قراءة في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول الانتهاكات التي وقعت في الساحل.
(( بسبب خوفهم على دولتهم وعائلاتهم من عودة نظام الأسد وتكرار الفظاعات المروعة التي ارتكبت بحقهم أو من أجل نجدة ابنائهم المتطوعين في القوات الحكومية والمحاصرين من قبل فلول الاسد ! ))
بهذه الكلمات البسيطة العاطفية للسيد ياسر الفرحان ,برر المتحدث الرسمي باسم لجنة تقصي الحقائق حول الانتهاكات التي وقعت في الساحل ما جرى في الساحل السوري من جرائم وفظائع اسفرت عن قتل 1426 مواطن سوري من الطائفة العلوية أغلبهم من المدنيين وبينهم 90 سيدة ,وفق ما ورد في تقرير اللجنة النهائي والتي استمر عملها لمدة 4 أشهر وكانت قد شكلت بمرسوم من السيد الرئيس والهدف من تشكيلها هو الوقوف على ما حدث في انتهاكات في الساحل السوري وتوثيق ما حدث وتحديد من قام بهذه الانتهاكاتت ليصار الى عقابه !
في واقع الأمر أن التقرير قد أشبع من ناحية التحليل الايجابي أو الانتقاد السلبي ,لذا ,فإن ما سأقدمه في هذا المقال لا يعدو عن كونها نقاط هامة يجب التركيز عليها للمستقبل وفهمها ومحاربتها في اطار سعينا لبناء الدولة وسيادة القانون.
تحليل التقرير ..
اعتمد التقرير لغتين اساسيتين هما لغة التهويل ( بما يخص ما وقع من جانب فلول الاسد ) ولغة العاطفة ( بما يخص ردة الفعل من جانب من قام بالانتهاكات ! ) والتي أوردتها في بداية المقال ,ولم نجد توازن في سياق التقرير بين ( الفعل ورد الفعل ) ,فهل يعقل أن يسيطر نحو أقل من 300 من فلول الاسد على الساحل كله !؟ .. وهذا ما ورد في التقرير حرفيا ..
(( سيطر الفلول بشكل كامل أو جزئي على المدن و البلدات والقرى والطرقات واطبقوا الحصار على المقرات الحكومية الاخرى بهدف فصل الساحل عن سوريا بهدف اقامة دولة علوية وفق تنظيم وتخطيط عالي ! ))
وهنا نسأل الدولة والمسؤولين الامنيين .. هل يتطلب محاربة 300 من فلول الاسد أن نستدعي نحو 200 ألف مقاتل أو على الأقل نسمح بزجهم في المعركة لاستعادة الساحل !؟ وكيف نسمح بكل هذا العدد ونحن ( الدولة ) غير مسيطرين عليهم بالأصل !!؟
التقرير لم يكن موفقا من حيث توضيح ما وقع في أيام 6 و 7 و8 آذار ,لم يذكر المعارك العسكرية التي وقعت مع فلول النظام ,ولا حتى النتائج التي اسفرت عنها او الاسرى الذين وقعوا بيد الجيش ! بل في ما هو أغرب ,أن التقرير لم يذكر أسم قيادي واحد أو عنصر واحد من فلول الاسد من الذين سيطروا على الساحل كله لمدة يوم كامل !
هذه النظرة العامة للتقرير وننتقل للنقاط الاساسية ..
النقطة الأولى .. النفير العام !
في القانون لا يعاقب فقط مرتكب الجريمة وإنما ينال نفس العقاب من شارك بالجريمة ومن حرض لها ومن تدخل بها ! .. وضمن التقرير ورد أن هناك فصائل وأفراد هبوا من كل المحافظات السورية لاستعادة الساحل من عصابات الاسد ونصرة أخوانهم هناك ,وهؤلاء هبوا بسبب النفير العام الذي اطلقه الشيوخ في المساجد وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ,هذا النفير العام الذي لم تمنعه أو تعترض عليه وزارة الاوقاف أو المجلس السوري الاسلامي ,, بل أنهم رحبوا به وأيدوه !!!
وبذلك نقول للسيد فرحان أن هناك تورط من قبل هؤلاء في سفك الدم السوري لانهم ساعدوا على توجه العامة ( بحمية طائفية ) الى الساحل ,وهم فئات غير منضبطة ولا مدربة ولا تعمل تحت مظلة الجيش !
وهنا نقول .. متى سنفهم ما تعنيه كلمة دولة !؟ ومتى سننتهي من كلمات ( الجهاد والنفير العام و و و .. الخ ) .. هناك دووولة وهناك وزارة دفاع يرأسها وزير ,وهناك قائد عام للقوات المسلحة هو الرئيس ,وهم من يقرر أمر المعارك وادارتها ,وهناك مصطلح عالمي عندما تجبر الدولة على الخيارات العسكرية اسمه ( استدعاء الاحتياط ) .. وليس النفير والجهاد العام !!!
واذا ما اتفقنا مع اللجنة أن هؤلاء المنفلتون من فصائل وأفراد هم من خارج نطاق الجيش وقوى الامن العام ,لما لم يعمل الجيش وقوى الامن على صدهم وارجاعهم من حيث أتوا .. والسؤال الاكثر بديهية .. كيف تسمح الدولة لعشرات الآلاف من الاشخاص بحمل السلاح والتنقل به بين المحافظات !!؟
النقطة الثانية .. ثأرية لا ايديولوجية !
لا أدري ما سبب التركيز في التقرير على توضيح فكرة أن من قام بالانتهاكات والمجازر ,قام بها انطلاقا من خلفية ( ثأرية ) انتقاما من عصابات الاسد ,لا من خلفية ( ايديولوجية ) ويقصد بها هنا الخلفية الدينية !
وهنا نسأل سؤال بديهي .. لو أن القتل كان انتقاما من عصابات الاسد فقط من ناحية ثأرية ,, اذا لما تم توثيق قتل 90 امرأة وأطفال !؟ هل هؤلاء من عصابات الاسد !؟ .. بكل تأكيد أن ما وقع من انتهاكات جرى بسبب النزعات الطائفية التي كانت حاضرة بالفيديوهات المتداولة والشعارات التي سمعناها كلنا .. لكن يبدو أن لجنة تقصي الحقائق لم تسمعها !
علينا أن نتحلى بالشجاعة ونعترف بأن عدونا الأول هو الطائفية وأن علينا جميعا أن نتحد لهزم هذا العدو الشرس ,سيكون ذلك أفضل بمئات المرات من الاختباء حول مصطلحات أخرى واظهار ان الامور بخير ومسيطر عليها !
النقطة الثالثة .. كيف سقط الساحل وكيف ارتكبت المجازر !؟
بحسب ما ورد في التقرير فإن مجموعات من فلول الاسد سيطرت في يوم 6 اذار على المدن والقرى والبلدات في الساحل السوري واعلنت قيام الدولة العلوية هناك !
لكن في واقع الامر ,التقرير الذي ورد وتحدث عن مئات من هذه الفلول ,لم يتناول أبدا عدد قوات الامن والجيش في الساحل ,فهل من المعقول أن يكون التخطيط الامني سيء لهذا الحد ,بأن يسقط الساحل السوري كله أمام مئات الاشخاص من الفلول !!!؟ ,, ألا يجب أن نتوقف هنا قليلا ونسأل ونحاسب من قصر في حماية الساحل وتسبب باستشهاد نحو 250 من عناصر الجيش والامن العام .. ولاحقا تسبب باستشهاد نحو 1500 مواطن سوري !!؟
ومن ناحية أخرى , لما لم يذكر التقرير بشفافية ما حدث في يوم 6 اذار !؟ ولم يذكر كيف وقعت المجازر وكيف تم توثيقها .. وأغلب ماورد في التقرير تناول الشأن العام فقط دون أي خصوصية مفهومة !
يحق لجميع السوريين أن يعرفوا بالتفصيل والاسماء والتواريخ ما حدث في الساحل .. حتى أن المنظمات العالمية سارعت في طلب ذلك من الرئيس احمد الشرع فقد دعت منظمة العفو الدولية، اليوم الأربعاء، الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الالتزام بنشر النتائج الكاملة لتحقيق لجنة تقصي الحقائق بشأن المجازر التي راح ضحيتها عشرات المدنيين في الساحل الشمالي الغربي من البلاد، لا سيما من أبناء الطائفة العلوية.
وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية كريستين بيكرلي، “على الرئيس أحمد الشرع أن يلتزم بنشر النتائج الكاملة لتحقيق لجنة تقصي الحقائق بشأن عمليات القتل الجماعي التي استهدفت المدنيين العلويين في المناطق الساحلية، وأن يضمن تقديم المسؤولين عنها إلى العدالة. فمن حق الضحايا والرأي العام أن يطلعوا على المنهجية التي اتبعتها اللجنة.
النقطة الرابعة .. من قام بالمجازر !!؟
التقرير من أوله الى أخره لم يذكر اسم واحد أو اشار الى فصيل واحد ممن تلطخت ايديهم بدماء السوريين ! وفي الوقت الذي فصل فيه تقرير رويترز حول انتهاكات الساحل والذي نشر قبل نحو شهر من الأن اشتراك 10 فصائل سلفية جهادية في تصفيات وانتهاكات وقعت في الساحل في 40 موقع مختلف ,جاء تقرير اللجنة السورية فقيرا وغامضا لا يحتوي إلا على قائمة من نحو 300 شخص ممن تورطوا في الجرائم ,ولم يكشف عن اسم اي منهم ,ولم نعرف اذا ما كان هناك اشتراك من الفصائل المسلحة الجهادية .. كل شيء يتم بسرية غير مفهومة ولا مبررة !؟ إلا يحق للشعب السوري أن يعرف من قتل وانتهك ابناءه !؟
واختم ..
هناك نقاط أخرى في التقرير لكن تم تناولها بشكل مكثف ولا فائدة من اعادة الكلام بها واكتفي بالنقاط التي ذكرتها بالأعلى .. وكلمة أخيرة هامة ..
لا يهمني عقيدة من قام بالقتل ولا عقيدة من قتل ,فما وقع هو جريمة بحق مواطنيين سوريين سواء أكانوا من الاسلام السني او العلوي أو المسيحيين أو حتى من الملحدين ,هؤلاء يحملون هوية الوطن السورية ولا يجوز المساس بهم إلا تحت سقف القانون ,وهو ما لم يحدث ,ومن الواضح أن التقرير حاول جاهدا تبرئة السلطة والحكومة من ما جرى في الساحل ,لكنه دون أن يدري ورطها بما هو أخطر .. عجز الحكومة التام عن القيام بمهامها واظهار سيادتها !
وعلينا أن نفهم أننا اذا ما اردنا أن ننجو وننهض ونتقدم ,فعلينا أن نسير في درب الدولة والقانون ,وللاسف في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول انتهاكات الساحل ,, نعينا القانون الى مثواه الأخير .. واسقطنا الدولة !
ليلة سقوط الدولة !
بقلمي أنا المحامي هادي بازغلان في قراءة وتحليل تقرير لجنة تقصي الحقائق في انتهاكات الساحل ,كل الشكر لمن دعم المقال وقام بنشره ,ولوقتكم الثمين الذي امضيتموه بالقراءة وهو لا يقدر عندي بثمن 
=======
Post Views: 100
Count per Day
8386267 Total reads:
8549 Reads today:
782459Total visitors:
507Visitors today:
4Visitors currently online: