سمير صادق :
بحث الأكاديمي اللبناني فواز جرجس في كتابه ” تشكيل العالم العربي ” قضايا العلم العربي ,فواز جرجس هو استاذ جامعي يعمل في كلية لندن للاقتصاد , اهتم الكاتب بتفكيك الوضع العربي وتحليله , باختصار يعتبر الكاتب مجمل التطورات في هذه المنطقة كنتيجة لتطورات الدولة المصرية , المحكومة بالتوافقات والتضاربات , والتي كانت حصيلة لوضع الناصرية مع الاخوان , حصيلة لوضع جمال عبد الناصر مع سيد قطب , وبالرغم من غياب سيد قطب عام ١٩٦٦ وغياب عبد الناصر عام ١٩٧٠ , لاتزال تأثيراتهم فعالة حتى هذه اللحظة .
يدعي فواز جرجس بأن محور الخصومات بين ناصر وسيد قطب مختلف عن محور التطابق بين سيد قطب وبين عيد الناصر, فمحور التطابقات عاد الى المصدر الايديولوجي الواحد لكلاهما , حتى ان عبد الناصر كان عضوا في التنظيم السري الاخواني في اربعينات القرن الماضي , التشابه والتوافق العقائدي لم يمنع الخصام بينهما , الذي تجلى على سبيل المثال في محاولة اغتيال ناصر عام ١٩٥٤, .
لم يكن بين ناصر وقطب تباينا ايديولوجيا وبالتالي تباينا سياسيا , كلاهما اتسم بالنزواتية وفقدان الاتجاه والخطة المدروسة والمصنوعة من قبل مؤسسات , كلاهما كان سجين التراث الديني بالدرجة الأولى .. لغة مقدس ودين مقدس وذكورية ثم موضوع الماضي المجيد وضرورة بعثة من جديد اضافة الى مادة العنف وممارسة التكفير والتخوين والاقصاء بربط اي معارضة بالخيانة وبالتالي ملاحقة كل معارض والتنكيل بكل معارض , بحيث يمكن القول بأن التناقض بينهما كان شخصي بسبب السلطة, الصدام بينهما كان حتميا بسبب تماثلهما وليس بسبب تناقضهما بخصوص قضايا المجتمع الأولية الأساسية .
قاد الصراع الشخصي بين قطب وناصر الى خسائر جسيمة للشعب المصري , ليس كما يدعي الحالمون بأن ناصر نجح في اعادة الاعتبار للطبقة الوسطى , لقد كان اعادة اعتبار معنوية ومؤسسة على تنشبيط التحالم وعلى الغوغائية , لم يكن ماديا ملموسا على ظروف الحياة , فبالرغم او بسبب الاصلاح الزراعي تزايد الفقر بسبب شرذمة الانتاج الزراعي وتحويله من نموذج المزارع الكبيرة الى نموذج الحدائق الصغيرة الملحقة ببيت الفلاح , انصاف الفلاح ضروري ولكن ليس بالوسائل التي تؤدي الى افقاره , لقد كان معظم المصريين فقراء , وبعد عبد الناصر أصبح كل المصريين فقراء ,الأمر مشابه في العديد من الدول العربية , التي استلهمت مضامين الناصرية سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا .
لقد كانت ايام الملكية صعبة , الا ان ايام ناصر وقطب والعراك الشخصي بينهما كانت أصعب , الملكية قتلت الحريات تعسفيا والناصرية قتلت الحريات ايديولوجيا , لم يفهم البعض بأن حرية الوطن تبدأ بحرية الفرد , هدر حرية وكرامة الفرد كان مقدمة لهدر حرية وكرامة الوطن , ليس من المفهوم كيف يمكن لنظام الحزب الواحد والشخص الواحد والرأي الواحد ان يمثل تحريرا للمواطن , وكمثال , ليس من المفهوم كيف يمكن سجن الفنان الضرير شيخ امام أن يسهم في تحرير الوطن , وكيف يمكن دفع درية شفيق الى الانتحار ان يسهم في تحرير المرأة ,والشيخ امام كذلك درية شفيق ليسوا سوى نماذج لاغتصاب الحرية كما حدث لاحقا مع نوال السعداوي , فمن سجن وعذب الشيخ امام سجن وعذب الوطن , والأمر ينطبق على معظم في استلب ناصر حريتهم , بعد عام ١٩٥٢ كانت هناك فرصة للترقي , تحولت الى فرصة للتاخر , وبالتالي ضاع مستقبل مصر ولا يزال ضائع , الحاضر هو مستقبل الماضي ومن صنع الماضي ايضا , كيف هو حاضر مصر وغير مصر من بقية الدول العربية الآن ؟
لايختلف الخيال الاخواني عن الخيال الناصري بشيئ رئيسي سوى بالاسم , كلاهما كان سجين الفكر المآمراتي بخصوص الدول الكبرى ,وسجين مرض “الاتهام” والاتكالية واسقاط الفشل على عوامل من الصعب تحديدها او حتى ادراكها سوى بالتخيل والتخبط والخبل , كلاهما كان مؤسسا للدولة العميقة او حليفا للدولة العميقة , كلاهما مثل تيارا رجعيا بالقول والفعل, التأخر هو أحد مظاهر الرجعية, لا اعرف المعايير التي يستخدمها البعض في ادعائهم ان مصر تقدمت تحت حكم الناصرية , وهل تقدمت الدول الأخرى تحت حكم مشابه لحكم الناصرية , لا أرى تقدما , وحتى لا أرى افقا للتفاؤل على المدى القريب او المتوسط ؟