من الطبيعي , أن يرفض كل انسان سوري مبدئيا أسلوب التدخل الخارجي , ولكن سيان ان رفض المواطن أم لم يرفض , فالتدخل الخارجي لايقع اذا اراد المواطن الفرد ذلك , ولا يمكن لارادة المواطن الفرد منع حدوثه , وذلك لأنه لايوجد مواطن واحد فقط , وانما ملايين من المواطنين , كل له مصالحه ورأيه وأهدافه ومعادلاته , التدخل الخارجي يفرض نفسه , اذا اكتملت مستوجباته , التي هي دولية بالدرجة الأولى , وذلك بغض النظر عن ارادة الأفراد ومشيئتهم .
نعرف من التاريخ الحديث عدة وقائع لهذا التدخل الخارجي , ولا لزوم للتنقيب في التاريخ القديم المليئ بأحداث التدخل الخارجي , وأريد التذكير بالتدخل السوفييتي في أوروبا الشرقية في أعقاب ربيع براغ , وفي التدخل الروسبي في الشيشان وبالتدخل المصري في اليمن ,والسعودي في البحرين واليمن , والسوري في لبنان ومحاولة التدخل السوري في الأردن , ثم التدخل السوري مع الأمريكان في العراق , وما يقال عن التدخل السوري في ليبا (طيارين وأسلحة لصالح القذافي ) , وتدخل السعودية في اليمن وسوريا وأفغانستان , والتدخل الأطلسي في ليبيا, ثم الأمريكي في لبنان وفي كامل دول أمريكا الجنوبية تقريبا . ثم التدخل التركي في قبرص , والقائمة تطول ..وتطول , ومن يراقب الحدث العالمي يجد ان معالم التدخلات الخارجية هي الطاغية على معظم هذه الأحداث , ولا يوجد أي حدث دون التأثر من جراء تدخل خارجي ..ان كان عسكري أو مدني .
القاسم المشترك لكل هذه التدخلات هو الموقف المتباين منها , من يستفيد منها يرحب بها , ومن يتضرر منها يرفضها , ومعيار الرفض أو التقبل كان دائما فئوي وعصبوي ..لقد رفض جعجع التدخل السوري في لبنان , ثم تقبله , ورفضه مرة أخرى مع الجميل , وفي موقف الرفض أو القبول يجب البحث عند هؤلاء عن مصلحة لبنان بالمجهر ..المصلحة الفئوية هي الأساس, والقومية هي الفرع .
حول امكانية التدخل الغربي في سوريا هناك تضارب في الآراء , فالسلطة ومن يؤيدها يرفضون التدخل الغربي والعربي , الا أنهم يهددون بتدخل حزب الله وايران وحتى روسيا الى جانبهم , والمشكلة لا تتعلق مبدئيا “بالتدخل” وانما بمن يريد التدخل .. فتدخل الصديق جيد , أما تدخل العدو فهو سيئ .
من ناحية أخرى يرى الذين يعانون من وحشية السلطة في المثل الليبي نموزجا وقدوة , اذا لولا التدخل الغربي في ليبيا لبقي القذافي حيا يرزق , يقتل ويغتصب كما فعل لأكثر من أربعين عاما , وهؤلاء يرون على أن البلاد تحتاج الى دور خارجي ما وذلك لردع ساطور السلطة الأمني , الذي يعتمد أولا وأخيرا على القمع العسكري , ويطنون , بالرغم من حساسية أمر التدخل المفرطة , على أن هذا التدخل كفيل بايقاف ألة القمع والقتل , وذلك بعد انسداد كل السبل المدنية السلمية لايقافها .
العالم الذي أصبح مايشبه قرية صغيرة , تتحكم بها أولا الارادة الدولية , وبعدها تأتي الارادة القومية , لايستطيع التنكر الى آليات التدخل الخارجي , التي سيطرت على تقرير مصير الكثير من الأزمات العالمية والصراعات الاقليمية , ونمازح حل هذه الأزمات تعلق طرديا بمدى التواجد الدولي , وهذا هو العملي في هذا العالم , ومن لايريد فهم هذا الجديد في العالم سوف لن يكون بامكانه حل ازماته أو ازمات غيره , وبانهاية سيلقى مصرعه , فالهروب من الواقع العملي الدولي , مهما كان هذا الواقع سيئا أو جيدا, والخروج من التاريخ, لايمثل طريق النجاة الأمثل , والأمثلة عل ذلك كثيرة ..القذافي ..صدام ..والزعيم اليوغوسلافي وحتى هتلر أو بوتا في جنوب أفريقيا ..والكثير من أشباههم .
كل هؤلاء الزعماء رفضوا التدخل الخارجي مبررين ذلك بمبررات قومية وطنية , وكل هؤلاء ارادوا الانفراد في تقتيل شعوبهم , عن طريق انفلات الوحش العسكري على هذه الشعوب وما يتضمنه ذلك من انفلات الأجهزة القمعية المرافقة ..ان كان رسمي كالمخابرات التي يقف في خدمتها في سوريا جيش من 250000 رجل , أو ماهو شعبوي كلجان الأمن واعضاء الحزب والشبيحة والمتطوعين والمأجورين من فيالق التقتيل , كل هؤلاء يمارسون الحل الأمني , الذي يهدف الى تصفية كل معارض , ان كان مسلحا أو غير مسلح ..ولم يكن بسام القاضي مسلحا عند اختطافه من قبل المخابرات قبل أيام , واحتجازه لأيام و معاملته التي تعتبر حسب القاموس السوري حسنة, لم تكن الا ممارسة مخابراتية خجولة جدا , اذ لايعرف سلك المخابرات هذه الأساليب الراقية نسبيا , لبطش المخابرات اشكال أخرى يعرفها كل سوري , والمخابرات فقدت على مايبدو , الكثير من انيابها في الفترة الأخيرة , وتكسير الأنياب لم يحدث طوعا , وانما بفعل التدخل الخارجي المتواجد الآن بشكله السياسي المدني الاقتصادي والتحذيري, وتحول هذا الشكل السياسي المدني الى شكل عسكري هو أمر متعلق لدرجة كبيرة جدا بالسلطة التي ترفض ذلك نظريا , الا أنها تسببه عمليا , ومارسته في العديد من الحالات أذكر منها لبنان , والجدير بالذكر على أن الارادة الدولية هي التي ادخلت الجيش السوري الى لبنان , والارادة الدولية هي التي أخرجت الجيش السوري من لبنان , وعن دور الجيش السوري في لبنان يجب الحديث في مناسبة أخرى .
مبدئيا يمكن القول ان التدخل الخارجي عمليا موجود , وأشكال وجوده متعددة , فالجامعة العربية تتدخل سياسيا وروسيا تتدخل سياسيا وعسكريا عن طريق قاعدتها العسكرية في طرطوس , والأمريكان يتدخلون سياسيا وعسكريا عن طرق الأسلحة وتركيا والأموال الى البعض وفرنسا وألمانيا والغرب قاطبة يتدخلون ثم السعودية ولبنان والاأردن وايران سياسيا وعسكريا وماديا , وكل أمم الأرض حتى فنزويلا وكوبا والقرضاوي ومصر وغيرهم , وكل أشكال التدخلات موجودة الآن على الأرض , الا أن نسب مكونات التدخل تختلف وتتباين الآن , نسبة المكون العسكري تتزايد , في حين ان نسبة المكون السياسي تتناقص, وتجاوز التناقص حدا معينا يعني بروز المكون العسكري كما حدث في ليبيا تماما .
من قصر العقل الاعتقاد على أن تخوين الآخر واتهامه بالعمالة سيغير شيئا لصالح السلطة , والذي تتهمه السلطة بالعمالة يكن للسلطة نفس المشاعر , كما أن شعور السلطة بشرعيتها المطلقة هو أمر نسبي , المعارضة تشعر أيضا بأحقيتها في الشرعية , وتعتبر انه لاشرعية للسلطة , وهذا الأمر يقود الى تفاصيل أكثر وأكبر ,فالسلطة تعتقد ان تزويدها بالمال والسلاح الايراني أو الروسي أو غير ذلك هو أمر شرعي , اما تزويد المعارضة بالسلاح والمال من قبل أي جهة كانت هو عمل تآمري , هذه النظرة صحيحة , عندما لايكون هناك أي شك حول تمثيل السلطة للشعب , كما هو الحال في السويد أو سويسرا مثلا , أما اذا اقتنصت السلطة الحكم عن طريق انقلابات عسكرية, وجلبت المادة الثامنة لحماية احتكارها للحكم ,ثم زورت الاستفتاء , وأمعنت في الفساد , ومارست الأخطاء القاتلة , فيحق لأي مواطن الشك في شرعيتها , ومن يشك في الشرعية يسمح لنفسه بالاعتراف بشرعيات أخر , أي أن للمعارضة بنظر البعض شرعية تفوق شرعية السلطة , ومن هنا يجوز لها أكثر مما يجوز للسلطة . , وبالتالي لاتتورع بعض أطياف المعارضة من استخدام نفس أساليب الحماية التي تستخدمها السلطة , أي انها تتلقى المال والسلاح بكل أريحية ,وهذا الشكل من تزاحم السلطة مع المعارضة على الشرعية أمر غير طبيعي , وانحراف هذا الوضع عن الطبيعية هو من افرازات السلطة , التي عجزت في السنين الأربعين السابقة عن انتاج حكم ديموقراطي يمثل الشعب بشكل لايقبل الشك , أي أن من قاد الى التشكيك بشرعية السلطة , هي السلطة ذاتها , وليس الرئيس أوباما أو الرئيس ساركوزي وغيرهم من العرب والعجم .
حول تقييم كم وكيفية الحراك الشعبي المتقبل لتطوير التدخل باتجاه عسكري , تخطئ السلطة خطأ كبيرا , وترفض معرفة أكثر عن دوافع المعارضين , فالمعارضة الداخلية تعلن على انها لاتريد التدخل الخارجي , والمعارضة الخارجية تريد التدخل الخارجي , وحتى لو أعطي لهذا التدخل أسماء أخرى مثل تفعيل آليات الأمم المتحدة أو غير ذلك , فما سبب هذا التباين ؟؟
لاشك بوجود معارضين داخليين يريدون التدخل الخارحي , الا أنهم لا يجرأون على إعلان ذلك خوفاً من النظام ومن اتهاماته التخوينية، ثم من المحاضرات التوبيخية بخصوص الاستعمار والامبريالية والصهيونية التي تهدد الشعب السوري , والتي زرعها الاستعمار خصيصا لكي تحرس مصالحه وتقضي على تطلعات الجماهير الى الحرية , ومن التلويح بحقائق السلطة المطلقة حول العراق وافغانستان والى آخر ديباجة الكلام من هدف الاستعمار في تقسيم البلاد , وهناك قسم آخر يخاف ليس فقط من السلطة , وانما يخاف من الخسائر المتوقعة من التدخل الخارجي ,والتي قد تكون أعظم من الخسائر من جراء تحمل السلطة على علاتها , وقسم يعتقد على ان التدخل الخارجي سيزيد من شعبية السلطة , أو انه سيزيد من الانشقاق الداخلي السوري وسيففك الدولة أو يمنع انشاء دولة واحدة على كامل الأرض السورية .
اجماع المعارضة الداخلية على رفض التدخل الخارجي وخاصة العسكري منه , يقابله تقبل المعارضة الخارجية لهذا التدخل حتى العسكري منه , والتباين بين مسلكية المعارضة الداخلية والمعارضة الخارجية سببه الخوف ومشتقاته , فالمعارض الخارجي لايخاف من السلطة , كما يخاف منها المعارض الداخلي, وبين الرافض المطلق والموافق المطلق توجد أشكال وسطية . منها مايريد الحظر الجوي فقط,ومنها مايريد العقوبات الاقتصادية فقط , ولكل فرد في المجتمع رأيه المختلف عن رأي الآخر , وهذا التبعثر في الميول للحلول يميع الموضوع ويجعل من حل المشكلة أمرا صعبا , وهذه كانت مهمة الأحزاب التي لها حصر المواقف في خيارين أو ثلاثة أو أربعة , مما يسهل عملية انتقاء خيار ما , السلطة التي ألغت السياسة الشعبية تدفع الآن ثمن هذا الخطوة الغبية .
الفروق بين المواقف وتبايناتها لاتحجب الرؤية العامة عند كامل أطياف المعارضة والتي تقول ان البلاء هو السلطة , التي عرضت البلاد من جراء تصرفاتها الى أوضاع قسرية أجبرت البعض على التنازل جزئيا عن استقلالية القرار السوري , وتركت البلاد نهبا للتدخلات الخارجية , ثم ان السلطة هي التي وضعت البعض أمام خيارات احلاهما مر , طفولة السلطة سياسيا هي التي سمحت لها بالامعان في الخداع والغش والتشدق بقشور قرارات ومراسيم لاقيمة لها أكثر من قيمة الورق الذي كتبت عله , منها دساتير التظاهر الذي تسمح به السلطة نظريا ..فقط لتظاهرات التأييد عمليا , وبعد كل تظاهرة معارضة غير مرخصة يجب دفن العشرات من الضحايا , أو جرجرت فنان طليق اللسان الى المحاكم بعد احتجازه أيام , او مهزلة طلب الترخيص لمظاهرة معارضة , اذ على مقدم الطلب أن يتوجه فورا الى السجن للتحقيق معه , ثم الموافقة على اتفاقيات مع الجامعة العربية , التي تقضي باطلاق سراح المعتقلين السياسيين حيث يطلق سراح 500 سجين من أصل عشرات الألوف, أو قانون الاعلام الجديد الي هو أسوء من القديم ..الى آخر هذه المقالب الساذجة والتي لم تعد السلطة مقتدرة على تمريقها كما كان يحدث في الماضي ,ثم الموقف الطفلي من العقوبات التي تفرض وتزداد يوما بعد يوم , السلطة تتجاهل هذه العقوبات وتكافحها بشعارات الصمود والقتال الى آخر الرجال , وكأن بامكان السلطة وضع الشعب بكامله في خنادقها لممارسة الحروب , السلطة لم تستيقظ بعد من غفوتها وانشراحها السابق , ولم تتعرف على الجديد في عالم السياسة وعلى ديناميكيته , التي تقول ..عندما لاتنفع العقوبات المادية كالمقاطعة أو غير ذلك ,فسيتطور الأمر الى ماهو أقسى , ونهاية المطاف سيكون الحل العسكري الموازي لفلسفة الحل الأمني , وهذا يعني نهاية السلطة