دائما يصلب”.
إن الرجل الأمي ليس رجلا حرّا ولا يمكنه أن يكون حرا إلا بعد أن يتحرر من الأمية(بكل أشكالها السياسية والعلمية والأجتماعية).
إن الرجل الجاهل والجاهلي ليس رجلا حرّا ولا يمكنه أن يكون حرا إلا بعد أن يتحرر من الجهل والجاهلية.
إن الرجل المخمور بالقرونوسطية ليس رجلا حرا ولا يمكنه من أن يكون حرا حتى يتحرر من البنية القرونوسطية التي تعربش على ثنايا عقله و فكره وحياته.
إن الرجل المؤمن بأن دينه دين يصلح لكل زمان ومكان وأن كتابه المقدس وهو دستور للمجتمع المثالي هو رجل ليس حرّا ولا يمكنه أن يكون حرّا أو ديمقراطيا. وهكذا نسبة كبيرة من السوريين هم قرونوسطويون وهكذا تكتب فصول المأساة السورية وهكذا تكرر مرة بعد مرة دون أن يفيق السوريون ويسمعوا الصرخة البائسة اليائسة أحيانا من آلاف السوريين المتنورين:
” وددت لو كان بيني وبينهم جبل من نار.”
Riad Matqualoon and my dearest colleague Diayaa Abo Salma Alquadi Noran (see I remember your full name ?) Thank you both for you remind me of everything beautiful in our Home Syria.
Greetings from Spain
I love you both.
Your Roba