المبادرة العربية …والاتفاقية مع الجامعة العربية , والكل قال ان الحكومة السورية سترفضها رفضا قاطعا , والحكومة السورية أحيت بموافقتها عليها بعض آمال المتفائلين ..وقعت عليها , وقبل أن يجف حبر التوقيع نقضتها نقضا مبرما , وبقيت الأمور على حطت ايدك …جيش وحرب وقتلى وتدمير , ولم يشعر أي انسان بوجود الاتفاقية , وكأن الهدف من الاتفاقية هو فقط التوقيع عليها , وليس تنفيذها …والآن انتهت السكرة وجاءت الفكرة .
الاتفاقية تقول باطلاق سراح المعتقلين السياسيين , خرج منهم حوالي 500 , أين الباقي الذي يقدر بعشرات الألوف ؟؟, الاتفاقية قالت بالسماح للاعلام العالمي بدخول سوريا ..لم يحدث شيئا من هذا القبيل , الاتفاقية قالت ببدا الحوار في القاهرة …لانشعر بأي تحضير لهذا الحوار , ومدة الأسبوعين قاربت على الانتهاء ,الاتفاقية قالت بسحب الجيش من المدن ..لاسحب ولا انسحاب , وفي اليوم الأول بعد التوقيع قيل ان فرق من قوى الأمن ترتدي اللباس الأزرق ستحل محل الجيش ..وماهو الفرق بين الأزرق والأسود ؟؟
لم يكن من المتوقع قبول الاتفاقية , وقبولها تم حسب العرف الذي يقول ..مكره أخاك لابطل …أي أنه لم يكن للحكومة أي مخرج آخر الا القبول النظري المقرون بالرفض العملي , حيث يمكن توظيف القبول النظري لدحض الرفض العملي .. وهذا يؤمن بعض الوقت ,واعطاء الاتفاقية مدة قصيرة جدا للتنفيذ , هو وسيلة وثائية من قبل الجامعة لتحاشي المطمطة , كما أن ارتكاس الجامعة المبكر بعد أيام فقط , والدعوة الى جلسة جديدة في الجامعة العربية , هو استسباق لحسم موضوع المطمطة ….
اذا قلنا على أن سحب الجيش من المدن هو بمثابة تسليم هذه المدن للمعارضة , والتسليم بذلك هو مؤشر على بداية النهاية , والسلطة لاتريد نهايتها , ولها الحق في الدفاع عن نفسها , بشرط أن تكون الأساليب مقبولة بعض الشيئ , يمكن فهم عدم تنفيذ هذه النقطة , واذا قلنا على أن موضوع الحوار يتعلق فعلا بالطرف الآحر ,الذي عليه أن يحاور , ومن مصلحة السلطةالتشكيك بوحدة اعدائها , لذا فان التأخير في ذلك هو مكسب للوقت , والحكومة تريد كسب الوقت , واذا قلنا على أن دخول الاعلام العالمي سوريا بدون أي تصعيبات , سيكون ضارا جدابالنظام , لأن الاعلام الرسمي السوري بدون خبرة , ولا يستطيع الصمود أمام الاعلام العالمي المتحد ضده ,ولكن كيف هو الحال مع المعتقلين السياسيين ومع معتقلي الرأي ؟ ومن يمنع السلطة من اخلاء سبيلهم ؟؟لا أحد الا السلطة نفسها , والتي لاتريد عودة عشرات الألوف الى الشارع …فما العمل ؟؟؟؟
العمل صعب ,والعمل عسير , وخروج الجامعة العربية من مسؤولية تداول الأزمة مع الحكومة السورية , قد يعني تجميد العضوية .أي معاقبة سوريا , ومعاقبة سوريا من قبل الجامعة العربية يعني التدويل , والتدويل يعني الويل , وليبس من المؤكد بعد فشل الجامعة العربية ان تبفى روسيا على موقفها والصين كذلك الأمر …وماذا يعني كل هذا ؟؟؟ الكارثة
لامخرج للسلطة من هذه المشكلة , الاصلاح الحقيقي سيقضي عليها , لأنه ليس من الممكن أن تتغاضى دولة القانون عن اللصوص أيا كانوا ومن كانوا ,واذا تغاضت فهي ليست دولة قانون , وعدم الاصلاح غير ممكن لأن الشعب السوري يريد الاصلاح , ولأن السلطة اعترفت في كل مناسبة بضرورته وضرورة مكافحة الفساد , ولأن العالم يراقب ويترقب , ولا يمكن تحويل سورية الى جزيرة لها ممارساتها الخاصة جدا في هذا العالم المتشابك , والسؤال الأهم , من يعارض الاصلاح حقيقة ؟ والمفتي حسون أجاب على هذا السؤال بشكل شبه صريح , من هنا يمكن القول , ان مجال المناورة أصبح ضيق جدا جدا , ومن الصعب على السلطة أن تدافع عن الساحة السياسية التي احتلتها بمساعدة المادة الثامنة وغيرها من الأساليب الاقتناصية , والرضوخ للأمر الواقع هو فضيلة ,والفاضل هو الذي يمارس الفضائل