علي محمد:

ما هذا الإنجاز العظيم؟! وما هذه الثورة المجيدة التي اختزلت “تمكين المرأة” إلى رافقته الرسمية في مناسبة عامة؟! أهي إشارة رمزية؟ أم مجرد محاولة يائسة لصناعة وهم التقدم؟ لا شك أن التمكين في هذا السياق لا يعدو كونه تقميقًا إعلاميًا لحقيقة مغايرة تماماً: استمرار تغييب المرأة عن مواقع القرار، وخنق صوتها تحت عباءة السلطة الذكورية، حتى وإن اتخذت طابعاً “حداثياً” ناعماً.
فالمرأة هنا ليست فاعلة، بل مفعولاً بها. لا يُطلب منها رأي، ولا يُفسح لها منبر، ولا تُمنح أي مساحة حقيقية لصناعة القرار أو التأثير. كل ما طُلب منها – وكل ما تم الاحتفاء به – هو “الظهور”، وكأن الحضور الصامت وحده يرقى ليكون بيانًا سياسياً نسوياً. لم يخرج أي تصريح باسمها، لم تُنسب لها مبادرة، لم تُطرح قضية، بل مجرد وقوف إلى جانب الرجل، في مشهد يُذكّر أكثر بـ”القرينة الملكية” في الأنظمة البروتوكولية القديمة، لا بامرأة مواطنة لها موقع وكيان وموقف.
إن هذا النوع من الخطاب المبطّن بالدونية يكرّس الصورة النمطية للمرأة كملحق، أو كزينة تُضاف إلى مشهد سياسي لإضفاء نكهة أنثوية على مشهد ذكوري محض. إنه “التمكين” بالمعنى الكاريكاتوري: أن تكون المرأة جزءًا من الصورة، لكن دون أن تكون جزءًا من القرار.
الخطير في هذا النوع من الترويج، أنه لا يعكس فقط انحدار الفهم السياسي والاجتماعي لقضية المرأة، بل يكشف عن حالة مزرية من استغلال الرموز النسوية لإعادة إنتاج بنية السلطة ذاتها، ولكن بواجهة ناعمة، تُقنع المشاهد الساذج بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.
لقد بات واضحاً أن من يصنع السياسات، ويُقصي، ويحتكر الإعلام، هو ذات المنظومة التي تُصدر بين الحين والآخر مشهداً نسائياً مزيفاً لتبرير تغييبٍ ممنهج. ومن العبث أن نعتبر مجرد الظهور في خلفية مشهد سياسي تعبيراً عن “مشاركة”، ما لم تكن تلك المرأة تمتلك سلطة القرار، وحرية التعبير، واستقلال الموقف.
ما تحتاجه المرأة السورية، وما تحتاجه كل امرأة في بيئة استبدادية، ليس أن تظهر في مشهد محسوب زمنياً ومكانياً، بل أن تُمنح موقعاً حقيقياً في السياسات، وفي الإعلام، وفي المجتمع. أما غير ذلك، فليس إلا محاولات متكررة لإقناع الذات والآخرين بأن ديكور القصر يمكنه إخفاء الشقوق في جدران الدولة.
فلا يُضحكنّ أحد علينا بإعلان أن “المرأة السورية حاضرة” لأن زوجة فلان ظهرت بابتسامة صامتة. بل اسألوا: من يقرّر؟ من يُسمع صوته؟ من يملك حرية الموقف؟ الجواب كفيل بتحديد من هو فعلاً حاضر، ومن لا يزال غائباً خلف الستار.