عثمانلي :
تقول فلسفة التاريخ بأن مصير كل شعب مرتبط بمصير العالم أجمع , مع تغلب التأثير الخارجي في العصر الحالي , فأي مشكلة محلية أصبحت في جوهرها دولية ولو جزئيا , لذلك فان أمرالاخونج السياسي لم يعد حصرا أمرا داخليا حصرا , انما له علاقة متعاظمة مع الخارج , الذي يرفض الاخونج السياسي ويحاربه ولا يريد العيش معه ,هناك مؤشرات عن وجود هذا الاخونج السياسي في حالة النزاع الأخير قبل الموت , وشيئ من الصحوة قبل الموت أمر مألوف وليس بالغريب او النادر .
تمر المجتمعات البشرية في تطورها بثلاثة مراحل , أولها مرحلة الخرافة والأساطير , أي اللاعقلانية , ثم مرحلة النهضة والتطوير , أي مرحلة العقلانية , وأخيرا مرحلة العلمية والعولمة التي نعيشها الآن , هذه المراحل تتداخل مع بعضها البعض , واذا سمحت لنفسي بالبحث عن المرحلة التي يتواجد بها الاخونج السياسي بمختلف أصوله واتجاهاته المذهبية , سأجده بدون شك في مرحلة الخرافة والأساطير , التي يبتعد العالم عنها باضطراد , بينما يصر الاخونجية على البقاء بها متقوقعا , وبذلك تعاظم الشرخ بين العالم الذي يقف الآن على أبواب مابعد الحداثة وبين الاخونج السياسي الجامد الورائي ,وبالتالي ارتفع التوتر بينهما , هنا كان على الاخونج اما ان ينتظم في المنظومة الحضارية العالمية , أو أن يتحول العالم الى اخونجية , الانتظام في المنظومة الحضارية العالمية يعني دخول التاريخ , ويتطلب تطورا جوهريا في كينونة الاخونج , تطورا لايقتدر الاخونج على تحقيقه بسبب الثوابت ومبدأ الصلاحية لكل زمان ومكان , لذلك ازدادت غربته وتحول الى معزولا بائسا فقيرا مريضا وشبه منتحرا , سيخسر الاخونج معركته ضد المدنية والتقدم والعلمانية , لأنه ليس للانسان مصلحة حقيقية بالفقر والتأخروالتسلط والديكتاتورية حتى لو كانت سماوية .
طيف الاخونج ليس بالضيق , اذ يشمل حركات ظاهريا سياسية الا أنها جوهرا مذهبية , يمكن تجاوزا اطلاق تسمية اخونج عليها , مثل الاسدية المتشربة بطبائع اخونج فريق آخر , لايختلف عن اخونج مرسي او البشير او غيرهم , كلهم اخونج خارج التاريخ ومعاكسا له وبالتالي فاشلون .
تحترب اشكال الاخونج المختلفة مع بعضها البعض أحيانا , وتتفق مع بعضها البعض أحيانا أخرى , هكذ اتفق الاخونجية من النظام الأسدي مع الاخونجية من خارج النظام بخصوص ما سمي المرسوم ١٦ , الذي تضمن تنازلات من قبل اخونجية النظام مقابل تنازلات من قبل اخونجية خارج النظام , كل منهما استسلم للآخر وكل منهما انتصر على الآخر , مصلحة الطرفان اقتضت الاتفاق في عصر الهزيمة , هزيمة الاخونج الخميني وهزيمة الاخونج الوهابي , هكذا يعيد التاريخ نفسه , فمهما اختلفت انواع الاخونج السياسي ومهما تحاربت , تبتكر دائما طرقا للاتفاق عند اشرافها على الهزيمة , التعارضات بين مختلف انواع الاخونج السياسي ملازمة للتوافقات والتقاطعات بينها ,معيار التوافقات والتناقضات هو اقتسام غنائم السلطة واقتسام الامتيازات , التوافق ضروري عموما عند الضعف .
لنأخذ المرسوم التشريعي رقم ١٦ مثالا , يتعلق جوهر هذا المرسوم بمهام واختصاصات وزارة الأوقاف , اعطى هذا المرسوم وزارة الأوقاف صلاحيات كبيرة , وبالتالي استنسخ النظام السعودي الوهابي , لم يكن هدف المرسوم ضبط الاخوان انما الانضباط اخونجيا, فانشاء ١٣٥٥ وحدة دينية في البلاد بادارة ١٣٥٥ مفتي , لايمثل ضبطا لفريق اخونجي من قبل فريق اخونجي آخر, ولاتمثل اقامة ماسمي المجلس الفقهي الأعلى ضبطا للاخوان , انما تأكيدا على حصتهم وتزايد هذه الحصة , أصلا لالزوم لهذا المجلس الفقهي الأعلى ولا لزوم حتى لوزارة الأوقاف , لايمثل تأسيس الفريق الديني الشبابي برئاسة ابن وزير الأوقاف الغاءا للمساجد انما اقامة مساجد اضافية , ولا يمثل الغاء الاتحاد النسائي ثم الترخيص للقبيسيات سوى تطورا باتجاه الدولة الدينية , أي دولة الأخونجية , سوف لن يتحقق لهم مايريدون ,لأن العالم شرقا وغربا لايريد ذلك , العالم لايريد داعش ولا يريد نسخة ملطفة light عن داعش , حتى ولو أقر مجلس الشعب الموقر ذلك .
تتواجد كل اشكال الاخونج في حالة ضعف , القوة ليست بالارهاب وببتر الرؤوس واحراق الأحياء وبيع النساء , يكمن جوهر القوة في اقامة مجتمعا عادلا حرا وديموقراطيا وبالتالي قويا ومتماسكا , ثم ماهي دوافع الانسان للعيش تحت ادارة وزارة الأوقاف وفي جمهورية الأوقاف السورية , هل لأن وزارة الأوقاف تملك مفاتيح جنة السماء ومفاتيح جهنم الأرض , مهما بلغ تعظيم امتلاك مفاتيح جنة السماء والتضليل بجنة السماء , ففي نهاية المطاف , مهما طال , سيهتم الانسان بجنة الأرض ومفاتيحها…. هكذا تطورت كل شعوب الدنيا الى الأفضل