الحديث الى البعض وعن البعض في الوطن السوري ضروري , وذلك على الرغم من ثماره اليابسة وفقر جدواه , فسنين السلطة الأربعين تميزت بنجاحها في قتل العقل المحاور ,وتدجينها لنوع سقيم من العنجهية السلطوية المفترسة , عندما تحاور سلطوي لاترى منه الا انيابه الطويلة والعريضة , التي تحتل كامل رأسه , ومن بين انيابه يطل لسان يهدد ويخون ويتلفظ بالفظ والخرافي من الكلام , السلطوي يدخل عليك وفي يده الساطور وصكوك الوطنية والخيانة , يرهب من يشاء , ويهب وسام الوطنية من يشاء ومن يقتدر على ترجمة مشيئته بممارسة الخضوع والخنوع وليس لمعارض رأيه ومشيئته الا عار الخيانة , يريد منك أن تفهم على انك في مسيرة حياتية كالمسيرة الشعبية , الأهداف والهتافات يحددها ويصيغها السلطوي, الذي هو المواطن الوطني من الدرجة الأولى, وما عليك الا أن تردد مايقول ..انك في مسيرة ايها البهيم , وعليك أن تنتظم مع النظام , واذا خالفت ذلك , يجد الرصاص هدفا له في رأسك وقلبك , وتؤول الى ماآل أليه المنشقون عن مسيرة حماة , حيث نال ثمانية منهم عقوبة الموت رميا بالرصاص ميدانيا وفورا بدون سؤال أو جواب وذلك بسبب التلفظ بعبارة” الشعب يريد اسقاط النظام” , الأمر خطر جدا على الحال والمال , واذا خالفت السلطوي الميسور عادة , يثور عليك كالثور ناطحا , وكالأسد مزمجرا, وكالذئب عاضا , وكالثعلب مخاتلا ..انياب طويلة حادة , ورأس بدون عقل , وقلب نسي غريزة ممارسة الحب , وأخلاق , وهل يمكن تقزير كلمة “اخلاق” بما نراه من تشنيعات وممارسات ؟.
قبل اقناع السلطوي بشيئ ما , يجب عليه ان يكون متدربا على ممارسة الحوار , وملما بطرق التعامل معه , وعلى اسلوب التفكير معا, ولكي يكون هناك حوار أصلا , يجب تحرير الكلمات من حمولتها التهديدية التهييجية والقيمية , ومن قدسيتها الافتراضية , فكلام السلطوي برأيه مقدس , عمومي ,قطعي محتكر للفكرة الصائبة مخون للآخر ومكفر له , ويل لك ثم الويل أن تعارضه بشيئ , يحولك بقدرة قادر من علي ألى علوش ومن شرير صغير الى أكبر الشررين , ومن عاقل الى متوهم , ومن متعمق الى سطحي , ومن واعي الى ساذج ومن فهيم الى بهيم , ومن صائب الى مصيبة , ومن مثقف لايجهل الى جاهل تستعصي على عقله حبكات السلطوي الفكرية وثعلبياته , ومن ناصح للمواطنين الى ناطح لمصالح الوطن ..الى كافر سياسي , ولا يمكن لديباجة السلطوي أن تخلو مما هو أساسي أصلي وأصولي .. من التهديد والوعيد , عندها تكون آخر كلماته .., ولكل حادث حديث !!
الطبيعي في الحياة هو استقلال المجال الثقافي عن السلطة السياسية , وعليه لكي يبقى ثقافي, أن يستقيل من ممارسة الدعارة الثقافية , ويترفع عن مسلكيات شعراء البلاط , وفي النظم الشمولية المحتكرة للسلطة والثروة والقاتلة للعقل , لايمكن تحقيق حتى الحد الأدنى من ذلك , فالسلطة الشمولية تخترق المجتمع المدني وتمتص ما ينتجه , ثم توظف هذا الانتاج في مجالات تدعيم السلطة, واذا أخذنا الجيش السوري , فنجد ان جزءا كبيرا منه يصطف في صفوف الحرس الجمهوري , وكامل الجيش تحول الى مايشبه فرقة خاصة , الممول هو الشعب , والحماية هي للحاكم , توظيف سلطوي بامتياز .
لايستطيع السلطوي لحد الآن فهم كينونة الحركة السياسية الوطنية , التي تشمل بشكل طبيعي كامل أطياف المجتمع سياسيبا من أقصى اليمين الى أقصى اليسار ومن هو في السلطة ومن هو في المعارضة , ولا يوجد تفاوت بين وطنية هؤلاء , ومن يدعي التقدمية ليس أكثر أو أقل وطنية من المسمى رجعبي , لاتفاوت بين الحاكم والمحكوم , ولا جدوى ايجابية من ممارسة التفاضل , واذا كان بالواقع هناك من هو غير وطني , فهو الذي يريد الغاء الصلة بين الانسان السوري والوطن السوري , حيث أنه على كلمة”سوري” أن تتطابق مع كلمة “وطني” , والسلطة السياسية التي تحذف صفة الوطنية من هوية بعض المواطنين لأسباب تتعلق بولاء البعض لها أو عدم ولائهم , هي السلطة التي تنزع صفة الوطنية عن ذاتها , وبالكيل الذي تكيل به , يكال لك , وكما تراني ياجميل أراك .
لي هنا أن اعترف , على أن ضيق الحال السياسي , يقود احيانا الى طول اللسان , والى اهمال الدلالات اللغوية والاصطلاحية للكلمات , التي يقذفها اللسان المهتز بأمر من العقل الضامر أو المتلاشي , والذي يعجز عن تعريف السلطة وعلاقتها مع الدولة والنظام والشعب والمعارضة , ناهيكم عن عجزه التام في احياء العلاقة الجدلية المقطوعة بين كل هذه المكونات , اذ على هذا العقل فهم العديد من الأمور , من أهمها فهم عبارة “سيادة” اذ لاتوجد سيادة غير وطنية في الوطن , هذا اذا كانت السيادة للشعب أو من يمثله حقيقة ’ سيادة الحزب بفعل المادة الثامنة , هي غير سيادة الشعب , وسيادة الشعب تعمل من أجل مصلحة الشعب , اما سيادة الحزب القسرية , فهي سيادة تعمل لصالح الحزب , أي أنها تعمل من أجل مصلحة خاصة حزبية , ومن دهاليز هذه المصلحة الخاصة الحزبية تسللت في الوطن السوري ممارسة حماية المصالح الأكثر خصوصية , حيث تدنى المستوى الحضاري لخمة المصالح , وتقلص ليصب كامل اهتمامه بعائلة أو مجموعة قليلة من العباد السوري , وهذا الخلل الكبير في خدمة المصلحة العامة , التي التهمتها المصلحة الخاصة التي فقدت كل معالم التوجه الانساني والأخلاقي , هو من أهم أسباب الأزمة التي أتت , وقد كان لها أن تأتي قبل زمن طويل .
لايمكن للمصلحة الخاصة أن تلتهم المصلحة العامة , الا بوجود الجو المناسب لهذا الالتهام , وهذا الجو المناسب هو الجو الوحيد الذي تطور للأسف في السنين الأربعين السابقة , ومن أهم معالم تحسن هذا الجو وازدياد شهية الالتهام , هي بشكل عام جدا افشال مشروع التنوير وحصول مايسمى الانسداد التاريخي , وبشكل خاص بعض الشيئ قتل غريزة الكلام والفتك بخاصة “السؤال” , وبالتالي غياب من “يسأل” وكنتيجة لذلك غياب من “يحاسب” ,ولكي يتحقق كل ذلك لابد من جيش واقعي اضافة الى جيش اعتباري , فالجيش الواقعي , ان كانت سرايا الدفاع أو الحرس الجمهوري أو الفرقة الرابعة أو غير ذلك من الشبيحة والذبيحة , قام بحراسة السلطة الفئوية عضويا , وذلك بالرصاص والبندقية , أما الجيش الاعتباري , فهو جيش القناعات الدوغماتيكية والثوابت الحجرية والأجوبة الجاهزة , الذي تروج له جماعة المرتزقة والمنتفعة خاصة من الحاشية وحاسشية الحاشية , ومن هذه الثوابت مايسمى القرار الوطني والمصلحة القومية وغير ذلك مما يجب تسميته القرار السلطوي والمصلحة الفئوية .
لكي يستطيع المجتمع السوري حل مشاكله , يجب أن يبدأ بالحل , والبدأ بالحل يعني انشاء جمهورية سورية جديدة , وما يوجد على الأرض الآن ليس جمهورية ولا دولة بالمعنى ربع المثالي , لأنه على “الدولة “ان تكون دولة الحق والعدل والقانون , الدولة التي لاتحقق العدالة والمساواة هي عبارة عن مجموع من البشر تعيش على قطعة جغرافية من الأرض , والسلطة التي تحكم هذه المجموعة لاترقى الى صيغة مشروع الدولة , الا أذا مثلت الشعب تمثيلا صادقا . سلطة الحزب لاتوازي سلطة الشعب ولاتمثلها ,لأنه لم يجر انتخابها بحرية وبدون تزوير, لا وجود حقيقي لدولة يتضمن دستورها المادة الثامنة, التي تلغي ارادة شعب لصالح ارادة حزب .