سمير صادق , نبيهة حنا :
السؤال بشكل أدق , هل سوريا جديرة بأن تصبح دولة ؟ الاجابة هي بالنفي, لأسباب سوف يتم ذكرها , الشروط التقليدية لاقامة دولة واستمرار هذه الدولة في الوجود , هي الأرض ثم السكان أي الشعب أو المجتمع , ثم الحكم والاستقلال , وما من شك توفرت في سوريا لتصبح دولة العديد من الشروط منها الأرض والسكان , أما الحكم والاستقلال فحولهم هناك العديد من علامات الاستفهام. أكبر الاشكاليات خصت السلطة أو الحكم , الذي برهن عن عدم جدارته على رعاية ” الدولة “ , الاشكاليات خصت بالدرجة الأولى مفهوم الحق والقوة ,فمن يحكم الجماعات المبعثرة والقبائل هو حق القوة ,أما ماينظم الدولة بمفهومها العصري فلا يمكن أن يكون حق القوة المنبثق من قوة الفرد زعيم القبيلة , انما قوة الحق المنسجمة مع سلطة او حكم المجتمع ,ترتكز قوة الحق على العديد من الأسس منهامثلا مبدأ المساواة بين الناس , ثم مبدأ احتكار الدولة للعنف المشروع ,أي تطبيق القوانين المعبرة عن ارادة الناس , فالدولة هي تجمع مهيمن ذو طابع دستوري وقانوني وديموقراطي ومحتكر للعنف ضمن جغرافية معينة وشعب معين في ظل الحق والقانون , أو بتعبير آخر “دولة الحق ” , التي يعتمد وجودها على ثلاثة معالم هي القانون والحق والفصل بين السلطات.
لو أخذنا السلطة السورية السابقة واللاحقة , التي كانت مهمتها رعاية البلاد واعطاء الكيان الجغرافي- البشري السوري صفة الدولة, نجد أن ما ميز هذه السلطات كان عدم تمكنها من التعامل مع الجميع بمبدا المساواة, وذلك لأن هذه السلطات ارادت التابيد , لذاكانت مضطرة لايجاد جماعة أو فئة تريد أيضا التأبيد معها أي الزبانية ووحدة المصير مع المعلم ,ولكي تنتظم تلك الفئة أو الفئات مع السلطة في صيغة واحدة أو مصلحة واحدة وجب تقديم مشجعات لهذه الفئة , والمشجعات تعني الأفضليات والامتيازات , وجود الامتيازات في اطار عدم المساواة يقود عادة الى انفلات عامل العنف من احتكارية الحكم , اي ولادة العنف اللامشروع الى جانب عنف سلطوي فقد شرعيته وأخلاقيته , هذه كانت حالة سوريا الآن وسابقا , لقد تعمم العنف في البلاد , ولم يعد في يد محتكر شرعي له ,أصلا لاوجود للشرعية في البلاد , والمسؤول عن هذا الانفلات كانت السلطة الغير جديرة بقيادة أي بلاد , السلطات دمرت صفة “الدولة” التي استحقها الكيان السوري ارضا وشعبا , وكان بالامكان اقامة دولة سورية بعد الحرب العالمية الأولى ,ولكن الدولة لم تقوم , ليس فقط بسبب افتقادها لشرعية احتكار العنف, لا بل بسبب تعميم العنف , وبسبب الفشل في التعامل مع الحريات في ظل احتقار وعدم التقيد بالقانون , فالسلطات اغتالت الانسجام الضروري بين الحريات , أي مفهوم حرية المواطن, التي تنتهي عندما تبدأ حرية المواطن الآخر , عرف السلطة وقانونها الغير مكتوب كان انفلات فئة بالكامل وتقييد فئة بالسلاسل ثم ابادتها , لقد تناوب السجانون والذبيحة على الحكم ولم يكن هناك فرقا بين الحكم السابق والحكم اللاحق , يتناوب القتلة والسجانون بينما بقي المسجون والقتيل واحد هو الشعب او جزء من الشعب .
في ظل القبلية العشائرية مضافا اليها الطائفية تطور الفساد والعنف والاجرام الى الأسوء بتزايد , تطورالأمر بهذا الشكل تحت قيادة وصفت نفسها بالحكيمة, ولم يوجد ما يوحي بهذه الحكمة , ثم تحت قيادة تقرر لأنها تحرر, لم يوجد ما يوحي بذلك التحرير , ولا نعرف حقيقة اذا كان مفهوم التحرير واضحا في ثقافة السلطة الحالية , التي يمثلها عقل ابو عمشة وأمثاله .
يعرف تاريخ شعوب المنطقة الكثير عن دجل التحرير, مثل ذلك التحرير الذي اتى مع خالد ابن الوليد قبل ١٤٤٠ سنة ,وخالد ابن الوليد قرر قتل الناس لأنه كما يدعي البعض حررهم من الرومان والفرس , الذين احتلوا البلاد لفترات طويلة , الا أنهم حضاريا اختلفوا عن بدو الجزيرة بشدة, مثلا بطرق تعاملهم مع شعوب مستعمراتهم , الرومان ساووا قانونيا بينهم وبين شعوب المستعمرات , وفي ظل المساواة جلس على الكرسي القيصري في روما العديد من السوريين , حتى في البناء كانت هناك مساواة , فالآثار السورية لاتختلف عن الآثار الرومانية وفي العناية بمستوى حياة الناس كانت هناك مساواة مطلقة , عدد المسارح العملاقة في سوريا يفوق عددها في روما وحفر قنوات الري في سوريا أضخم من قنوات الري في روما , تكمن العبرة في شعار المحرر يقرر في مضمون القرار , متى كانت الابادات الجماعية تحريرا !!!!!.
سمة السلطة البائدة كانت الفساد والعنف واللاقانونية وانعدام الشرعية, لم تتعامل السلطة البائدة مع الفساد كموضوع يقع خارجها , انما كانت هذه السلطة الفساد بعينه , والفساد كان بنيوي بها, لذا كان من المنطقي أن لاينضب مستنقع الفساد ,وكان من المنطقي ان لايتم الأصلاح كما في الديموقراطيات , لأن اصلاح الفساد مميت للفاسد .
الحفاظ على سمة” الدولة”في ظل فساد أسطوري مستحيل, والاستحالة تعلقت بالعديد من العوامل الأخرى مثل مرض “صيدنايا” ومرض ” تدمر” ثم مرض “حي التضامن” ثم حماه والطائفية والفشل الاقتصادي والسياسي والعديد من العوامل الأخرى , لذا اهترأ الحكم وتلاشى ثم سلم البلاد بدون اي مقاومة الى الخلف المناسب والقادر على ضمان استمرارية معظم الأسدية, افتتج العهد الجديد حكمه بثقافة الاخونج المدمنة على العنف والقتل المبرر طائفيا , الى جانب العديد من الممارسات التي تذكر بالسلف , وبذلك قدم البرهان عن عدم جدارتة ومقدرته على اقامة دولة “الحق ” لايمثل الانتقال من علي الى عمر انتصارا لقوة الحق على حق القوة , ولا يختلف جوهر عمر عن جوهر علي , وكلاهما لايختلفان عن البغدادي او الجولاني او عن الجنرال أبو عمشة او الجنرال الحسن سهيل , كلهم غارقون في مستنقع الارهاب والابادات الجماعية وكلهم من اصحاب حدائق الحيوانات المفترسة من شبيحة وذبيحة ومجاهدين قتلة .
عودة الى الدولة وأشكالها , فالدولة في طبائعها هي شكل من أشكال الهيمنة المؤسساتية , وسوريا في عصر الخلافة وفي عصر السلطنة لم تعرف المؤسسات , فالشكل القبائلي الشخصي البدائي لهذه الهيمنة ليس مؤسساتي , في هذا الشكل لاوجود سوى للشخص زعيم القبيلة الابدي المورث الوارث , ففي ظل نظام كهذا النظام البدائي لاحاجة للقانون, فالقانون هو نزوات الزعيم القائد الى الأبد .
قالت السلطة الأسدية عن نفسها انها سلطة جمهورية تمثيلية , لكنها استولت على السلطة عسكريا انقلابيا , وكانت استعمارا داخليا مهمته قهر الانسان والفتك بالحريات والعدالة الاجتماعية , ثم تزوير الانتخابات الشكلية , التي لم تكن سوى مهزلة تهريجية اطلق عليها اسم أعراس الديموقراطية , نال الرئيس بها ٩٩٪ من الأصوات, بالرغم من كون الرئيس متقدم على الخالق في شعبيته ووقوف الشعب ورائه , كان من الضروري لسلطة تدعي تمثيلها الواسع والعميق للشعب أن تلغي الجرائد وتمنع الأحزاب وتدستر قيادتها الأبدية للدولة والمجتمع وتعلن الطوارئ وتسجن الناس وتعذبهم ثم تنتهج العنف اللاشرعي , وذلك بالرغم من عدم وجود منافس لها ولا من يخاصمها من أجل كرسي السلطة ,العسكر المستزلم كان المسيطر , وهذا العسكر لم يمثل جيش دولة انما كان مجموعة من المرتزقة, لافرق بين المرتزق الشيشاني او الايغوري او المسمى الثوري الايراني ولا فرق بين الديني العلوي او الديني السني , كلاهما اجلاف متحيونة مفترسة غير صالحة للعيش في اطار ” دولة “ناهيكم عن عدم مقدرتهم على بناء” دولة “