سمير صادق :
في البداية وبعد ولادة الدولة السورية في عشرينات القرن الماضي, تعززت العلاقات بين مكونات الشعب السوري على صعيد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لفترة قصيرة جدا وبفعل عوامل ومؤثرات عديدة ومختلفة في ظل الرابط الوطني السوري , هذه العلاقات التهبت وتقيحت بعد ذلك بفعل الاتجاهات السياسية التي ولدت مع ولادة الدولة السورية ….مع ولادة الدولة السورية أو قبل ذلك ببعض السنين, نشط اتجاه قومي واتجاه اسلامي سياسي , وبعد ولادة الاتجاه القومي والاتجاه الاسلامي السياسي بدأ انتهاج سياسات التمييز والاضطهاد والتنكر للحقوق, مما قاد وبسرعة الى احباط متزايد لمنهجية تكريس مفهوم الوحدة في التعددية وتحوله الى منهجية لاوحدة مع التعددية , هذه المنهجية التي ترفض الوحدة في التعددية لازالت قائمة حتى هده اللحظة , ومن نتائجها كان التشظي والتجزأة والانقسامات ,التي تطورت الى خلافات, وبالتالي ألى أزمة عميقة قادت الى حروب دمرت البلاد وأوصلتها الى حد الاندثار.
بدأت حالة الاندثار مع صدور الدستور من عام ١٩٥٠ الذي أكد على عروبة سوريا وشعبها , وبالتالي انعكس ذلك على كل سياسات الدولة وتوجهاتها ,سياسات اتصفت بالغربة عن الواقع السوري والروح السورية لصالح واقع افتراضي عروبي , تاهت سوريا في اللخبطة العربية ولم يعد من الممكن فك الارتباط بين سوريا وواقع التوهم العربي الافتراضي , في عام 1958 قامت الجمهورية العربية السورية والتي عمرت حتى عام 1961, والتي منعت أي تظاهر لوجود التعددية والتباين الثقافي , الذي تجلى على سبيل المثال بمنع التحدث باللغة الكردية, ثم محاربة الاتجاه القومي السوري الذي بدأ قبل ذلك بعقد من الزمن والذي كانت مقدمته الحكم يوم ٨-٧-١٩٤٩ على أنطون سعادة بالموت رميا بالرصاص وتنفيذ الحكم قبل شروق شمس ذلك اليوم.
مارست حكومة الانفصال من عام ١٩٦١ استمرارية الاعتداء على فئات من الشعب السوري ,وانتزعت من عشرات الآلاف من الأكراد جنسيتهم وبالتالي حرمتهم من حقوقهم , والبعث الذي أتى عام ١٩٦٣ استمر في ممارسة العنصرية فقام بتنفيذ مشروع الحزام العربي, الذي تم عن طريق انتزاع الأراضي من الأكراد واعطائها للعرب في ريف حلب والرقة ,وذلك على طول شريط حدودي بطول ٣٥٠كم وعمق ٢٠ كم , دستور ١٩٧٣ اختزل البلاد بالعروبة, والعروبة بالبعث, والبعث بالعائلة,والعائلة ببيت الأسد , انتقال السلطة الى الوريث عام ٢٠٠٠ لم يغير الحال الا الى الأسوء , عام ٢٠٠٤ كانت هناك مجزرة في ملعب كرة القدم في القامشلي , وفي عام ٢٠٠٨ صدر مرسوم تشريعي بخصوص تملك الأراضي على الشريط الحدودي , ثم جاءت حركة ٢٠١١, التي كانت ثورة لم تعمر طويلا , وما حصل بعد ذلك معروف لدى الجميع ,
لم تتمكن المعارضة التي نشطت عام ٢٠١١ لعدة أشهر من الاعلان عن تصور حضاري منصف بخصوص الأكراد , والفصائل الاسلامية التي نشطت بعد عام ٢٠١٢ لم تكن ثورة ولا علاقة لها بمفهوم الثورىة, وما عرفنا عنها لايميزها عن النظام الأسدي, لابل أسوء من النظام الأسدي بدرجات, هذه الفصائل كانت ولا تزال أسيرة عقليّة الإنكار والإلغاء وعدم الاعتراف بالتعدّد والتّنوع والخصوصيّة , اضافة الى كونها ممثلا دمويا للطائفية في خطابها وتفاعلاتها مع الغير.
تمثل التعددية ويمثل التنوع حقيقة التربة الخصبة والطبيعية للابداع والتطور والاثراء الانساني , ثم أن التعددية والتنوع هم من طبيعة البشر والبشرية منذ أن وجدت, وحتى ضمن الطائفة هناك تعددية وضمن الحزب وضمن العائلة ,القضاء على التعددية غير ممكن عمليا وممكن تلفيقا حيث يدعي الناس قسرا بأنهم يتبنون أفكار القائد الملهم أو الأحكام التوحيدية لمذهب معين تحت تأثير ارهاب السوط والساطور .
الانتماء الوطني هو الجامع بين عموم ابناء وفئات الشعب ومن طبيعة الشعب أن يكون متنوع , ومن طبيعة الانسان أن يسعى الى البقاء, وكل محاولة لتحويل البشر الى نوع من المعلبات المتشابهة هو اعتداء على الطبيعة البشرية, كل فئة أو حزب أو منظومة تريد اعتماد فكرها وأحكامها منهجا للآخرين قسرا هي فئة تريد تدمير الآخرين , الديكتاتوريات السياسية والدينية والفئات التي تعتبر نفسها وأفكارها مقدسة ولا ترضى عنها بديلا هي فئات قاتلة للحياة