الدين القائد والحزب القائد

مهما بلغ تنكر النظم  الديكتاتورية, التي تدعي العلمانية (شكليا), للدين , هذه النظم تبقى بنيويا دينية , وذلك في مسلكيتها وبنائها الداخلي وهرميتها  , والأمثل على السياسة التي ادعت العلمانية ومارست الدينية كثيرة ,الرئيس جمال عبد الناصر , كان الرئيس الذي أدخل في الدستور المصري الكثير من التشاريع الاسلامية  , وذلك في العام الذي اعدم به زعيم االاخوان   سيد قطب , ومسلكية أنور السادات لم تختلف عن سلوكية عبد الناصر , وفي معظم الدول العربية الأخرى  يتخذ الدين , الذي هو الاسلام  مركز  الصدارة ,حيث يفرض شرائعه  على البشر  , وذلك في مجال  الحقوق والواجبات  والعلاقات والعقوبات والزيجات , ولولا هيمنة الاسلام الشرعية  في  الكثير من الدول العربية التي تدعي العلمانية لما كان هناك تعددد زيجات , (باستثناء تونس , حيث تعدد الزيجات ممنوع), ولما كان هناك امكانية تشريع زيجات مشبوهة ..زواج المسيار ..الخ .

الدين يدعي  القدسية  وكتابه أيضا ثم شرعه كذلك, وفي البلاد العربية يمكن القول بشكل عام على ان الدين ينفرد باملاء مواد الدستور  ,ويستأثر  وحده بالقيادة ,ويفرض  على الجميع تعسفيا  مايراه ضروري, وليس على مابقي من القطيع الا الانصياع .

لمسلكية رجال الفقه  قالبا دينيا وقلبا سياسيا , أما القائد الديكتاتوري  , فله قالب سياسي وقلب ديني  , هذا القائد  لايرى للوطن أي انسان أكثر كفاءة  منه , انه الصالح بشكل مطلق , وصلاحيته لاتنتهي حتى بموته .انه المقدس  كالدين ..انه الأب والأم والأخ ..انه ولي الأمر , ولا منازع لسلطانه ..انه  المتسلط الهووي , الذي يعطي هويته لكل  شيئ ..الانسان والأرض والقيم .

في وطن يعرف  شكليا الاستقلال كجمهورية  منذحوالي ٧٠  عاما  , منها أكثر من أربعين عاما  لحد الآن  تحت سلطة عائلة الأسد , ولكي تصبح السلطة أبدية ,كسلطة الله والدين  , لابد من  استنباط نموزجا يسمح للرئيس الجمهوري  أن يصبح ملكا مورثا , والملكية تتطلب كالنبوة الكثير من القدسية , فعلى الطبل أن يقرع  مروجا  لهذه القدسية ,لذا  يجري تجنيد  الصور والهتافات والمسيرات والشعارات  , التي تدمج الأب والابن والأخ الذي فارقته الحياة  في وحدة الهية مقدسة  … كلهم رؤساء وملوك في آن واحد , والنية بل الهدف من اظهارهم بهذا الشكل المتحد الموحد , هو تعويد الشعب على  صيغة التوريث , وعلى صيغة الربط المحكم بين البيت وبين الدولة  ..انها صيغة البيت الحاكم,ولا خلاف على الأسماء ..رئيس جمهورية , أو ملك مملكة , المهم اننا في سورية الأسد !!

الرئيس الشكلي والملك الفعلي  يمثل وضعا شاذا  يجب  تموويهه , والتمويه يكون باستخدام القناع ,  فقناع “الحزب العلماني” يوضع على وجه الحزب- الطائفة , وقناع “الطائفة ” يوضع على وجه العائلة , وقناع “العائلة ” يوضع على وجه الأسرة , وقناع” الأسرة ” يوضع على وجه الشخص …من الحزب الى الشخص ,ومن الشخص الى الحزب , وما يريده الشخص يتم عن طريق الحزب, والعكس صحيح , وللتوضيح  نأخذالمادة الثامنة , التي تقول ان  الحزب هو  قائد الدولة والمجتمع للأبد , وهذه القيادة  الأبدية تتسلل عبر المحطات المذكورة  مختفية خلف الأقنعة التي ذكرت, من الحزب الى الشخص  ,  وبالنتيجة  يصبح الأسد رئيسا الى الأبد , أي ملكا بدون تاج !!!

التسلل ليس وحيد الاتجاه  من الحزب الى الشخص , وانما  قد يكون من الشخص الى الحزب , أي أن الشخص يعطي الحزب شيئا بالمقابل , والحزب بحاجة الى حزبين , ولما كان ايجاد حزبيين عقائديين  للقيام بمهمة التسلل  غير ممكن , لذا عكف الشخص على ايجاد حزبيين شكليين  يحركهم كما يحرك  جند وقلاع  وخيول الشطرنج , وهؤلاء يسمون الزبانية والأزلام , وفي الحزب لم يبق تقريبا عقائدي واحد , معظمهم أو أكثريتهم الساحقة   تحولوا الى أزلام  , أو بكلمة أخرى اممتيازيين أو انتهازيين ..يجمعهم الطبل وتفرقهم العصا ..يتسكعون بين  الترهيب والترغيب, كالدين الذي يتسكع أتباعه بين الترهيب والترغيب  , الدين يجلس على القرآن , والملك يجلس على المادة الثامنة , والهدف هو نصرة الدين  والملك , وأبدية الاثنين ..هذه  هي   سورية الأسد ..باختصار

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *