معيار الحوار

لكل ظاهرة ة معيار ,ومعيار الحوار عند الأصولية ..لاحوار , وللاحجام عن الحوار أسباب بنيوية , منها المعيار الدوغماتيكي , منها  نرجسية امتلاك الحقيقة المطلقة , حيث لايوجد غيرها من حقائق , وعلى ذلك تترتب أمور كارثية كالانغلاق  والاقصاء والهيمنة, ولما كانت الأصولية متيقنة من مضامينها الفكرية , لأن هذه المضامين تمثل الحقيقة المطلقة , لذا نجد جنوحا مرعبا في ادبيات الأصولية  نحو استخدام مبدأ  التشنيع والتقريع والتخوين والتكفير , وخدمة هذا المبدأ تتطلب ناقلا لها ,والناقل هو الكلمة , التي تصنف في معظم الحالات , على أنها سوقية …انظروا الى كتابات المشايخ في المواقع التي تعج بها سماء العالم العربي ..صفحات تنضح منها لغة التشنيع والتوبيخ والتقريع والتخوين والتكفير , لغة غيرتاريخية  تنطلق من شوفينية تدعي التفوق على الآخر , بوصفه كائنا  متدنيا   لامقدسا ..كافر..لا لزوم للحديث معه ..اما أن يقبل , أو يرفض , ورفضه يعني في أحسن الأحوال تأنيبه وتهميشه, وفي أسوء الأحوال اقامة الحد عليه .

الحوار هو” خيار” شخصي , الا انه  أيضا “اجبار” اجتماعي موضوعي , ولما لا  دور للأمور  الشخصية في الحوار الاجتماعي  , لذا يبقى “الاجبار” الاجتماعي الأدبي , الذي يفرض على الانسان القيام بما يسمى “واجب” والتنصل من هذا الواجب يعني طغيان الخيار الشخصي الرافض , الذي تعبر عنه عبارة ..لاحوار , التي أطلقها قائد ثورة جبل الزاوية , فقد علمنا مؤخرا ان قائدها سماحة الشيخ العرعور أدام الله ظله وأطال الله عمره وبقائه في السعودية , قد أصدر أوامره بعدم الحوار , ولا شك في وصول هذه الأوامر المشيخية الى آذان البعض , حيث امتثلوا للأمر وأبدوا الطاعة  ,ومن المعروف عن التنظيمات الأصولية تراصها  وتماسكها وتضامنها مع بعضها البعض , مما يعطيها قوة ضاربة لا تتناسب مع حجمها الشعبي الضئيل عادة , من لايحاور سيحارب !, أي أن هناك اجبار  على التعامل  مع الحربجية , ومع نتائج الحروب ,التي لانريد  الاشتراك بها , ولا نستطيع التعايش مع نتائجها ,وليس للبعض في هذه الحالة من خيار أفضل من خيار الهروب , ان لم تقتدر على ممارسة كامل المرجلة , فثلثيها يكفي .

لايملك أحد الحق في أن يطالب العرعور وغيره  بممارسة الحوار  , الذي ستتأفف منه النفس بسبب قطعيته , وقطيعته مع الواقع , الا اننا لانريد حروبا أهلية , ونأمل امتلاك المقدرة والصبر ووسع الصدر لسماع  مايريده العرعور وغيره , نأمل منهم أن يقولوا لنا مايريدون , وكيف سيصلحون موضوعيا , ليس كيف سيصلون , ماهو مشروعهم بما يخص الديموقراطية بالتفصيل , وليس  باطلاق الشعارات العامة التعتيمية ..فكلمة الحرية تعني الجميل  القيم  الضروري للحياة , الا أن مضامينها مختلفة ..وهل يظن العرعور اننا نتقبل حرية  لاتعني أكثر  من حرية رجال الدين في استلاب حرية الفرد , هل يعني العرعور بالحرية ..وأمرهم شورى بينهم ..وهم فقط رجال الدين ,هل يعني العرعور بالحرية  دفع الجزية  أو تقسيم المجتمع الى قسم يسيطر حسب سنة الله ورسوله , وقسم ينعم بكونه من أهل الذمة, سعيد بما ينعم عليه العرعور من تحمل وصبر وتسامح ؟؟؟كل ذلك وغيره ضروري لكي يستطيع التيار الثالث  اما الاستقطاب  لهذا التيار أو ذاك , أو الابتعاد بشدة عن العرعور , الذي سيمثل وجوده اشكاليات أكبر من الاشكاليات التي نعيشها الآن .

مايطلب من العرعور مطلوب أيضا من غيره , وقد قال الغير مرارا مايريد وكيف يريد  ذلك ..التيار الثالث المعارض  يريد تطبيعا  للعلاقة بين سلطة الحكومة وبين الشعب , وهذا التطبيع لايتم الا عن طريق  التمثيل الشعبي , والسلطة  استجابت  لهذا الطرح واعترفت بضرورة التمثيل الشعبي , وليس لنا الآن الا الانتظار  أسابيع وشهور فقط , واذا لم يحدث ماوعدت به السلطة , فلكل حادث حديث , لايستطيع أحد  اتهام أحدا آخر بالمراغة , الا بعد استنزاف عامل الوقت ..فلنرى كيف ستسير الأمور !.

وجود “حوار” هو أمر يتأرجح بين الارادة الشخصية , التي قد تكون رافضة لممارسته  , وبين الضرورة الاجتماعية , التي تتطلبه دائما , وبالنتيجة, فالحوارهو دائما  تلبية لضرورة اجتماعية, ومن يمارسها هو المخلوق الاجتماعي , ومن يرفضها هو  الشخص المتقوقع  والمتواجد في طور ماقبل الاجتماعية , صدق أدونيس بتوصيفه للحال العربي ..جماعات تعيش الى جانب بعضها البعض , وليس مع بعضها البعض , توصيف كلاسيكي لمرحلة ماقبل المجتمع .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *