ميرا البيطار :
لا جدل في اهمية حركة سياسية , مضمونها او هدفها توحيد دولتين أو حتى انفصال دولة الى عدة دول , الجدل هو حول شروط أي تطور سياسي , هناك العديد من الأسئلة بخصوص الوحدة , منها هل الوحدة العربية هي شرط من شروط بناء الدولة الديموقراطية ؟ , أو أن الدولة الديموقراطية هي شرط من شروط الوحدة العربية بين دولتين أو أكثر ؟ .
لقد فشلت الوحدة السورية -المصرية للعديد من الأسباب , منها أهمها كان تدشينها بمشروع التردي الديموقراطي ,الذي اسس عبد الناصر له في مصر قبل تحوله الى والي سوريا ,لقد استباح مصر قبل استباحته للقطر الشمالي , تمثل التدشين بالتردي بحل عبد الناصر الأحزاب , حل الأحزاب كان في جوهره تأبين لثقافة السياسة , اذ لاسياسة بدون أحزاب سياسية , بذلك تم وأد الوحدة مباشرة بعد ولادتها , وحتى قبل بلوغها مرحلة الطفولة .
لاجدل حول امكانية الوحدة , ولكن هناك العديد من المفارقات حول اعتبار هذه الوحدة “حتمية” اي قدرية , لا أظن بأن المروجون لمفهوم حتمية الوحدة على ادراك كاف بفلسفة الحتمية اللاغية للارادة الحرة والمقزمة للخيارات , انها نوعا من السجن او الزنزانة ذاتية الصنع , لذلك فالحتمية مرفوضة لكونها لاغية للارادة واقصائية لكل ما هو خارج دائرة التمني , ولكونها بشكل أو بآخر وهم .
الوحدة ممكنة وقد تكون ضرورية عند توفر شروط اقامتها , وعند توفر المقدرة على اقامتها ثم الحاجة الى اقامتها نفعيا , الا أنها ليست حتمية ولا تمثل ضرورة حياتية مطلقة , فكل الدول المرشحة للتوحيد في هذه المنطقة تملك مايكفي من الجغرافيا وما يكفي من الموارد البشرية والطبيعية , وتستطيع الاستمرار والتقدم والازدهار بدون وحدة او اتحاد مع غيرها , .
بما يخص امكانية اقامتها , لابد هنا من التأكيد , بأن الامكانية تتعلق بشكل اساسي مع وجود دولا وطنية ديموقراطية مستقرة , لايمكن اقامة وحدة بين دول مفتتة ومتفسخة داخليا وغير مستقرة , توحيد الكيانات المضطربة يعني توحيد الاضطراب وتعاظمه , وبالتالي مقدرته على تفشيل الوحدة , توحيد الفشل لايعني تحقيق النجاح .
لا يجوز للوحدة أن تكون منتجا من منتجات الطليعة نيابة عن الشعب , بل يجب أن يكون الشعب عمادها وركيزتها , القصد هنا هو الشعب الواعي المتنور , وليس الشعب المتوهم المكذوب عليه , فالوحدة المؤسسة على الوهم ستتحول الى وهم , وهكذا تحولت الوحدة السورية -المصرية الى وهم , وفشلت , لأنها قامت على أوهام ضباط البعث وعلى أوهام العملقة الشخصية لعبد الناصر .
الوحدة ليست الغاية التي تبرر كل واسطة , لاثقة لاثقة بنجاح وحدة تقوم على وسائل غير ديموقراطية , كتزوير نتائج الاستفتاء بالادعاء أن 99,99% من الشعب المصري والشعب السوري ارادوها فورية اندماجية , ثم بالادعاء بأن 99,99% من الشعب المصري والشعب السوري أرادوا ناصر رئيسا للدولة الجديدة , الدولة التي تقوم على الكذب تتحول الى كذبة ,
الوحدة مهمة لما يمكنها ان تحمله من ايجابيات ومن سلبيات ايضا , هناك شك كبير بامكانية نجاح وحدة تقوم على المعنويات وعلى مشاعر البشر بالانتماء الى أمة واحدة , فالانتماء الى أمة واحدة ليس شرطا من شروط نجاح الدولة , لا أعرف كم هو عدد الأمم التي قامت أمريكا على اكتافها , والقول ان مايجمع هذه الأمم هو المصير المشترك لأنهم يتكلمون لغة واحدة وينتمون الى دين واحد جهل وضلال , كيف ذلك ونحن نرى العديد من الدول , التي قامت على اكتاف شعوب وأمم تتكلم العديد من اللغات , هناك في الاتحاد السوفييتي سابقا وفي روسيا حاليا عشرات اللغات , واين هي الدولة الناجحة , التي ينتمي شعبها الى دين واحد , وما هي علاقة الانتماء الديني أصلا باقامة دولة ؟ , لا وجود لشعب ينتمي بأكمله الى دين واحد سوى السعودية , وهل السعودية دولة ؟.
هناك شك كبير في فهم العموم للعلاقة بين الأمة والدولة , فالأمة الواحدة ليست شرطا من شروط اقامة الدولة الموحدة , وهل كان هناك وضوح بخصوص الأمة العربية الواحدة ثم الأمة الاسلامية الواحدة , وكلاهما كان ركيزة اساسية من ركائز الثقافة الوحدوية , لقد كانت الأمة العربية الواحدة وهما ,وكانت الأمة الاسلامية وهما أكبر , والدليل على التوهم كانت النتائج بعد قرن من التنكص المتزايد للدولة , النتائج برهنت على انتفاء الأولى وانتفاء الثانية, تبخرت الركائز أي مفهوم الأمة عربيا واسلاميا , وتبخرها قاد الى التماهي مع البنيات القديمة , أي الى بنية ماقبل الدولة أي البنية القبلية العشائرية الطائفية , نسخة طبق الأصل عما حدث في السقيفة ,عندما تغلبت القبيلة والعشائرية على فكرة الأمة الاسلامية.
الديموقراطية , لا الوحدة , هي الهدف والغاية , لأن الديموقراطية القطرية أحد أهم شروط قيام الوحدة بين الأقطار, كما برهنت أوروبا على ذلك , بخصوص كل مشاكل الدول, الديموقراطية هي الحل , الاسلام السياسي او الفكر القومي العربي المنبثق عن الاسلام السياسي لم يمثل الحل الخلاصي , وعلى هذه الحقيقة برهنت تطورات القرن الماضي , التي تمثل الفشل الكارثي بعينه .
اذا كان توحيد الدول ضرورة , فالديموقراطية هي المدخل الى الوحدة , التي عليها الخضوع لشروط الفائدة والنفعية والتمكن , الوحدة ليست المدخل الى الديموقراطية , , فبالوحدة المصنعة وليدة مصالح ضباط البعث ومصالح عبد الناصر الشخصية , بدأ تأسيس وتكريس الديكتاتورية , الضلال بخصوص الأمة الواحدة والشعور بالانتماء الى العروبة لغويا وثقافيا لاينتج دولة سياسية , والدولة سياسية بطبيعتها .
العروبة ليست سياسة والاسلام ليس سياسة , وبسبب ذلك كان الفشل بقيادة الاسلام العروبي أو العروبة الاسلامية