التوحيد ووحدانية الفكر والموقف ..
سيريانو ,ربا منصور :
التوحيد هو مسلمة عقيددية أصبحت شبه فطرية مستولية على العقل والقيم …مفهوم التوحيد يتنكر للرأي اللآخر وللاختلاف , التوحيد هي أساس قيام الديكتاتوريات, التي تعتمد في بقائها على وحدة النمطية والوجهة والفكر .
الفكر التوحيدي يرفض كل فكر رديف , وبذلك يؤمن التربة الخصبة لانتاج الديكتاتوريات ,يمثل التوحيد غربة عن الواقع واستهلاكا للذات, التي عليها بذل جهود من أجل الغاء الاختلاف والتنوع , الذي لايمكن الغائه , لأنه من طبيعة المخلوق البشري ,التوحيد انسداد وتآكل المقدرة على التصور , الثقافة العربية مقتولة على يد التوحيد التي بشر بها الوحي الديني ,كل الفكر فكرة , وكل الاحتمالات احتمال وكل الحلول حل واحد , لم يكتف الوحي بالتوحيد وانسداده واقصاء روافده الفكرية , بل لفلفه بعباءة المقدس , بحيث أصبح العقل محاصرا عن طريق سد الطريق أمام الروافد من جهة , ومن جهة أخرى بمنع تطوير وتغيير المقدس , وهل من العجب أن يجف العقل ويتيبس في هذه الحالة ؟ , وهل من العجب أن يلجأ عاطل العقل في هذه الحالة الى الارتكاس الغريزي الذي لايسيطر العقل عليه والى المنهجية الارتجالية التي لاتسلزم العقل .
هل من العجب أيضا أن تجد الديكتاتورية تربة صالحة في هذه البلدان , حيث أن الديكتاتورية تلبي مطالب التوحيد بأكملها , لالزوم هنا الا لاستبدال الله باله آخر على الأرض, ثم أن التنازل عن الحرية في هذه الحالة سهل جدا , وما هي ضرورة الحرية الفكرية في هذه الحالة؟, خاصة عندما يتقزم الفكر الى فكرة واحدة لابديل عنها, اذ أن ماعداها زندقة وهرطقة كفر وخيانة يجب لوي رقبتها بسوط الديكتاتور وسيف المصطفى وساطور الله.
الحرية ضرورية ولايمكن التنازل عنها عندما تكون هناك جدوى من ممارستها , الحرية ضرورية عندما يكون المبدأ والهدف هو تعدد الأفكار ثم اختيار أفضلها , ففي جو الفكر الواحد التوحيدي تصبح الحرية نوعا من الكماليات, التي ليس لها بالضرورة أن تنتج , من المنطقي أن يلغي الاستبداد الحرية , فتزامن الاستبداد مع الحرية أمر مستحيل .
لم يقتصر التوحيد على انتاج الديكتاتوريات , لقد ساهم اضافة الى ذلك في تغييب العقل والعقلانية , بحيث لم تتمكن البلاد من حل مشاكلها لادمويا , بالرغم من أن معظم المشاكل السياسية تحل بدون دماء , لم تقتدر العقلانية المعطلة أوالغائبة على التنبؤ بأن الحل سيكون سياسي بالنهاية بعد سنوات من حرب التدمير والتقتيل , ,هنا يجب سؤال العقل العاطل والمعطل عن المسؤولية بخصوص التدمير والقتل , هل السلطة مسؤولة حصرا أو هل التيارات السلفية مسؤولة حصرا أو أن الجميع ساهموا في ممارسة التخريب والقتل العبثي !.
حقيقة يجب تحميل الجميع مسؤولية تخريب البلاد وقتل العباد دون استثناء , وبسبب التعنت والتسلح بالتوحيد في الموقف والرؤية , لم يتمكن الجميع من ممارسة التفكير العقلاني المنطقي الذي يعترف بالبدائل والحلول الوسط ثم الأخذ والرد وكل مضامين فن السياسة , لاحل لأي مشكلة بين المواقف الجامدة القطعية .
الحل لأي مشكلة عقلاني سياسي , الا أنه ليس من انتاج العقلانية السورية الكسيحة المعاقة , انما من انتاج العقليات الغير معطلة , هذه العقليات ستفرض على السوريين حلا كان بامكان السوريين الوصول اليه لو توفرت لهم عقلانية لاتتصف بالتوحيد المفروض وذو الأصل السماوي واللاغي للبدائل , لم يكن السوريين على قدر المسؤولية التاريخية ولم يستطيعوا أن يثبتوا بأنهم مجتمع ذو عمق حضاري كبير , لقد ااثبتوا بأنهم مجتمع ذو صفات عديدة ليس من بينها العقلانية التحليلية الناقدة والغير متحجرة , لقد دفع السورين ثمن تعنتهم ووحدانية فكرهم ومواقفهم ثمنا لايعلوه ثمنا آخر , لم يخسروا جزءا من وطنهم , وانما خسروا كل الوطن !
الانسداد وتقلص المقدرات الابداعية وتزايد استهلاك هذه الثقافة لذاتها وغربتها يوجب اخضاع الشموليات والأصوليات التوحيدية لعملية تفكيك بحثا عن مصادر العبث بالعقل وبطبيعة الانسان التعددية خاصة , وذلك لكي يتحرر الانسان من العبودية ومن السلاسل التي تقيده والحجاب الذي يعميه والنمطية الواحدة التي تحوله الى نوع من المعلبات .
Post Views: 204