سمير صادق:
هنا كان من الضروري القاء نظرة عابرة على بعض طبائع البعث , خاصة أنه ليس من المنتظر أن يغيير البعث طبائعه , وليس من المنتظر ان ينقرض تماما على المدى القريب , لقد كان لهذه الطبائع تأثيرا كبيرا على الحالة السورية ,تحطيم سوريا وخروجها من التاريخ, ثم هدر دم الشعارات التي رحب الشعب السوري بها ,فمن لايرى في الوحدة والحرية والاشتراكية شعارات مقبولة ؟ , اما وان تنكصت هذه الشعارات الى عكسها ممارسة , فهذا أمر خيب آمال العديد من أفراد الشعب السوري , واحتكار البعث للفشل وبالتالي تخريب سوريا خيب الآمال أكثر وأعمق .
لايقتصر الأمر على انعكاس مضمون الشعارات , فالبنية التحتية للبعث أهلته لعكس شعاراته , أحد معالم البنية التحتية التي لايمكنها سوى تحقيق عكس الشعارات, كانت التنكص الطائفي للحزب , ثم تنكص طائفيته الى الجهوية , وتنكص الجهوية الى العائلية , ثم الى امتلاك العائلة للحزب وللدولة معا , ولما كان كل حزب على شاكلة قياداته , لذلك تحول البعثيون الى عصابة مرتزقة سارقة والى عصابة محتقرة للقانون الذي جلست فوقه , نزوات البعث ليست محددة من قبل قانون , انما هي القانون ….في البلاد كان هناك عدة قوانين متضاربة , ساهمت في التأسيس للغوغائية البعثية وللازدواجية والشوفينية ,
للبعث طبائع كما لغيره كالاخونج , ومن أهم طبائعه الغوغائية , التي دفعته للقيام بخطوات لاتناسب الزمن والمكان , كالوحدة وارهاب الحركات السياسية الأخرى , وبالتالي كان فشله منطقي , لذلك ابتكرت طبيعة البعث طبيعة أخرى من الكلام المعكوس الخشبي , فبالكلام يمكن قلب كل شيئ الى عكسه , الفقر المدقع تحول الى غنى كلامي …الى شعر ونثر وافتخار بالأمجاد , الهزيمة العسكرية تحولت الى نصر كلامي بخصوص الصمود والمقاومة , الشرذمة تحولت الى انتصار كلامي للوحدة …أناشيد !!, العبودية تحولت الى حرية البعثيين في ممارسة الفساد , وحتى الاشتراكية تحولت الى كلام رأسمالي , هدوء الجولان تحول الى حرب انتصارية , وهل يعرف تاريخ المنطقة فترة بطول أربعين سنة دون أن تلتهم اسرائيل قطعة جديدة من الأرض السورية ؟ انه انتصار بعثي -أسدي على التوسعية الاسرائيلية !!!
يتلذذ البعث ليس فقط في الانقلابات العسكرية , التي حولها الى ثورات مجيدة, وانما في شتى الانقلابات , ,اهم الانقلابات كان الانقلاب على الحقيقة ,وغير ذلك من الانقلابات باستثناء الانقلاب على الفساد , يتلذذون في الانقلاب على مفاهيم الواقع , مثلا تعريف حالة الحرب في سوريا بأنها حرب كونية ثالثة , وهناك من البعثيين من يتحدث بجدية عن مقدرة سوريا على الانتصار في هذه الحرب الكونية على مئة دولة في العالم ومنهم الدول الكبرى , حرب كونية تشمل ليس فقط اليابسة وما عليها وانما الكون بنجومه وشمسه وقمره وغيومه , ومشاركة الملائكة والجن بها , ثم انهم متأكدون من انتصار سوريا تحت بيرق القيادة الحكيمة , عادة كانت كل مناسبة جيدة لاطلاق بعض ابيات الشعر لتبخير الرئيس وتخدير القطيع .
لم تخلوا أحاديث من هذا النوع من قشرة علمية , انهم يبررون أسباب هذه الحرب الكونية بمبررات علمية واضحة كالشمس!!! , ثم انها حرب وقائية ضد الجيش العربي السوري , الذي يتواجد على أبواب القدس لتحريرها وتحرير الأرض المحتلة حتى حدود ١٩٦٧ , هنا ينبري أحد المزايدون بالسؤال , وماذا عن تحرير كامل فلسطين ؟؟؟؟؟ , الجواب المطمئن يأتي فورا وبثقة كاملة … هذه هي مرحلة التحرير الأولى , وفي المرحلة الثانية سيتم تحرير كامل فلسطين , مردفا …باذن الله !!!, لايقومون بأي شيئ دون الاستئذان من الله , وهل تكدسهم وازدحامهم في قاع الانحطاط والفقر والتأخر والمرض كان أيضا باذنه تعالى ؟؟
لو لم تكن لنا تجربة مؤلمة ومزمنة مع البعث , لما كان لنا الحق في الحكم على تأهيله للمساهمة في ادارة سوريا الجديدة, البعث لم يفشل على يد خصومه أو أعدائه , وانما فشل على ذاته وعلى ممارساته, فشل على وضاعته ودونيته , التي سمحت له بالاستكانة لتأميمه من قبل العائلة , فشل على يد الرياء والمخاتلة , السم الكيماوي الذي أطلق عليه اسم السلاح الاستراتيجي , والذي أعد للاسرائيليين لكي يستنشقوه , كان من نصيب الأطفال السوريين في الغوطة وخارج الغوطة أيضا كخان شيخون , الوحدة التي تراكض البعث ورائها وأرغم تلاميذ المدارس على الانشاد لها يوميا , تحولت الى خرقة مهترئة وممزقة , الحرية تحولت الى قسرية , ادخال الأحياء الى السجون وخروجهم أموات , وعن اشتراكية البعث فحدث ولا حرج , انها بالمؤاخذة من ماركس شكل لم يعرف التاريخ شبيها له , كانت unicate فريدة من نوعها , وحتى اسم هذا الحزب كان نكبة ودلالة على قصور عقل بعثي جماعي ,يريدون بعث الأمة العربية من جديد , اي استحضار الأكاذيب , وحتى لو صدق الادعاء بأمجاد الماضي وصدق تفوق العرب ماضيا على الشعوب الأخرى , فاستحضار الماضي المجيد الى الحاضر لايسمح باستحضار تفوق العرب على غيرهم , لأن الغير تقدم وتطور في هذه الأثناء بشكل لم يعد من الممكن التفوق عليه ,حتى بالامكانيات الاضافية مثل البترول , جوهر التباين لصالح تفوق الغير أصبح ثابتا ولا أمل , حتى على المدى البعيد, في تفرق العرب يوما ما.
حول البعث نفسه الى دين وتصور نفسه بأنه دينونة لغيره , انه يوم الحساب وهو المنقذ للبشرية , انه كالدين الحنيف الأبدي كدين ودولة , فالبعث أبدي كدولة ودين , وكتابه المقدس تلخص بالمادة الثامنة , التي قتلته وقتلتنا معه , البعث يرفض الموت بالرغم من أنه شبع موتا , انه كرئيسه خالد لاينهزم !!!, وما هي علاقة موت نصف الشعب بالرصاص والجوع والبراميل بموته وهزيمته ؟ انها المؤامرة الشيطانية !, حيتانه كحيتان البحر الأبيض المتوسط بأحسن حال , نرجسي , ونرجسيته تمنعه من الاعتراف بأنه قبيح وفاشل , أنه مثال الجمال ببراميله وكيماويته وسجونه……!!! , وعلى شاكلته حول الوطن الى مسقط للبراميل والى سجون ومقابر حجمها بحجم البلاد .
من يفكر بالمستقبل السوري الأفضل , لايستطيع تصور البعث فاعلا ايجابيا , فالبعث لم يبرهن حتى الآن , الا عن كونه رسول الموت والخراب , ومن أجل الموت والخراب لاحاجة لسوريا الجديدة..