هل يصمد “جسر” الكلمات أمام اختبارات الواقع السوري؟

 

‫كاريكاتير اليوم.. المواطن السوري بين اللصوص بريشة الفنان: شريف قطريب للمزيد من الصور: https://www.instagram.com/bawaba_syria للمزيد تفضلوا بزيارتنا على الرابط: http://bawaba-sy.com #بوابة_سوريا #بوابة_إدلب‬‎       في المشهد السوري الراهن، بدا الرئيس السوري أحمد الشرع وكأنه يسعى إلى ارتداء ثوب جديد يعلن من خلاله القطيعة مع الإسلام السياسي. في لقائه مع وفد إعلامي عربي زار دمشق في 25 أغسطس 2025، أي قبل يومين فقط من كتابة هذا التحليل، خرج الشرع – أو لنقل “العابر بين ضفتين” – لينفي أي ارتباط له بجماعة الإخوان المسلمين أو بالتيار الإسلامي الجهادي، مؤكداً على لسانه: “لستُ امتداداً لأي مشروع إخواني أو جهادي”، وأنه ليس امتداداً للربيع العربي. لم يكن هذا التصريح مجرد جملة سياسية عابرة، بل أقرب إلى إشارة رمزية تعلن الدخول في فصل جديد من الحكاية السورية. التوقيت واللغة كانا معاً رسالة مزدوجة للداخل السوري والخارج الدولي، وكأن الشرع يفتح صفحة جديدة باليد اليمنى بينما تُبقي اليد الأخرى على علامات الاستفهام مفتوحة.

هذا الحضور الرمزي للشرع في المشهد يثير أسئلة حول مقاصده الحقيقية. فهو يتحدث في لحظة حساسة يسعى فيها إلى اعتراف الخارج واستعادة ثقة الداخل. وهنا يبدو وكأنه يتقمص دور “الرسول السياسي” الذي يخاطب العواصم العربية والغربية أكثر مما يخاطب الشارع السوري. فالتركيز على طمأنة القاهرة والرياض وأبو ظبي قد يوحي بمسعى لفتح أبواب الدعم، لكنه يترك فراغاً في الداخل، حيث تعب الناس من وعود التحولات الكبرى. ويأتي هنا المقال الذي كتبه موفق زيدان، المستشار الإعلامي للشرع، في صحيفة “الحياة الجديدة” بتاريخ 20 يناير 2025، ليكون بمثابة مرآة عاكسة لهذه التوجهات. فقد دعا زيدان إلى حل تنظيم الإخوان المسلمين باعتباره عقبة أمام بناء الدولة المدنية. المقال لم يمر دون صدى؛ إذ رآه البعض برهاناً عملياً على أن خطاب الشرع ليس مجرد مناورة، فيما عدّه آخرون إعلاناً مبكراً عن نهج إقصائي يثير المخاوف من تكرار ممارسات الماضي. بهذه الصورة، يتحول مقطع زيدان إلى حجر أساس في البناء الرمزي الذي يشيّده الشرع حول نفسه.

المجتمع السوري، المثقل بتجربة النظام السابق الذي رفع شعارات المدنية وهو يمارس القمع، ينظر إلى هذا الخطاب بعين الشك. تجاهل الحضور التاريخي للإسلاميين، الذين شكّلوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي لعقود، يبدو أشبه بمحاولة زرع شجرة جديدة في أرض لم تُهيأ بعد. وهنا يستحضر المشهد استعارة أخرى: الشرع كمن يحاول ريّ أرض عطشى بماء مستورد، قد يرويها للحظة لكنه لا يضمن أن الجذور ستتقبله.

حين نقارن بما جرى في تونس، نجد أن إشراك حركة النهضة في العملية السياسية منح التجربة شرعية نسبية رغم الانقسامات. أما في مصر، فإن إقصاء الإخوان بعد حكم قصير فتح الباب لعودة قبضة العسكر بشكل كامل وما تلاه من استقطاب دموي. وفي السودان، لم يؤدّ استبعاد الإسلاميين إلا إلى تفاقم الانقسام بين المدنيين والعسكر، حتى انهارت التجربة برمتها. هذه الدروس تجعل من الواضح أن السير في طريق استبعاد الإسلاميين تماماً قد يتحول إلى رهان محفوف بالمخاطر.

خطابه، وإن بدا منطقياً من زاوية براغماتية، يظل محاطاً بالالتباس. فالخارج قد يرحب بما يقول، لكنه يعرف أن الإسلام السياسي حقيقة اجتماعية لا يمكن محوها بقرار سياسي. والإسلاميون أنفسهم، من الإخوان حتى التيارات الجهادية، يتأرجحون بين الرفض الصريح والمناورة الحذرة، وهو ما قد يجعل المشهد أكثر تعقيداً مما يظهر على السطح. الشرع هنا يبدو مثل سفينة تحاول الإبحار في بحر متلاطم الأمواج، يرفع شراعاً مطمئناً للعواصم الدولية، ويخفي في قاعه ثقل المخاوف المحلية.

في المحصلة، ما يقوله الشرع ليس مجرد خطاب، بل لوحة مليئة بالاستعارات والتأويلات. إنه يفتح باب الأمل كما يفتح باب الشك، ويقدّم نفسه كجسر بين واقع أنهكته الانقسامات وحلم بوطنية جامعة لم تتشكل بعد. لكن السؤال يظل معلقاً: هل سيكون هذا الجسر متيناً بما يكفي لعبور السوريين جميعاً، أم أنه مجرد قوس من كلمات ينهار عند أول امتحان حقيقي؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *