قانون الأحزاب في المجتمعات ذات التعدديات العرقية والطائفية والمذهبية

       تلعب الأحزاب السياسية المنظمة بصورة جيدة دورا هاما في إدارة الصراعات الداخلية بشكلها السلمي في أي بلد يتطلع لبناء ديموقراطية فعالة ، حيث تواجه الديموقراطيات الناشئة عند البدء بتأسيسها العديد من التحديات في مقدمتها إعداد ( قانون الأحزاب ) أو النظام الحزبي الذي يتجاوز التداخل العرقي والطائفي والمذهبي والقبلي الذي تتصف به العديد من البلدان النامية ومنها سورية ، حيث يعتمد الأثر السياسي للتداخل الاجتماعي إلى حد كبير على طريقة التأسيس لنظام حزبي مطابق لحاجات الحالة الوطنية التي هي من مصلحة جميع المكونات .

فالأحزاب التي تعتمد على القواعد العرقية أو الطائفية أو المذهبية أو القبلية أو المناطقية عادة ماتمثل مصالح جماعة واحدة بعينها وتبرز الصراعات فيما بينها وتعتاش عليها في استحصال الدعم لها ، وتأديتها دورا سلبياً في إضعافها لبنية الديموقراطية الوليدة في مرحلة مابعد الصراعات سواء بعد الخلاص من نظام استبدادي أو احتلال خارجي . في وقت تحتاج فيه البلدان التي تتصف بالتعدد والتنوع المجتمعي إلى أحزاب سياسية كتلية جامعة واتحادات شعبية ذات أهداف وطنية عامة تهم كافة أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم وعصبياتهم ومناطقهم وتمثليها أكبر تجمع للمصالح البعيدة عن العصبيات الضيقة ومثال ذلك حزب المؤتمر الهندي صاحب الأثر الايجابي في التكامل الاجتماعي للهند وإدارته التنافس داخل الحزب في بلد تتواجد فيه أكثر من ( ١٠٠٠ ) اثنية لغوية ودينية وطائفية ومذهبية وكذلك الحال في ماليزيا وغيرها من دول التعددية المجتمعية .

وحتى يتم تلافي الشروخ المجتمعية في العديد من البلدان النامية التي تتصف بالتعدد والتنوع المجتمعي بات من الضرورة بمكان تأمين متطلبات دستورية وتشريعية تحظر الأحزاب ذات الطابع العرقي والطائفي والمذهبي والقبلي والمناطقي من المشاركة في الانتخابات ، ومطالبتها بأن تكون توجهاتها وطنية صرفة قبل أن يتم تسجيلها وترخيصها والموافقة على مشاركتها في الحياة السياسية والانتخابية من خلال اشتراط أن يكون أعضاء الحزب من مناطق جغرافية متعددة وليسوا من منطقة جغرافية واحدة في الدولة ومن عدة أعراق وأديان وطوائف ومذاهب حتى لايطغى على الحزب لون مجتمعي بعينه . حيث قامت العديد من الدول بمنع مثل هذه الأحزاب وحتى تركيا تقوم بمنع الأحزاب الاسلامية من المشاركة في النظام الحزبي ومن ثم في الانتخابات كما تم منع العديد من الأحزاب العرقية في العديد من الدول الأفريقية .

وتقوم العديد من الدول اليوم بوضع القوانين الخاصة بالنظام الحزبي على ألا يكون لاسم الحزب وشعاراته أي دلالات عرقية أو طائفية أو مذهبية أو قبلية أو مناطقية خوفاً من الانفصال عن الوطن الأم منها أندونيسيا التي تتكون من ( ٤٠٠٠ ) جزيرة من خلال منع الأحزاب المناطقية حفاظا على وحدتها خاصة بعد انفصال تيمور الشرقية عن الوطن الأم عام ١٩٩٩ ووضعها لنظام حزبي لمواجهة النزعات الانفصالية – المناطقية . ومن هنا فقد وضعت بعض البلدان النامية العديد من القيود عند إصدارها لقانون الأحزاب التي تشترط ضرورة وجود قاعدة وطنية لأي حزب كشرط لدخوله في الانتخابات مثلما تفعله تركيا التي تشترط أن يكون للأحزاب تمثيل شعبي واسع وذات توجهات وطنية صرفة لاتميز بين المواطنين على أسس غير وطنية ويكون أعضائها منتشرين في نصف الولايات التركية حال تقديمهم طلب الموافقة على تأسيس أي حزب ، علما أن وضع نظم حزبية متجانسة في المجتمعات التي عاشت فترات طويلة من الصراعات الداخلية ليس بالأمر السهل لأن الأحزاب تتجه في الغالب نحو نفس الجماعات التي شاركت في القتال الأصلي والتي ستؤدي حتما إلى وجود نظام حزبي استقطابي ، واستمرار الصراع القديم في إطار ديموقراطية جديدة إذا لم يتم وضع نظام حزبي وطني يتجاوز جميع العصبيات .

إن الأحزاب القائمة على أساس إثني عرقي طائفي مذهبي التي تمثل مصلحة جماعة واحدة ستؤثر سلباً في الديموقراطية وتؤدي إلى الصراع الداخلي مثل البوسنة والهرسك والعراق .. لأنها تزيد الشحن العاطفي وتعمق إحساس الجماعات بهويتها الأحادية وتنقل الصراعات الموروثة تاريخياً إلى الساحة السياسية الحالية وتزيد من شعور الأفراد بالانتماء إلى الاثنية الضيقة على حساب الانتماء للدولة ماينجم عن ذلك من غياب للاجماع السياسي والثقافي والقيمي وعدم تمتع النظام الديموقراطي الناشئ بالاستقرار اللازم لأي نظام سياسي وحيث تزداد خطورة الانقسامات الاثنية التي تميل إلى التطابق مع الانقسامات الحزبية بمعنى أن يكون لكل طائفة أو مذهب أو عرق أو قبيلة حزب يمثل مصالحها.

في الختام :

* الحل بالنسبة للدول الناشئة ديموقراطياً ذات الطبيعة المجتمعية التعددية ومنها سورية هو أخذها بالنظام الحزبي الذي يمنع مشاركة أحزاب عنصرية وطائفية ومذهبية ومناطقية وقبلية في الانتخابات .

* النظام الحزبي في سورية خلال العهود الديموقراطية بعد الاستقلال لم يعرف مشاركة تنظيمات سياسية مادون وطنية عرقية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية أو قبلية في الانتخابات البرلمانية .

* على الحكومة السياسية الحالية القيام بتقديم الدعم الكافي إلى الأحزاب السياسية كي تقوم بأداء الدور المنوط بها ومساعدتها على أن تصبح أداة لدمج الجماعات الاثنية في وطن يتسع للجميع.

* والشعب السوري مازال في انتظار الإفراج عن قانون الأحزاب بعد الخلاص من نظام أسد الذي نص عليه الإعلان الدستوري في المادة ( ١٤ ) كمقدمة لبدء حياة سياسية جديدة في سورية قائمة على التعددية السياسية وحظر الأحزاب ذات القواعد العرقية والطائفية والمذهبية والقبلية والمناطقية المستندة إلى أسس غير وطنية كونها تفكك وحدة الأرض والشعب وتكون مقدمة للانفصال لذا من الضرورة بمكان أن تعكس الأحزاب في عضويتها التنوع المقبول وطنياً .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *