العرب والغرب, وصور النجاح والفشل ……
مها بيطار ,ربا منصور :
كانت البلاد العربية مستعمرة عثمانية , وكان هناك تقبل من قبل الأصولية الدينية للاستعمار العثماني , لأن الخلافة العثمانية حسب فهمهم لم تكن احتلالا انما امتداد للخلافة القريشية , لم تتجرأ شعوب المستعمرات العثمانية على المجاهرة بفكرهما القومي , الا بعد الاستفزاز الذي مارسته حركة الاتحاد والترقي , التي عزلت عمليا الخليفة أو السلطان العثماني وباشرت بتتريك شعوب المستعمرات , مما قاد خاصة بعد أن أصيب العثمانيون بالوهن , البعض خاصة من ذوي الأصل اللبناني لممارسة التفكير المعاكس والمعارض لوجود الاستعمار العثماني, منهم كان على سبيل المثال نجيب عازوري وأنطون سعادة وغيرهم , هؤلاء اعتبروا الوجود العثماني استعمارا يجب التخلص منه , بعكس جزء من المحمديين ,الذين اعتبروا السلطنة العثمانية استمرارا للخلافة وبالتالي يجب الحفاظ عليها , سمي هذا الموقف مبدأ “الاستكانة” للعثمانيين, لم يكن أنطون سعادة معارضا للوجود العثماني فحسب , انما معارضا لمفهوم الفتوحات ككل , الفتوحات جريمة بحق شعوب المناطق المفتوحة او المحتلة , واطلاق اسم “فتوحات” على السلب والنهب والقتل والاجرام اي تغليف الفتوحات بغلاف ديني كان قمة الدجل والرياء , على كل حال منعت عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى مبدأ أو مفهوم “الفتح”وجرمته وجرمت من قام به .
لربما يمكن عن طريق مقارنة الفكر القومي الأوروبي مع الفكر العروبي من فهم الاشكالية العروبية بشكل أفضل , اختلف الفكر القومي في بلاد الشام عن الفكر القومي الأوروبي بالعديد من الخصائص منها على سبيل المثال كون الفكر القومي الأوروبي حصيلة صراع مباشر مع رجال الدين , بينما كان الفكر القومي العروبي بشكل عام حصيلة للصراع مع العثمانيين بالدرجة الأولى وبشكل غير مباشر مع رجال الدين , لأن العثمانيون استعمروا باسم الدين , انتصر في اوروبا الفكر العلماني وبالنتيجة تشكلت سلطات قومية علمانية ديموقراطية , عكس ذلك حدث في الشرق , فالسلطات التي حكمت بلدان منطقة الشام بعد سايكس بيكو كانت قومية , وبعد عام ١٩٢٨ ارتشحت هذه السلطات القومية بالفكر الديني الاخونجي السياسي , حتى انه قيل على لسان عفلق العروبة اسلام والاسلام عروبة الخ , لم تكن السلطات المرتشحة بالدين علمانية ولم تكن ديموقراطية , بينما كانت السلطات في اوروبا علمانية -ديموقراطية , في اوروبا تم فصل الدين عن الدولة اما في المنطقة المسماة عربية تم دمج الدين بالدولة , وهل من الغريب فشل الديكتاتوريات ونجاح الديموقراطيات ؟؟ لذلك نجح الفكر القومي الأوروبي وفشل العربي .
نشا الفكر القومي الأوروبي في دول مستقلةولو جزئيا , بينما لم تكن الكيانات العربية التي نشأ بها الفكر القومي العربي مستقلة , والتحديات الخارجية التي تعرضت لها الكيانات العربية مختلفة جذريا عن التحديات التي تعرضت لها الدول الغربية , التي امتلكت الاستقلالية الجديرة بها وامكانية اتخاذ القرار, هناك ولد التنوير وتمكن من التأثير على الأوروبيين , الذين تواجدوا في مجتمعات علمية صناعية .
لم تكن لمحاولات نقل التنوير الأوروبي الى الشرق ذلك النجاح وبالتالي التأثير الكبير , لم تجد مفاهيم التنوير في الشرق العشائري المتخلف ثقافيا ومعرفيا تفاعلا ايجابيا كافيا , اضافة الى ذلك كانت هناك مناصبة العداء للغرب ورفض الغرب , الذي لازال قائما والمؤسس على عدة عوامل منها دين الغرب ومنها الحسد الذي يتحول عادة الى حقد ورفض , ثم اشكاليات أخرى تتعلق بمهمات الدين وعلاقة الدين بالسياسة , التي انعدمت في الغرب وراجت في الشرق خاصة بعد ولادة الاخوان عام ١٩٢٨ .
لم تختلف مسببات الرفض والعداء للغرب قبل قرن من الزمن عنها في هذا العصر , ولم يتغير بهذا الخصوص أي شيئ , عموما لايتعلق نجاح مفهوم فقط بجودته المجردة ,انما بشكل تطبيقاته , وشكل التطبيقات متعلقة بالجهة التي عليها التطبيق , تطبيقات الفكر القومي الأوروبي كانت بيد شعوب أكثر تطورا من شعوب المشرق , اضافة الى ذلك كان الفكر القومي الأوروبي فكرا شعبيا بينما كان في المشرق فكرا نخبويا , وفي أوروبا لم تكن هناك أي امكانية للتشويش من قبل المفاهيم الدينية بعد فصل الدين عن الدولة , بينما كان التشويش في الشرق ولحد الآن على اقصاه .
لم يكن من الممكن أن تصل الأوضاع العربية الى حالة البؤس والتأخر التي نلمسها ونراها الآن , لو لم يرتكب الفكر القومي العربي -الاخونجي أخطاء قاتلة , لم يرتكبها الفكر القومي الأوروبي , الذي كان ثورة بمنتهى الايجابية والابداع , خاصة في مجال الحرية , أي حرية المواطن وحرية الوطن وتحرير الدين من الخرافة ثم تحرير السياسة من الدين وتحرير المرأة والتحرر من الجهل , ماحصل في هذه المنطقة كان نوعا من مرض العصاب القسري الطائش الجاهل بمصالح الشعوب ,لقد ركز العروبيون كل اهتمامهم على موضوع تجاوز التبعية للغرب والتحرر من الاستعمار الغربي وعدم التلوث بالغرب , مما أجهض امكانية التعلم من الغرب والاستفادة من خبراته .
لا لوم لفكر يسعى للتخلص من الاستعمار الخارجي , ولكن يلام اي فكر لم يتمكن من التعرف على نفسه وعلى نقاط ضعفه , لقد اثبت القرن الأخير ان شعوب المنطقة بين المحيط والخليج ليست قادرة على ادارة مشاريع “الدولة” التي اعتبرت مستقلة , بينما ادركت عصبة الأمم هذا الواقع وفرضت الوصاية على هذه الشعوب وكان ما سمى “انتداب “, الذي يعني جوهريا تأهيل الشعوب لادارة نفسها بنفسها , وهكذا كان انتداب فرنسا على المنطقة السورية,قامت فرنسا بالعديد من الخطوات التي رفضت من السوريين آنذاك ,الا أن تجارب القرن الأخير اثبتت عدم أهلية السوريين لممارسة الحكم الذاتي , واثبتت ايجابيات الخطوات التي قامت فرنسا بها ومنها اجراء اول انتخابات في سوريا في القرون الأربع عشر الأخيرة , ثم بناء المدارس وشق الطرقات واقامة الجسور مثل جسر دير الزور المعلق الفريد من نوعه , ثم اصدار قانون الاحزاب وبناء مبنى البرلمان والكثير غير ذلك مما لايتسع المجال لذكره بالتفصيل .
كانت بداية الارتداد عن مشروع الديموقراطية والوقوع في حضن العسكرة بالانقلاب العسكري الأول ثلاثة سنوات بعد رحيل فرنسا ,تلته انقلابات اخرى الى ان تتوج الفشل عام 1958 بالوحدة الاعتباطية بين مصر وسوريا , وبداية عصر مايمكن تسميته ثقافة ناصر وعبد الحميد السراج المخابراتية , التي دمرت البلاد بوتيرة متسارعة ومتصاعدة عبر البعث وعبر الأسديةوقبلهم من على يد البكباشي عبد الناصر , الى ان وصل الأمر الى القمة على يد الجولانية ,التي تفوقت حتى على الأسدية في السوء والاجرام وارتكاب المجازر .
لقد اتهم سايكس -بيكو بتهمة فرق -تسد اي التقسيم , ومن يلقي نظرة عابرة على الوضع السوري الآن بعد مئة عام على الاستقلال, لايرى سوى الحطام والتجزئة والحروب الداخلية والتأخر على كافة المستويات ثم الغوغائية والاجرام والعنصرية والقبلية العشائرية ثم الطائفية والغاء السياسة , فسوريا التي كانت شبه دولة وكان عليها أن تتطور الى دولة فشلت لابل تحولت الى عدة دويلات تتحارب مع بعضها البعض وتريد الابتعاد عن بعضها البعض , بحيث يمكن الآن رصد عدة مناطق متناحرة وممثلة لكيانات تريد الانفصال وممارسة الحكم الذاتي , لأن الجميع لم يتمكنوا من رعاية وادارة مانتج عن سايكس -بيكو , الذي وحد شكليا ما ثبت أنه لايمكن توحيدة بالأساليب والطرق التي تمت ممارستها من قبل المستقلين السوريين ,عمليا يجب القول ان سايكس-بيكو وحد بينما السوريون جزؤا .
ذهب الاستعمار الخارجي عام 1946 واتى الاستعمار الداخلي بعد عام 1946 ,وبالمقارنة بين الخارجي والداخلي يمكن الاعتراف بأن الاستعمار الداخلي كان أسوء بدرجات من الخارجي , لم يتم تحرير سوريا عام 1946 , انما تم وضع سوريا بداية من عام 1946 تحت استعمار ديكتاتوري داخلي غاشم وغبي بآن واحد , لقد تمكن الاستعمار الداخلي من قلب المفاهيم بحيث تحول النفور من الانتداب الفرنسي الى حنين اليه , تحول رفض الانتداب الفرنسي الى المطالبة به , لابل اصيب مفهوم الاستقلال الشكلي والتحرر الشكلي بزلزال قوي تمثل بالموقف الضمني والمعلن من قبل البعض برغبتهم في وضع سوريا تحت الوصاية الدولية .
لم تفهم الديكتاتوريا القومية العربية -الاخونجية أن تحرير الوطن لايتم الا عن طريق تحرير المواطن , وبأنه لايمكن جمع ضدية تحرير الوطن مع استعباد المواطن وبناء المزيد من السجون للمزيد من المواطنين , وعلى هذا المنوال تم تحرير الوطن من الفقر بافقار المواطن , ومن الجهل بتجهيل المواطن وتخريب مؤسسات التعليم واقامة مدارس التحفيظ , تحطيم المجتمع المدني عن طريق الدولة الأمنية التي قتلت المجتمع المدني , مكافحة الأصولية عن طريق خلق الظروف التي تمكنها من النمو والتعاظم , الذي فاجأ العديد من الناس بعد انفجارات الربيع العربي , سوف نكتفي بماذكر من أخطاء , ولو اتسع المجال لذكرنا أكثر .
لقد تحررت عدة مجتمعات في العالم من الاستعمار الخارجي وتمكنت من تطوير نفسها باتجاه ايجابي بناء , بعكس ما حدث في هذه المنطقة , التي ابتلت بالعكس مما ذكر , قامت في اوروبا بعد الحرب العالمية الأولى والثانية على الأقل ثمانية دولا جديدة , منهم ثلاثة دول على انقاض يوغو سلافيا ودولتين على انقاض تشكوسلوفاكيا ودولتين المانيتين الخ , ولا تعرف اي دولة من هذه الدول سوى التقدم والنجاح ,بعكس دول المنطقة بين المحيط والخليج , من يلقي نظرة عابرة على سوريا ولبنان والسودان والعراق وليبيا وغيرهم يصاب بالاكتئاب .
حقيقة لايمكن القول بأن وفاة الفكر القومي العربي كانت مبكرة , فلكل فكر دورا يلعبه ثم يأتي فكرا آخر ليحل محله , هذه الآلية غير متجذرة في جو المقدسات العربي , المقدسات لاتحب الجديد من الأوضاع وحتى الجديد من الأشخاص , الصورة التي قدمها ويقدمها الرؤساء والزعماء العرب وحتى الانسان العربي معبرة جدا عن الوضع الفكري والمسلكي للعرب او المستعربين , فلطالما لايزال الزعيم على قيد الحياة لالزوم لزعيم جديد , وحتى الموت السريري للرئيس لايعفيه من مهمات خدمة الوطن الحبيب !!! , بعض الزعماء لايزالون يمارسون مهماتهم في خدمة الوطن العزيز حتى من قبورهم , لايقتصر الحكم من القبور على شخوص العصر الحديث , انما خص مفهوم بعث ما سمي أمجاد الأمة العربية من جديد , وهل عرفت هذه الأمة “أمجادا” ؟ وهل الفتوحات أمجاد ؟ وهل التوحش مجد ؟
Post Views: 219