سمير صادق , مفيد بيطار :
مفهوم العروبة المنتجة للقومية العربية ثقافي , بينما مفهوم الوحدة العربية بمعظمه سياسي , مفهوم القومية مستقل عن مفهوم الوحدوية ,فالدولة الواحدة قد تحتضن عدة قوميات , والقومية الواحدة قد تتوزع على عدة دول , البعض يدمج بين المفهومين , مما يقود الى اعتبار مهمة الوحدة تلبية لرغبات القومية , أو أن مهمة الوحدة حصرا اثبات صحة الفكر القومي , وما هي الفائدة من اثبات صحة الفكر القومي , عندما تتحول الوحدة الى اعتباطية والى ممارسة للانقسام والتفتت , أو الى مشروع استعمار أو استغلال ؟؟
من أهم اسباب فشل الوحدة السورية -المصرية كان غياب الوعي الديموقراطي عند الأطراف المشاركة , وهذا الغياب كان بشكل رئيسي عند الجانب المصري , اذ تقدمت مصر آنذاك على سوريا في ممارسة تأليه الشخص , لقد خرجت سوريا من مرحلة رائدة ديموقراطيا بين عام ١٩٥٤ وعام ١٩٥٨ , بينما ارتمت مصر في أحضان ثقافة عبادة الشخص والديكتاتورية , الشخص كان البكباشي جمال عبد الناصر , الذي كان في ذلك الوقت مراهقا سياسيا , بينماما كان على الجانب الآخر الديموقراطي شكري القوتلي .
تمكن بعض العسكر السوري , بدون علم الحكومة آنذاك من أقناع ناصر بصحة مشروع الوحدة الاندماجية, حرص هؤلاء انصب على محاولة الحفاظ على مواقعهم التي تجاوزت رتبهم العسكرية , اتجهت فترة مابين ١٩٥٤ و١٩٥٨ باتجاه منع تمادي العسكر وحصر السلطة المدنية بالمدنيين , مما لم يرق لهم , ومما دفعهم الى محاولة تغيير السلطة عن طريق اعطائها لعبد الناصر في اطار الوحدة , خاب أملهم بعد الوحدة , اذ خسرروا كل شيئ ,جاء عبد الناصر بالعسكر المصري , ومارس عليهم وعلى الجميع كل أصناف الاذلال , ذهبوا وذهبت أحلامهم معهم .
لم تكن الناصرية غريزيا ديموقراطية , بل كانت ولاديا ديكتاتورية , فعبد الناصر لم يجد في محاولات الضباط السوريين أي شائبة ولم يسأل عن صلاحياتهم ومن وكلهم بأداء مهمة الاقناع بالوحدة , لأن هذه الأسئلة تقع خارج اطار تفكيره ووعيه السياسي, الذي كان في تلك الأيام لايزال بكباشيا , وبالاسلوب البكباشي تعامل عبد الناصر مع القطر الشمالي , الذي تحول فورا الى ذيل للقطر الحنوبي , القطر الجنوبي وناصر تحولوا بين ليلة وضحاها الى استعمار ورئاسة استعمارية , لقد نقل ناصر كل اجهزة الادارة السورية الى مصر ,وأرسل الى سوريا المخابرات والسراج والمخبرين , يقال بأنه كان على نائب عبد الناصر الذي كان على ما أتذكر السوري أكرم الحوراني أن ينتظر ساعات كل يوم ولعدة أيام لكي يستطيع مقابلة عبد الناصر !.
العبرة من كل ذلك هي التأكيد على أن ثقافة الديكتاتورية المتواجدة في القطر قبل الاتحاد أو الوحدة , تبقى متحكمة بقواعد التعامل بين الأقطار التي توحدت , عنجهية عبد الناصر تجاه المصريين تمددت لتشمل السوريين أيضا , وهذه العنجهية كانت من أهم أسباب الانفصال الذي وقع قبل نهاية سنة الوحدة الرابعة,
ملخص القول , يترافق مشروع التوحد بالكثير من العقبات والتحديات , ولحالة القطر قبل التوحد أهمية قصوى , فان كان الأمر توحد أو اتحاد يجب أن يكون القطر قبل الاتحاد مبنيا على أسس ديموقراطية حضارية وممارسا لثقافة الاعتراف بالآخر على قدم المساواة , التعامل مع الآخر ديكتاتوريا واقصائيا هو المؤشر الأكيد على حتمية تفتت البنية الوحدوية التي تمت صياغتها ارتجاليا واعتباطيا وبشكل غير مدروس وغير علمي .
الحاضن الرئيسي للفكر التوحيدي العربي أو بالأحرى فكرة توحيد سوريا ومصر كان الفكر القومي الذي ركبه العسكر , الفكر القومي غير مؤهل للقيام بهذه المهمة السياسية , ولما كانت العنصرية من أحد معالم الفكر القومي بشكل عام , لذلك فانه من غير المتوقع أن يتم تعامل الاقطار مع بعضها البعض ديموقراطيا وبعيدا عن العنصرية , لقد شتت الفكر القومي العربي سوريا عن طريق استفزازه للقوميات الأخرى مثل القومية الكردية ومحاولته الهيمنة عليها لابل تعريبها أي حذفها , وذات الفكر القومي العنصري الاقصائي سيدمر كل مشروع وحدة مستقبلية,أصلا مات فكر الوحدات بالضربة الوحدوية السورية المصرية القاضية
يعزى نجاح مشروع الاتحاد الأوروبي للعديد من الأسباب , ومن أهمها كان القضاء على الفكري القومي لكل من دول الاتحاد الأوروبي ثم بداية التوحيد تكامليا وليس اندماجيا , والاتحاد الأوروبي كان لمصلحة الجميع , ولم يكن استعماريا استغلاليا , والبرهان على ذلك هو طريقة التعامل مع الأزمة اليونانية او البرتغالية او الايرلندية وغيرهم , الاتحاد ممكن بين العديد من الشعوب والعديد من القوميات والعديد من اللغات , ولالزوم في الاتحاد للتاريخ المشترك ولا للعادات والتقاليد المشتركة وانما فقط للمصلحة العليا لكل من الدول الاتحادية وللاتحاد , فألمانيا داخليا اتحادية ولا يتكلم أحد عن الأمة الألمانية ولا عن القومية الألمانية ولا عن العادات والتقاليد , وألمانيا خارجيا في أوروبا اتحادية وليست موحدة اندماجيا مع فرنسا أو اسبانيا او غيرهم