ميرا البيطار :
حشر المقدس وتوظيفه في السياسة واستغلاله يمثل الحصن الذي تتحصن السلفية السياسية به, تريد السلفية لناقديها الوقوع في مطب الازدراء , اذ لايمكن نقاش أي اشكالية مع الأصولية السلفية السياسية , دون حشر النصوص المقدسة في معركة النقاش , مما يجعل التعرض للنصوص أمرا حتميا لامفر منه , التعرض للنصوص ومصدرها يقود الى انفلات مكنة التكفير والشتائم الجاهزة, والى اتهام المحاور بتدنيس المقدس واحتقاره ,ثم التهديد المبطن أو الواضح بعواقب هذا النقد , ليصل الأمر الى درجة التهديد بالقتل وتنفيذ هذا التهديد في العديد من الحالات , بذلك يتحول نقاش الاشكالية الى اشكالية أعظم , الى المنع والقمع والاقصاء وحتى القتل , لعدم جواز ما يعتبر تهجما على المقدسات , في هذه المرحلة يتم الخروج عن الموضوع ويفشل النقاش كالعادة , حقيقة من يعرض المقدسات للتدنيس هي السلفية الأصولية السياسية , وذلك بتوظيفها للمقدس في سجالات سياسية غير مقدسة .
اضافة الى الاحتماء بالمقدس كحصن دفاعي , يمثل المقدس بالنسبة للسلفية الحقيقة المطلقة والوحيدة , وهذا الأمر مدمر للعقل , فعقل لايحتوي الا مادة المقدس هو عقل ضيق الأفق اتكالي متطفل على صانع هذه المقدسات , اقتصار اامتلاك العقل على مادة المقدس يمثل فقرا فكريا مخصيا عقيما يقود الى انتعاش نزعة التعالي الشخصي , اذ يشعر الشخص المسلح بالمقدس بأنه مقدس أيضا , وكل مايجانب المقدس الفكري والمقدس الشخصي هو مدنس, كل ذلك يثير ارتكاسا عدائيا قد يتطور الى ممارسة العنف .
الوضع الذي وصلت اليه هذه الشعوب مذري, والعلاقة بين السلفية الأصولية السياسية ,كعامل من عوامل التأخر العديدة ,وبين سبات الشعوب حضاريا واضح , وانعدام او ضعف امكانية النقد مكرس لهذا التأخر , فالنقد الذاتي غير منطقي بسبب اعتبار الذات المؤمنة دائما على حق,وكيف لأمة تعتبر نفسها خير أمة أن تمارس النقد الذاتي , النقد الخارجي معاق لعدة اسباب منها اتهام هذا النقد بمختلف الاتهامات ,منها اتهامه بالسلبي, وكأنه على النقد ان يوجه للايجابي ايضا , وما هي ضرورة توجيه النقد للايجابي ؟ , النقد يوجه لما يعتبره الناقد خاطئ وليس الى مايعتبره الناقد صحيح , ومنها عدم ارفاق النقد مع طرح حلولا ,وكأن طرح الحلول أمر ميسر وممكن لكل انسان , انقد الفقر ولكن ليس بامكاني تقديم حلولا لمشكلة الفقر , تلك حلول تعجز المؤسسات المتخصصة عن تقديمها .
النقد ضرورة ملحة لامناص منها ولا يمكن الاستغناء عنها , وبدون النقد سيستمر التعثر , فالنقد “المعاق” هو مصدر التطور “المعاق” , لم يتم تطور وتقدم شعوب العالم الا على يد النقد , الذي اهتم به آلاف المفكرين من قبل أرسطو الى مابعد رجل العقل والعلم ديكارت
لاتقف الأصولية السياسية تجاه النقد الذي يعريها مكتوفة اليدين ,تحاول هذه الأصولية-السياسية اغتيال النقد بالعديد من الطرق , منها وصمه بعار التخريب , ثم اعتبار النقد هدام, اذ تريد الأصولية السياسية نقدا بناء , بالمقابل لانعرف عن الاصوليين السياسين تقبلهم لأي نقد مهما كان , ينال النقد والناقد دائما حصة غير قليلة من التشويه والتكفير والاتهام بعدم احترام المقدسات ثم التخوين وحتى القتل والاغتيال , الذي كان ضحيته الأخيرة سلمان رشدي ,الذي لم يكن الضحية الأولى وسوف لن يكن الأخيرة .
لقد أفلحت اغتيالات السلفية السياسية في تصفية العديد من النقاد والمفكرين , فرج فودا اردي قتيلا بالرصاص , محمد الفاضل اردي بالرصاص , نصر حامد أبا زيد طلق من زوجته قسرا دون أن يريد الطلاق(الحسبة ) , سيد القمني ارغم على الهروب طالبا الغفران من القتلة ومعلنا التوبة في مجلة روز اليوسف , ارادت الأصولية السياسية تعليق طه حسين على حبل المشنقة ,كما علق الشاعر أحمد النعيمي على حبل المشنقة , وقبل سنوات اردى ناهض حتر قتيلا ,المسثتشار عبده ماهر يحكم بالسجن خمس سنوات , والآن يتعرض ابراهيم عيس لمحاولة هدر دمه , الأمثلة على ممارسات الاجرام بحق النقد والناقدين أكثر من أن تعد او تحصى .
تمثل الأصولية السياسية عاهة أو مرض أو على الأقل اعاقة , قادت الى التخلف والشلل والتحرك نحو غد أفضل ومستقبل أمثل , الغد الذي تريده الأصولية السياسية هو غد الحوريات وغد الخرافات , الذي لايصله الانسان الا عبر قتل الأخر اجتماعيا او حتى فيزيائيا , انه غد الشلل الفكري الجماعي , غد الجريمة والعنف, غد التنكر للأوطان والمواطنة, غد الطائفية غد عبد الله رشدي ووجدي غنيم والحويني وأمثالهم ,
