عثمان لي , ميرا البيطار :
البعض يرى ان حرق وتدمير شجرة عيد الميلاد في العديد من المدن السورية وحتى في مدينة المانية اضافة الى مدينة جنين في الضفة الغربية وفي مناطق اخرى مثل مصر على سبيل الذكر وليس الحصر , يمثل اشكالية لمجموعة تنتمي الى دين معين ,نحن لانرى بهذا الحرق للشجرة مشكلة اساسية بالنسبة لأتباع دين الشجرة المحروقة , انما للدين حارق الأشجار الرمزية وأتباعه , فحرق شجرة او غصن شجرة بحد ذاته لايرفع من مقام دين من حرقوا الشجرة ولا يسقط دين من احترقت شجرتهم , انما يساهم الى جانب العديد من العوامل الأخرى الأهم في اسقاط افراد أو مجموعات بشرية في مطب البربرية , وما تقود البربرية اليه من سقوط انسنة المخلوق البشري .
من تمظهرات سقوط الأنسنة عدم المقدرة على ممارسة العيش المشترك , مما يقود الى نزوح فئة من البشر معلنة على لسان هذا النزوح عدم مقدرتها على العيش الى جانب فئة اخرى ,ولكي لانبقى في الكلام المجازي والغير صريح نقول على سبيل المثال انه لاسباب مماثلة لما يعبر عنه حرق الشجرة لم يبق في العراق سوى ربع مليون مسيحي من أصل عدة ملايين ولم يبق في سوريا سوى عددا مشابها اي حوالي ربع مليون, وفي فلسطين لم يبق منهم سوى بعض الآلاف , أما في مصر فقد هاجر اكثر من ربع او ثلث الأقباط وفي تركيا لم يبق منهم سوى عدد قليل جدا بعد مجازر الأرمن وبعد مجازر البنط أي العثمانيين من أصل يوناني, بعد سنوات قليلة اي قبل عام ٢٠٣٠ ستصبح سوريا وسيصبح العراق خاليا من المسيحيين تماما .
ليس لظاهرة نزوح او هجرة بعض فئات المجتمع اي دلالة حضارية , فالخلل الاجتماعي المسبب لهكذا تطور آلية تسمى آلية “النبذ” ,والنبذ ليس حلا لأي مشكلة و يمثل في هذه المنطقة اشكالية مستمرة , ستقود الى تقلص لابل انقراض فئة تلو الأخرى بسبب عدم التمكن من تجاوز الاختلاف وبسبب التعامل معه بوسيلة ” البتر ” بدلا من الاستفادة منه في الخلق والابداع , فالاختلاف والتنوع هو صانع التقدم والاثراء الانساني, نبذ فئة في مجتمع بأي وسيلة او شكل كان ما هو الا دلالة على تهتك وضعف الفئة النابدة وليس الفئة المنبوذة!.
من تسبب في انقراض جزء من مجتمع سينقرض, لذلك على من يتسبب بهذا الانقراض ان لايفرح , لأن دوره سيأتي ونتائج النبذ التي تقود الى انقراض فئة معينة متباينة تتراوح بين السيئ والجيد , هجرة المسيحيين من بعض البلدان الشرق اوسطية لم يكن بتلك الدراماتيكية والسوء , لأنهم بدون استثناء وجدوا اوطانا أخرى , حيث يعيشون كمواطنين لايزعجم سوى بعض الحنين الى مكان ولادتهم وطفولتهم , ليس بينهم من لجأ كما لجأ ملايين السوريين الى اوروبا , أي أنهم يعملون ويعيشون من عرق جبينهم , بينما يعيش معظم اللاجئين السوريين على المساعدات الاجتماعية , والآن تطور وضع اللاجئين بشكل دراماتيكي , اذ ستقوم السلطات الألمانية وغيرها من سلطات الدول الأوروبية الآن بترحيلهم ,اي سيتم ترحيل ١,٣ مليون سوري حسب ما صرح به المستشار الألماني , والسؤال كيف سيعيش هؤلاء في سوريا بقي بدون جواب ,من سيدفع رواتب شهرية لهم ومن سيقدم لهم المسكن والغذاء والدواء , من المؤكد انه سيتم ترحيل من دمر شجرة الميلاد في المانيا من السوريين .
لماذ يتم ترحيل السوريين من المانيا ؟ تقول الحكومة الألمانية لأن نسبة الاجرام عندهم تعادل عشرة اضعاف نسبة الاجرام عند غيرهم , لذا تحولوا الى غير المرغوب بهم , اضافة الى معدلات الاجرام ,قاموا بخرق القوانين الألمانية مثل التظاهر والمطالبة باقامة احكام الشريعة (على اللافتات كتبوا الاسلام هو الحل)والمطالبة بالغاء الدستور الألماني واستبداله بالشريعة يعتبر جريمة كبيرة ,كتسيير جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة كولن, مما تسبب في اعتقالهم بعد ١٥ دقيقة من بداية نشاطهم بشتم الكاسيات العاريات , من اين اتى هؤلاء بتلك الأفكار بخصوص الشريعة وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المانيا ؟.
اتى هؤلاء بفكرة الشريعة والامر بالمعروف من نصوص الكتاب ومن كتب الحديث والسيرة ومن فتاوى ابن تيمية وسواه ومجمل ماجاء من الدين من تحريض على العنف والقتل والاقصاء والارهاب ومن مدارس التحفيظ وما يسمعه المصلين في صلاة الجمعة وغيرها من الفتاوى التي تأمر بقتل الكافر ورجم الزانية وغير ذلك , اي أنه كان لكل تلك العوامل الدينية تأثيرا كبيرا على قرار ابعادهم عن اوروبا ,التي استقبلتهم بمنتهى الترحيب والحب والتفهم ,الا أنهم لم يقابلوا الأوروبيين بايجابيات مشابهة مثل التخلي عن التعامل الديني مجتمعيا وفي الحياة اليومية مثلا في المدارس , انتهى تدخل الدين بالدولة في اوروبا قبل اكثر من ٥٠٠ عام وتم فصل الدين عن الدولة ,بالمقابل اراد العديد من اللاجئين احياء الدينية الاسلامية في اوروبا مما قاد اضافة الى عوامل أخرى الى قرار ترحيلهم.
لامقارنة بين ترحيل اللاجئين من أوروبا وبين هجرة المسيحيين من سوريا والعراق وغيرهم الى الغرب عموما خاصةالى اوروبا, فالمسيحيين ليسوا لاجئين في سوريا والعراق ومصر وغيرهم, ولم يسعوا للانفراد بحكم البلاد, ولم يبلغ اجرامهم عشرة اضعاف اجرام غيرهم,واضاءة شجرتهم لم تحرق البلاد والمعابد , لذلك يمكن القول أن هجرة جزءا كبيرا من السوريين والعراقيين والمصريين المسيحيين مختلف من حيث الآلية والمسببات عن ابعاد اللاجئين من اوروبا وخارج اوروبا , لقد هاجر المسيحيون لأسباب طائفية مع العلم انهم لايشكلون طائفة , فحسب ادونيس وغيره يجب ان يكون ” للطائفة ” هدفا سياسيا محمولا من مجموعة بشرية تنتمي الى دين أو مذهب معين ,لم يكن للمسيحيين هدفا سياسيا , اي انه كان في سوريا مسيحية وهناك مسيحيين موزعين على مختلف الاتجاهات السياسية وليس لهم مايسمى جغرافية دينية كالعلويين والدروز , لذا لاوجود ” لطائفة ” مسيحية انما توجد مسيحية فقط .
عموما ينبذ الطائفي اللاطائفي , لأن اللاطائفي لايتمكن من العيش مع الطائفي , لذلك تم ” نبذ ” المسيحيين بوسائل مختلفة منها التافه كحرق الشجرة ولعن الميلاد من قبل متظاهرين ومنها الأسوء مثل تفجير الكنائس ثم الكارثي مثل بعض المواد الدستورية التي تلغي المساواة ,ليس للمسيحيين حامل طائفي , لذلك تعتبرهم الجماعات الطائفية فائضا بشريا لالزوم له , فلكي يكون للبعض تأثيرا ووزنا عليهم ان يكونوا طائفيين ومشاركين في اللعبة الطائفية , لقد جرت الطائفية البلاد كما جرت بلدانا أخرى الى أزمة وجودية قاتلة, لذلك لا لزوم للطائفية وجماعاتها, ولكي تتطور اي جماعة الى الأفضل عليها الابتعاد عن الطائفية !.
Post Views: 8
