وان لله في خلقه شؤون ..السلطوي ..والشجون

الحديث الى البعض  وعن البعض في الوطن السوري ضروري , وذلك على الرغم من  ثماره اليابسة   وفقر  جدواه , فسنين السلطة الأربعين   تميزت  بنجاحها في قتل العقل  المحاور ,وتدجينها لنوع سقيم من العنجهية  السلطوية المفترسة , عندما تحاور سلطوي  لاترى منه الا انيابه  الطويلة والعريضة  , التي تحتل كامل رأسه , ومن بين انيابه يطل لسان يهدد ويخون  ويتلفظ بالفظ والخرافي من الكلام  , السلطوي يدخل عليك  وفي يده  الساطور وصكوك  الوطنية والخيانة , يرهب من يشاء  ,  ويهب  وسام الوطنية من يشاء ومن يقتدر على ترجمة مشيئته  بممارسة   الخضوع والخنوع وليس لمعارض رأيه ومشيئته الا  عار الخيانة , يريد منك أن تفهم   على انك في مسيرة  حياتية كالمسيرة الشعبية , الأهداف والهتافات  يحددها ويصيغها  السلطوي, الذي هو المواطن الوطني من الدرجة الأولى, وما عليك الا أن تردد مايقول ..انك في مسيرة  ايها البهيم , وعليك أن تنتظم مع النظام , واذا خالفت ذلك ,  يجد الرصاص  هدفا له في رأسك وقلبك , وتؤول الى ماآل أليه  المنشقون عن مسيرة حماة ,  حيث نال ثمانية منهم عقوبة الموت  رميا بالرصاص ميدانيا  وفورا بدون سؤال أو جواب   وذلك بسبب  التلفظ بعبارة” الشعب يريد اسقاط النظام” , الأمر خطر جدا على الحال والمال , واذا خالفت السلطوي الميسور عادة  , يثور عليك كالثور ناطحا  , وكالأسد مزمجرا, وكالذئب  عاضا , وكالثعلب مخاتلا ..انياب  طويلة حادة , ورأس بدون عقل  , وقلب  نسي غريزة ممارسة الحب  , وأخلاق , وهل   يمكن   تقزير   كلمة  “اخلاق”   بما  نراه من تشنيعات وممارسات ؟.

قبل اقناع السلطوي بشيئ ما   , يجب عليه ان يكون متدربا على ممارسة الحوار , وملما بطرق التعامل معه ,   وعلى اسلوب  التفكير معا, ولكي يكون  هناك حوار  أصلا ,  يجب تحرير الكلمات  من حمولتها التهديدية التهييجية والقيمية , ومن قدسيتها الافتراضية , فكلام السلطوي  برأيه مقدس  , عمومي ,قطعي   محتكر  للفكرة الصائبة  مخون للآخر ومكفر له , ويل لك ثم الويل أن تعارضه بشيئ , يحولك بقدرة قادر من علي ألى علوش   ومن شرير صغير الى أكبر الشررين  , ومن عاقل الى متوهم  , ومن متعمق الى سطحي , ومن واعي الى ساذج  ومن فهيم الى بهيم , ومن صائب الى مصيبة , ومن مثقف لايجهل الى جاهل تستعصي على عقله  حبكات السلطوي  الفكرية وثعلبياته , ومن ناصح  للمواطنين الى ناطح لمصالح الوطن ..الى كافر سياسي , ولا  يمكن لديباجة السلطوي أن تخلو مما هو أساسي  أصلي وأصولي .. من التهديد والوعيد , عندها  تكون آخر كلماته .., ولكل حادث حديث !!
الطبيعي في الحياة  هو استقلال المجال الثقافي  عن  السلطة السياسية , وعليه لكي يبقى ثقافي, أن يستقيل من ممارسة الدعارة الثقافية ,  ويترفع عن مسلكيات شعراء البلاط , وفي النظم الشمولية  المحتكرة للسلطة والثروة  والقاتلة للعقل  , لايمكن تحقيق حتى الحد الأدنى من ذلك , فالسلطة الشمولية تخترق المجتمع المدني   وتمتص ما ينتجه  , ثم   توظف هذا الانتاج  في مجالات تدعيم السلطة, واذا أخذنا الجيش السوري  , فنجد ان جزءا كبيرا منه  يصطف في صفوف الحرس الجمهوري , وكامل الجيش   تحول الى مايشبه  فرقة خاصة , الممول هو الشعب , والحماية هي للحاكم , توظيف سلطوي بامتياز .

لايستطيع السلطوي لحد الآن فهم  كينونة الحركة السياسية الوطنية ,  التي  تشمل  بشكل طبيعي كامل  أطياف المجتمع  سياسيبا من أقصى اليمين الى أقصى اليسار  ومن هو في السلطة ومن هو في المعارضة  , ولا يوجد تفاوت  بين وطنية هؤلاء  , ومن يدعي التقدمية  ليس أكثر أو أقل وطنية من المسمى رجعبي , لاتفاوت بين الحاكم والمحكوم ,   ولا جدوى ايجابية من ممارسة التفاضل  , واذا كان بالواقع هناك  من هو غير وطني , فهو الذي  يريد الغاء الصلة بين الانسان  السوري والوطن السوري  , حيث أنه على كلمة”سوري” أن تتطابق  مع كلمة “وطني” , والسلطة السياسية  التي تحذف صفة الوطنية من هوية بعض المواطنين  لأسباب  تتعلق بولاء البعض لها أو عدم ولائهم , هي السلطة التي تنزع صفة الوطنية   عن ذاتها , وبالكيل الذي تكيل به , يكال لك , وكما تراني ياجميل  أراك .

لي هنا أن اعترف  , على أن  ضيق الحال  السياسي  , يقود احيانا الى طول اللسان , والى اهمال الدلالات اللغوية  والاصطلاحية للكلمات , التي يقذفها اللسان  المهتز بأمر من العقل الضامر أو المتلاشي , والذي يعجز عن  تعريف السلطة وعلاقتها مع الدولة  والنظام  والشعب والمعارضة , ناهيكم عن عجزه التام  في احياء  العلاقة الجدلية المقطوعة  بين كل هذه المكونات , اذ على هذا العقل فهم   العديد من الأمور , من أهمها فهم  عبارة “سيادة” اذ لاتوجد سيادة غير وطنية في الوطن , هذا اذا كانت السيادة للشعب أو من يمثله حقيقة ’ سيادة الحزب  بفعل المادة الثامنة , هي غير  سيادة الشعب , وسيادة الشعب  تعمل من أجل مصلحة الشعب , اما سيادة الحزب القسرية  , فهي سيادة تعمل لصالح الحزب  , أي أنها تعمل من أجل مصلحة  خاصة حزبية  , ومن دهاليز هذه المصلحة الخاصة الحزبية  تسللت  في الوطن السوري  ممارسة حماية المصالح الأكثر خصوصية , حيث  تدنى المستوى الحضاري لخمة المصالح  , وتقلص  ليصب كامل اهتمامه بعائلة أو مجموعة قليلة من  العباد السوري , وهذا الخلل الكبير  في خدمة  المصلحة العامة , التي التهمتها المصلحة الخاصة  التي فقدت كل معالم التوجه الانساني والأخلاقي  , هو  من أهم أسباب الأزمة  التي أتت  , وقد كان لها  أن تأتي قبل زمن طويل .

لايمكن للمصلحة الخاصة أن تلتهم المصلحة العامة , الا بوجود الجو المناسب لهذا الالتهام , وهذا الجو المناسب هو الجو الوحيد الذي تطور للأسف  في السنين الأربعين السابقة ,  ومن أهم معالم تحسن هذا الجو  وازدياد شهية   الالتهام  , هي بشكل عام جدا   افشال مشروع التنوير وحصول مايسمى الانسداد التاريخي ,  وبشكل خاص بعض الشيئ   قتل غريزة الكلام  والفتك  بخاصة  “السؤال” , وبالتالي غياب من “يسأل”  وكنتيجة لذلك غياب من “يحاسب” ,ولكي يتحقق كل ذلك لابد من  جيش واقعي اضافة الى جيش اعتباري , فالجيش الواقعي  , ان كانت سرايا الدفاع أو الحرس الجمهوري   أو الفرقة الرابعة أو غير ذلك  من الشبيحة والذبيحة ,  قام بحراسة  السلطة الفئوية  عضويا , وذلك بالرصاص والبندقية , أما الجيش الاعتباري , فهو جيش القناعات الدوغماتيكية  والثوابت الحجرية  والأجوبة الجاهزة , الذي تروج له جماعة المرتزقة والمنتفعة  خاصة من الحاشية وحاسشية الحاشية ,  ومن هذه الثوابت مايسمى القرار الوطني  والمصلحة القومية وغير ذلك  مما يجب تسميته القرار السلطوي والمصلحة الفئوية .

لكي يستطيع المجتمع السوري حل مشاكله , يجب أن يبدأ بالحل , والبدأ بالحل يعني  انشاء جمهورية سورية جديدة  ,  وما يوجد على الأرض الآن ليس  جمهورية ولا دولة بالمعنى   ربع المثالي   , لأنه على “الدولة “ان تكون  دولة الحق والعدل والقانون  , الدولة التي لاتحقق العدالة والمساواة  هي عبارة عن مجموع من البشر تعيش على قطعة  جغرافية من الأرض , والسلطة  التي تحكم هذه  المجموعة لاترقى الى صيغة  مشروع الدولة , الا أذا مثلت الشعب  تمثيلا صادقا   . سلطة الحزب  لاتوازي سلطة الشعب  ولاتمثلها ,لأنه لم يجر انتخابها  بحرية  وبدون تزوير,  لا وجود حقيقي لدولة يتضمن دستورها المادة الثامنة, التي تلغي ارادة  شعب لصالح ارادة حزب .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *