استهداف سورية , واعادة هيكلة النظام العالمي الجديد !

يبدو جليا منذ بداية الأحداث العاصفة بسورية أن موازين القوى السياسية لم تتغير في العاصمة دمشق. وفشلت المعارضة، المدعومة من قوى كبرى وإقليمية، مرة أخرى باختيار لغة الإقناع مع الحكومة السورية وإن كانت هذه المرة لغة غربية ومشبوهة وتختلط بلهجات عربية في دول شقيقة وتعتمد على الفتنة الداخلية وإراقة الدماء. هدف هذه المؤامرة– الشارع السوري، بطل هذه المعركة وبيت قصيدها.

والشارع السوري أذهل الجميع فكان صاحب القرار الفصل وكان الحكم واللاعب والمراقب. وأصبح من الواضح في الوقت الحالي أن الغرب الذي أيد ودبر مكيدته سقط في فخ «تصحيح واتخاذ المواقف الدبلوماسية المناسبة» بعد أن وأد الشارع السوري الفتنة بصرامة وهدوء. وبات المواطن السوري بكل فئاته مؤمناً وموقناً بأن ما يجري في بلده هو مؤامرة دولية وحرب معلنة دولية وإقليمية. وما ورد يقودنا إلى تساؤلات كثيرة أهمها: ما الذي أرعب واشنطن وتل أبيب وغيرهما من عواصم غربية وعربية إلى حد اقتضى أن يجمعوا قواهم ويبددوا الأموال في لعبة غير مضمونة النتائج على المدى البعيد؟ يمكن تقسيم أسباب الحرب الدولية والإقليمية المعلنة ضد سورية إلى عدة عوامل تسبب أرقاً للمشروع الصهيوني وللمشاريع الغربية.

العامل الثقافي السوري!
بقراءة بسيطة ومنهجية نجد أن اتخاذ قرار الإطاحة بالنظام السياسي السوري وإيقاد نيران الفتنة بين السوريين بني على عوامل تمثل خطراً استراتيجياً على الغرب ولاسيما على تل أبيب. فسورية في العقد الماضي كانت مكاناً لنهضة ثقافية دخلت كل بيت عربي وأوشكت أن تتخطى الدول العربية لتصل إلى الدول الإسلامية وخصوصاً في مجال الدراما التي أرست قواعد الواقعية وتخطت المشاكل الحياتية لتوصل لكل مشاهد لها بعداً آخر أشد قوة من المعارك وحرب السياسة.
إذا السوريون يقودون حرباً ثقافية مضادة منافية للعولمة المبنية على التجرد من الأخلاقي والإنساني. والشق الآخر هو تأثر الطرف الآخر (المتلقي) بهذه الثقافة وإذ أصبح المثقف السوري عنواناً عريضاً لبلاده في شتى المجالات العلمية والفنية والإنسانية واستطاع الخروج من أطره الإقليمية فهو موجود عربياً ودولياً وبدأ يشق طريقاً نحو الصفوف الأولى في مجتمعه ومجتمعات الاغتراب.
أما دور المثقف نفسه فهو أهم مفاصل الانتشار السوري، فهو، مهني، احترافي، مثقف، صاحب رؤية ورسالة وطنية ويعكس واقع الشارع وطموحاته سواء عبر الموسيقا أو الرسم أو غيرها من الفنون الكثيرة أو في المجلات العلمية والاقتصادية. أضف إلى ذلك الضوء الأخضر من القيادة السياسية للطبقة المثقفة في سورية ورفع السقف والعوائق في السنوات الأخيرة لتطول ملفات محظورة بكل جرأة وشفافية. وهذا ما أصبح ملحوظا في الشارع السوري حتى في الأعمال التي ناقشت وتناولت أعقد الملفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى قضايا الشباب والأمور الحياتية البسيطة للمجتمع السوري. أتذكر في هذه المحنة التي تمر بسورية بداية الثمانينيات حين أطلق القائد الراحل حافظ الأسد شعار «التوازن الإستراتيجي» مع العدو الصهيوني. وتلا إطلاق هذا الشعار تفسيرات وتأويلات من الإعلام والمسؤولين وشرائح مختلفة للمجتمع، صبت كلها في خانة التوازن الإستراتيجي العسكري! ولم يطل الانتظار في الشارع السوري فظهر الرئيس حافظ الأسد في أحد خطاباته وفسر جوهر ومعنى التوازن الإستراتيجي الذي دعا إليه وأوضح أن التوازن الذي يجب أن نرقى إليه -هو توازن العقول لا توازن السلاح!!! هذا كلام لم يلاق صداه اللازم آنذاك لكنني الآن على يقين أن سورية بعقولها ومؤسساتها أصبحت الخطر الأكبر للدولة العبرية الخائفة من دور توازن العقول في سورية والذي أمسى واقعاً يجسد أقوى الأسلحة وأشدها فعلاً وتأثيراً على كل الجبهات والذي سيتفعل، سياسياً، اقتصادياً، علمياً، عسكرياً وفي ساحات الحسم الفكري.

العامل الاقتصادي
ما حصل في الأسبوعين الأولين من الأحداث حفزّ المؤسسة الحكومية لاتخاذ الإجراءات الإصلاحية التي صبت في بوتقة مصالح المواطن السوري بكل شرائحه. إلا أن الوقت أصبح هو الحكم الفصل لأن مجريات الأحداث فصلت بين «مطالب محقة للمواطن» وبين شرائح اجتماعية وسياسية حملت سقف مطالب يستهدف أمن البلد والمواطن ويعمل في غرف عمليات مدعومة بقوى غربية وإقليمية ذات ايديولوجيات ظلامية لا تأتي بالمنفعة إلا لأصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد الأميركي. و منذ عام 2000 مرت دمشق بهزات سياسية إقليمية ودولية إلا أنها لم تشكك أن سبيلها للخروج من أي أزمة هو امتلاك منظومة اقتصادية متنوعة وتقويتها باطراد. وكانت النتائج على عكس التوقعات إذ اثبت الاقتصاديون في سورية أنهم قادرون على تغيير شامل للاقتصاد السوري الذي كان مبنيا في السابق على معادلة اشتراكية بالكامل. واستطاعت الدولة مع غرف التجارة والصناعة السورية تقديم نموذج جديد يتوافق مع الأنظمة الاقتصادية المتقدمة مع فتح المجال للقطاع المصرفي (العمود الفقري للاقتصاد المتطور) لأخذ دوره الريادي في تطوير الاقتصاد والحركة المالية. و إذ يدرك الجميع الآن أن سورية دولة دون أي مديونية للخارج وأنها حققت في السنوات الأخيرة قفزات مهمة في مستوى الدخل القومي في ظل ظروف إقليمية عصيبة (العراق، ملف إيران النووي، لبنان وإسرائيل) وكذلك أن سورية دولة مكتفية ذاتيا وتمتلك منظومة زراعية مدعومة على مستوى القرار السياسي. أما من ناحية الصناعات فلدى السوريين أرضية خصبة من الإمكانات الفنية والتقنية والموارد البشرية والباطنية للنهوض بصناعة متطورة في ظل خطة حكومية مدروسة تقدم كل التسهيلات وأفضل امتيازات للاستثمارات. من جهة أخرى أصبحت السياحة في سورية من أهم الموارد الاقتصادية والمالية لسورية حيث بلغ عدد السياح في 2010 رقماً يدعو للغيظ من قبل الدول المعادية لسورية وبلغ 8500000 سائح. وهذا يعني أن لدى سورية آفاقا ضخمة في مجالات الاستثمارات والمشاريع السياحية ما يلقي تبعات على سمعة سورية في العالم والمردود الاقتصادي المتوقع لدخلها القومي.

العامل السياسي والأمني

لا يختلف أحد أن سورية دولة مواجهة مع إسرائيل وأن من ثوابتها دعم أي حركة مقاومة ضد أي احتلال ناهيك عن «الجولان وفلسطين» البوصلة الأساسية لكل السياسات السورية في الداخل والخارج. ومن المعلوم أن الرئيس الأسد يسعى لاستعادة الجولان عبر العملية السلمية إلا أنه صرح بعد إخفاق المفاوضات غير المباشرة الأخيرة في تركيا أن المنطقة لا يمكن أن تستمر في حالة اللا سلم واللا حرب قي ظل انعدام الشريك الحقيقي لإرادة السلام في تل أبيب والعربدة الإسرائيلية في المنطقة دون التزامها بالقوانين والاعراف والمواثيق الدولية.
وفي الوقت الذي انكسر فيه طوق العزلة المفروض على دمشق دولياً عززت القيادة السورية مواقعها على الساحة الدولية واستلمت زمام المبادرة لتلعب دوراً ريادياً في صياغة سياسات إقليمية إستراتيجية تتنافى مع مصالح البيت الأبيض والكيان الصهيوني وبعض العواصم الغربية والعربية ما جعل من دمشق هدفا لسهام الغرب وكشف في الأحداث الأخيرة المؤامرة الدولية والعربية وخيوطاً تابعة داخلية، ليس فقط لإسقاط النظام في سورية بل لتغيير وجه المنطقة وتفتيت البيت السوري ونسفه وفاء للتعهدات والوعود بالالتزام بأمن إسرائيل الذي أصبح مستقبله «قاتماً» بحسب هيلاري كلينتون أمام «إيباك في 2010».
إن ما سبق ذكره ولو برؤوس أقلام يدفع للتسليم بأن إسرائيل التي قدمت نفسها وتقدم للمجتمع الدولي أنها الدولة الفاضلة في المنطقة تجد نفسها أمام مارد يهيئ نفسه للخروج من القمقم، أو بقول آخر مشروع مارد إقليمي في الاقتصاد والسياسة والتعليم والثقافة وفي مختلف المجالات خصوصاً بعد أن أخفق مشروع الفتنة الذي أعدته قوى الظلام لتدمير هذا المارد في المهد. إلا أنهم «اختاروا الوطن الخطأ» واكتسب هذا الوطن من الطاقة التدميرية الهائلة المحضرة منذ سنوات «طاقة ايجابية» للإصلاح والسير نحو نموذج مولود جديد في شرق أوسط أريد له أن يكون شرق أوسط تحكمه الظلامية وأن يتحول إلى فتات وشظايا أوطان تصون أمن إسرائيل. نعم لقد بتنا على يقين أن مصطلح (محور الشر) الذي ابتدعته إمبراطورية الإرهاب في واشنطن، ما هو إلا محور يتنافى مع إيديولوجية القطب الواحد ويرفض لغة الإملاءات ويسعى إلى تشكيل وخلق سياسات اقتصادية وأمنية إقليمية ورسم مشاريع تهدد طموحات الشركات الغربية العابرة للقارات. أي بمعنى آخر ما يدور الآن هو صراع الاقتصاد العابر للقارات مع المنظومات الاقتصادية المحلية في الشرق الأوسط ووسط وشرق آسيا. واللافت أن الشرق الأوسط مع وسط آسيا يشكلان جسر العبور وساحة المعركة القادمة لتغيير النظام العالمي الجديد الذي ولد في 11 أيلول 2001.

بشار نصير عيسى , الوطن

استهداف سورية , واعادة هيكلة النظام العالمي الجديد !” comment for

  1. بشار عيسى يقول , ان الشارع السوري وأد الفتنة بصرامة وهدوء ..هل بشار عيس جدي في هذا القول ؟؟ فمن أين تأتي التظاهرات والاغتيالات , ولطالما وأد الشارع الفتنة , فلماذا كل هؤلاء القتلى , الذي بلغ عددهم الألوف , ولماذا تتحدث السلطة عن الحرب الأهلية ؟؟؟ هل يعني هذا وأد الفتنة ؟
    ثم عن الثقافة ..هل جدي مايقول كاتب الوطن …الثقافة السورية دوخت العالم , والطبيلة صرعت البشرية , ومقالة بشار عيسى افعمت الناقدين , وأفزعت اسرائيل وأمريكا والغرب أجمع ..كالضراط التي طغى بضجيجه على الصلاة وعلى صوت المؤذن ..بالطبيلة افعمنا السيمفونيات , وتفوقنا بعقلنا في التوازن الاستراتيجي على اسرائيل والغرب ..كل ذلك لأن العقل لقي في السنين الأربعين الأخيرة منتهى العناية والتشجيع , وكيف يتم ذلك وقد قتل العقل فورا بعد ولادته, وكيف يتم ذلك وحوالي 20% من الشعب السوري أمي ؟..هنا لايمكن اعتبار ماقاله بشار عيس جدي ..انه انتفاخ هوارئي هرائي …وفي أحسن الحالات تعبير عن عدم المعرفة بالواقع ..تشويه الواقع بهذا الشكل لايحوله الا الى الأسوء.
    وعن النعيم الاقتصادي السوري , فقد تحدث بشار عيسى بدون حرج ..نعيم لايضاهيه نعيم آخر , اذ أن معدل دخل الفرد السوري يتراوح الآن حول 400 دولار سنويا , بعد أن تجاوز الألف دولار قبل سنوات , مقارنة بأربعين ألف دولار للانسان الأوروبي .. ليس بما كتبه بشار شيئ من المعرفة والجدية ..يستطيع كتابة مايريد ..لايغني ولا يسمن , ومعدة الجائع تبقى فارغة ..حتى تصل سفينة الاعاشة من الأمم المتحدة .
    أما عن العامل السياسي والأمني , فأين هي انجازات دولة المواجهة ..وهل اعادت دولة المواجهة شبرا واحدا من الجولان أو فلسطين .., الآن أفهم منع جريد الوطن للتعليقات حول بعض مواضيع كتابها ..فعلا التعليق على موضوع بشار عيسى هو مضيعة للوقت

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *