طبائع الثورات والخيانات!

سمير صادق, مفيد بيطار :

         انطلاقا من تعريف الثورة بأن مسببها هو بشكل غير مباشر صانعها ,وأمر الثورة لايتعلق الا ثانويا بمنفذها , وقد يكون المنفذ مجرما أو ملاكا , وثورات العالم الكبرى والمعروفة لاتبرهن عن ملائكية المنفذ , انما برهنت دائما عن وجود شوائب كثيرة وكبيرة في صفوف المنفذين , خاصة عندما تفشل المساعي الثورية المدنية في تحقيق المراد من الثورة ,وخاصة عندما يتطور العمل الثوري قسرا الى ممارسة العنف , وهذا المراد يتوافق عكسيا ويتناسب طردا مع خواص السلطة أو الحكم الذي اندلعت الثورة ضده , فكلما ازدادت مساوئ الحكم ازدادت المطالب , وعندما يفلس الحكم نهائيا تتطور المطالب الى مطلب اسقاطه بكامل ركائزه وأركانه , وعندما يستعصي تنفيذ المطلب على الالحاح المدني يأتي دور السلاح أي الحرب , ويأتي أيضا دور قطاع الطرق من كافة الأنواع والأشكال , فالملائكة لاتتكلم بلغة الرصاص , والرصاص الذي هو رمز ووسيلة العنف لا يأتي رغبة وادمانا وارادة , وانما قسرا ,تدوي أصوات الرصاص عندما يختفي صوت الشعب المدني , وعندما يسيطر القنوط واليأس وانعدام الأفق على الحراك المدني , أو عندما تتمكن السلطة من اغتيال مدنية الحراك , كأن تسلط أفواه بنادقها على المتظاهرين أو أن تقوم باعتقال أو اغتيال المعارضة المدنية وترهيبها ودفعها الى التشتت أو الهروب أو الخنوع أو التملق .
لاغريب في الثورة السورية , التي تتجدد الآن في السويداء   بأنبل  اشكالها بعكس  ادلب واخونجيتها , انها صورة طبق الأصل عن الثورات الأخرى , ذلك لأن النظام هي صورة طبق الأصل عن غيره من الأنظمة المتعفنة الفاسدة الظالمة الديكتاتورية , ومسيرة الثورة السورية هي صورة طبق الأصل عن مسيرة الثورات الأخرى , وحتى لو فشلت الثورة في الجولة الأولى , فانها لاتفقد تشابهها مع الثورات الأخرى في  العديد   من   الأوجه , فالثورات لا تنجح عادة من المحاولة الأولى , وعندما تفشل تستدعي ثورات أخرى لتصحيحها واستكمالها وانجاحها , الثورة الروسية على سبيل المثال استمرت خمس سنوات بشكل حرب اهلية استنزفت الطبقة التي قامت بها وعاش المجتمع الروسي خلالها كما عاش أهل الغوطة الشرقية , أكلوا لحم البشر وأوراق الشجر , وانهارت البلاد حتى اضطر البلاشفة الى التخلي عن أجزاء من روسيا للحفاظ على أجزاء أخرى, وشأن الثورة الفرنسية لايختلف بخطوطه التعثرية العريضة عن شأن الثورة الروسية , ألم تنتج هذه الثورة مجددا ملكا بعد عشر سنوات (نابوليون) , ومن سيطر على مشاهد الثورة في البداية ؟ ,ألم يكن دانتون ومارا وروبيسبيير ! , ألم يسيطر المجرمون علي مسيرتها العنفية الحربية , وهي التي أنتجت قيم حقوق الانسان , وما أشبه الملك لويس السادس عشر وزوجته, وعلاقتهم بالكنيسة ورجال الدين والفساد و الغطرصة مع الأسد والحاشية بما فيهم الزوجة , ثم لنأخذ بشكل مختصر الثورة الانكليزية , ومطالبها البسيطة نسبيا ,التي  لم تكن ضد الملك , وانما ضد طريقة حكم الملك , وهذه الثورة تميزت بثلاثة حورب ضارية , كل منها دام سنوات وانتهت بكرومويل , من الممكن تعداد الكثير من الثورات , وليس من النادر ان تدوم ثورة عشرات السنين , وبناء عليه يمكن اعتبار الثورة السورية في بدايتها,لاتمثل  الحركة  الادلبية تطورا   ايجابيا لثورة ,  انما   تنكصا مريعا   وتأخرا   عميقا وتوحشا   حيوانيا, وستكون   فترة   تسلطها ذو  اللون  الواحد  قصيرة  ,ستموت   على  عامل   الجوع والفشل   الاقتصادي والعزلة   , اذ  لاوجود لقوة   عالمية  مؤثرة   تدعمها .
  الحراك الذي لايلاقي تجاوبا ايجابيا   محليا      وعالميا  يتحول في معظم الحالات الى العنف  والى   القيام   بالمجازر   المروعة  ,واخونجية   ادلب   برهنوا    بمجازرهم   عن   ذلك  , لذلك  سيتدخل الخارج      بشكل  ما  , وقد   برهن  مؤتمر   لوكسمبورغ   عن   ذلك , لم   يرحب   المؤتمرون بالشيباني     الحامل    لحقيبة  وزارة  خارجية  دولة   ادلب وكانت   هناك   أصوات  تريد   طرده  , ففي الثورة الروسية تدخلت القوى الخارجية المعادية   لتلك   الثورة  , وفي الحرب الأهلية الاسبانية تدخلت كامل أوروبا شعبا وحكومات , وفي الثورة الفرنسية , والأفضل هنا التحدث عن ما لايقل عن ثلاثة ثورات فرنسية , تدخل الخارج بكثافة وفاعلية , والتدخل كان جليا في الحرب الاسبانية الأهلية , وفي الحرب الأهلية الأمريكية , وفي الحرب الاهلية السودانية وفي ليبيا , لاوجود لحرب داخلية دون تدخل خارجي , حتى أنه لايمكن لحرب أهلية أن تندلع دون تدخل خارجي , فمن أين يأتي المال والسلاح للجهة التي لاتملك المال والسلاح !,.
اتعجب من البعض مؤيد أو معارض دهشتهم من التدخل الخارجي , خاصة في هذا العصر ,أي عصر العولمة, ففي هذا العصر تلاشت استقلالية الدول , وتزايدت مسؤوليات  الخارج , الذي يمثل المجتمع الدولي , لقد أصبح التدخل الخارجي في الوضع الداخلي السوري بديهية من بديهيات هذا العصر ,حتى   أن   من   لايريده   سيكون  مرغماعلى التعامل معه   بشكل   ما , لايكفي  هجائه ولعنه, تطلب   الخلل   الذي   سببته   الأسدية  تصحيحا  ثوريا , ولم   يتطلب   استمرارا   للأسدية   بالجولانية ,  التي   بدأت   بالمجازر   وتستمر   ايضا   بها ,  وتمكنت   خلال   اقل  من  مئة   يوم من البرهنة   على  انها  في   الجوهر  اسدية   بقناع  ادلبي , واذا   تمكن   النظام   الأسدي  من   البقاء   على  قيد   الحياة   لنصف   قرن تقريبا   , فسوف   لن  تتمكن   الجولانية   ,  التي  أصبحت  داخليا  وخارجيا  مرفوضة   بشدة من   الاستمرار ليسس   لنصف   قرن   فحسب   انما   لبعض  الأشهر ,  لقد  كان   للأسدية  دعما   خارجيا   وقبولا   داخليا   جزئيا    ,ولا   شك   بأن   الجولانية    تحظى   على     تأييد   داخلي    جزئي  , اما   الرفض   الخارجي     فقد   أصبح   مطلقا ,خاصة   بعد   مجزرة   الساحل ,  التي  قضت   على   مكنة   الكذب والخداع   الجولانية  ,لم   يعد   بالامكان الاعتماد    على    خطابات   الجولاني  ,  التي   لاتمر حتى   على   البسطاء    , وليس لمن يملك  ابسط   المعارف  التاريخية  سوى  الاستهزاء من  طروحاته  ,  التي   تعد   دون   أن   تنفذ , الثورة  حتمية   لأنه   قد تحققت  كل   موجباتها من  فساد  وظلم  وانعدام   الحريات وهيمنة  الديكتاتورية وتحول   البلاد   الا   سجن   بحجمها ,  الى  جانب    تحول     المقابر  الى  مدافن   بحجم   هذا  الوطن  ,  لا  تتبختر   الحرية   في   هذه  البلاد   بعرسها, ولا   تعيش   الديموقراطية   في   شهر   العسل ,لا   شيئ   على  ما   يرام  ,  لذا ليس  من   المنطقي   أو  الأخلاقي   السؤال   لماذا   الثورة ؟
لاشك اطلاقا  بأن النظام  الأسدي  لم   يشعر بوجود  اسبابا لترحيله  , وهو  الوحش آكل لحم البشر, الذي انفلت    بوحشية على من يريد حرية وديموقراطية وعلى من لايريد الفساد     ,خليفته   الادلبية  تمارس    نفس    اساليبه    ,ومصيرها   سيكون   نفس   مصيره   ,  لقد  خرجت   اغلبية   طائفة   الأسدية    من التاريخ السوري والتحقت بالتاريخ الطائفي    ,وقد   برهنت   احداث   المجزرة   الأخيرة عن   خيانة   اتباعه   على   اساس   طائفي  لنفسهم   وذاتهم, ونفس   الشيئ   يتكرر    في   الحالة   الادلبية , وسيكون   للحالة   الادلبية   نفس   مصير    الأسدية القرداحية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *