ممدوح بيطار :
مهداة الى الذين يريدون العودة الى اسبانيا كفاتحين .
هناك فروق بن مفهوم الغزو والاحتلال والفتح , فروق تعود الى الجهة التي عليها اتخاذ موقف من هذا الأمر , فمن وجهة نظرالعروبية الاسلامية هناك افتخار وترحيب بأي عملية غزو أو احتلال عربي اسلامي لأرض الغير , وهناك امتعاض واستنكار لاحتلال الغير لأرض العرب المسلمين , استعمار العرب للغير نعمة حضارية , وكأنه عند عرب الجزيرة حضارة يمكنها المساهمة في التقدم , انهم سابقا ولاحقا ذيل العالم , اينما حلوا حل الخراب كالجراد حسب تعبير ابن خلدون ,
بشكل عام يجب اعتبار غزو بلاد الغير أمر عدواني واحتلال بلاد الغير عن طرق الغزوة اكثر عدوانية وانحطاطا , أما الفتح الذي يختلف عن الاحتلال بكونه يتضمن التملك , فهو من أحط المنحطات , الاحتلال يأتي ويذهب أم الفتح فيأتي ولايذهب , وللفتح مضاعفات خارقة للأعراف السابقة واللاحقة منها على سبيل المثال سماح الفاتح لنفسة تغيير كل شيئ في المناطق المفتوحة , كاللغة أو الانتماء الديني , انه تغيير على مزاج الفاتح على أرض الممتلكات الجديد , المالك الجديد لايساوي بين شعبه وشعب المستعمرات , أو شعوب الأرض المفتوحة , وبذلك يتميز الفتح بكونه من أسوء أشكال الاستعمار … يوصف بأنه استعمار استيطاني , الا أنه حقيقة أسوء بكثير من الاستعمار الاستيطاني , انه استعمار تملكي كغنيمة حرب ….حلال زلال على الفاتح , حتى أنه أسوء بكثير من احتلال اسرائيل للجولان أو فتح اسرائيل للجولان , لايمكن مقارنة الفتوحات العربية بأي استعمار آخر , انه أحط من المنحط .
استحباب أو استحسان أو تأييد الفتح أو الغزوة او الاحتلال وتملك بلاد الغير هو أمر بمنتهى الخطورة , الخطورة أولا في تدمير أخلاق الفاتح عن طريق اعتياده على النهب كمصدر للرزق , وهذا مايفسر ولو جزئيا الوضع العربي الاسلامي الحالي , ثم خطورة منطق ازدواجية المعايير , لاحقوق لمن لايعترف بحقوق الآخرين , لذلك لاحقوق للعرب الذين يتحسرون حتى الآن على اسبانيا بما يخص استقلالهم , والخطورة الثالثة تتمثل بتأهيل المروج لنفسه لممارسة الغزو مجددا وعندما تسنح له الفرصة , وهذا الأمر قاد الى العديد من الاشكاليات المدمرة لحياة الغزاة بالدرجة الألولى , كيف تدهور العراق بعد غزوة الكويت ؟؟وماذا استفادت سوريا على المدى الطويل من تسللها الى لبنان وتعفيش بيوت اللبنانيين ثم اغتيال العديد منهم .
لقد تعرض المؤرخ العراقي علي الوردي لموضوع الفتح والاحتلال في كتابه وعاظ السلاطين , قال الوردي على صفحة كتابه(٢٠٤) حول الغازي الفاتح المحتل مايلي :
“يتبجح بعض هؤلاءالمغفلين بذكرى الفتوح التي قام بها اجدادهم وهم لو أنصفوا لنكسوا رؤوسهم خزياً” , أي أن الوردي لايرى في الفتوحات سوى الخزي والعار, وهذا أمر منطقي وأخلاقي , وخطر في آن واحد وذلك للاسباب التي ذكرت طيا , في صفحة (٢٠٧) كتب الوردي”ومن أعجب المفارقات اننا نستبشع غزو تيمورلنك لبلادنا ونعده العن خلق الله, هذا ولكننا نمجد تلك الغزوات التي غزا بنو امية بها العالم واستعبدوا الشعوب وانتهكوا الحرمات” , هنا استهجن الوردي الازدواجية ,لذا لاحق للعرب المتحسرين على فقدان اسبانيا بفلسطين , ويمكن القول على أن مسلكية العرب في هذا الخصوص سهلت وشرعنت احتلال فلسطين بقدر قد يكون صغير أو كبير ,
من أكثر الأمور مخاتلة وكذبا ورياء كان توضع الذات المحتلة الفاتحة في مرتبة عالية مقارنة مع مجرمين التاريخ المعروفين , كتب الوردي على صفحة (٢٠٨) من كتابه “قد يقول قائل بأن فتح بني امية كان يختلف عن فتح تيمورلنك فذلك فتحا عادلا في سبيل الله وهذا فتح ظالم في سبيل الشيطان, ولست أرى أسخف من هذا القول” هنا امتزجت السخافة مع النجاسة ومع احتقار الآخر , الذي يعرف عن حيثيات الفتح أكثر مما يعرف الفاتحون.
أساس العدل والأخلاق تطلب دائما المقدرة على وضع الذات مكان الآخر , هل سيتغير موقفك لو كنت مكاني ؟؟ , قال الوردي صفحة (٢٠٨) “” إننا نصف الفتح الاموي بالعدل لأننا استفدنا منه,وأهالي سمرقند يجوزان يقولوا عن فتح تيمورلنك ما نقوله نحن عن فتح بني أمية,كلٌ ينظر في الأمور بمنظار مصلحته ,وينسى مصلحة الأخرين, ولو نظرنا في الامر نظرة الإنسانية العامة لوجدنا الفتوح كلها ظالمة في نظر من تقع عليه””هل يتقبل المسلم دفع الجزية لمن يحتل بلاده ؟؟
بالرغم من تأخر العرب المسلمين نراهم يرفضون حتى التلوث بأوروبا , أتريد فرنسا اعتبار الجزائر جزءا منها ثم فرنستها !!معاذ الله , ولأجل منع ذلك لابأس من التضحية بمليون جزائري …, كلنا وجدنا الموقف الرافض للفرنسة صحيح , والبعض يأسف على المليون ضحية وعلى الانفصال عن فرنسا , عقلانيا وبدون عواطف ومعنويبات كان أفضل للجزائر لو بقيت جزءا من فرنسا , وياليت سوريا تصبح جزءا من ألمانيا أو السويد أو أمريكا , تحولت الشعارات والعنتريات الى ثرثرات أي عادت الى طبيعتها الأصلية .
قال الوردي في صفحة(٢٠٩)””يقول المؤرخون أن الجيش الاموي الفاتح عندما دخل المدينة بعد واقعة الحرة أباحها ثلاثة أيام”فأستعرض أهل المدينة بالسيف جزراً كما يجزر القصاب الغنم حتى ساخت الاقدام في الدم وقتل أبناء المهاجرين والأنصار”” هذا كذب !!!, البرهان هو عند لوبون , وعلى ذكر لوبون أعجب من ذلك التأليه له من قبل الاسلاميين , الذين يعتبرون كل أوروبي كافر وكاذب , باستثناء لوبون , وكأن كلامه آية من القرآن , وحتى ابتذال كلامه ودمجه المتناقضات مع بعضها البعض لم يثير أي شيهة أو شك في عقولهم المشلولة … فكيف يكون الفتح عادلا , والفتح أساسا هو عبارة تطويب أرض المسروق على اسم السارق !, وفي نفس الصفحة(٢٠٩) كتب المؤرخ الوردي “وليس في هذا غرابة فالفتح هو الفتح في كل زمان ومكان, جرى الفتح الاموي في المدينة فعرفنا خبره ولكننا لا ندري كيف جرى في بلاد بعيدة, وكيف قاسى الناس هناك,فالجنود الذين يفعلون هذا الفعل في مدينة الرسول, لا يبالون أن يفعلوا مثله في بلاد الاعاجم والكفرة” , أيضا هذا حقد وافتراء على الاسلام , ألا تتذكرون ماقاله لوبون !.
في صفحة (٢٠٣) كتب المؤرخ الوردي “يُقال ان موسى ابن نصير غنم من غزواته في افريقيا ثلاثمائة الف اسير فبعث خُمسْ هؤلاء الاسرى الى الخليفة عملاً بحكم القرآن …الخ” ثم كتب في نفس الصفحة “ذكروا أن موسى ابن نصير عاد من الأندلس ومعه من السبايا ثلاثون ألف عذراء فذهبن طبعاً الى قصور امير المؤمنين …الخ” , أهذه هي شمائل المسلمين العرب!, ثم كتب على صفحة (٢٠٩)”و لا غرو بعد هذا ان نرى موسى ابن نصير يجر وراءه من السبايا ثلاثين ألف عذراء بعد فتح الاندلس”. هذا هو الفتح الرحيم !هل يمكن اظن بأن أولئك العذارى وقعن في الاسر طوعاً واختيارا. ان المجاهدين الفاتحين لا بد قد خطفوهن من البيوت بعد أن قتلوا رجالها ونهبوا ما فيها فليس من المعقول ان يذهب المجاهدون الى بيوت المدن المفتوحة فيطرقون الباب ويقولون: “اعطونا عذراء في سبيل الله”,. إن سبي كل فتاة وراءه قصة طويلة من النهب والسفك وانتهاك الحرمات, . من كثرة الأسرى بيد أرحم الفاتحين , كان هناك “افلاس” في تسويقهم , قال الوردي “,وقد اسر المجاهدون في احدى معارك الاندلس عدداً كبيراً من الأسرى بحيث أنهم أخذوا يتخلصون منهم بابخس الاثمان فبيع الأسير بدرهم واحد وبيع البعير بخمسة دراهم”.
هناك استعدادا نفسيا لدى المؤيدين للفتوحات لمحاولة تكرار ممارساتها , هنا الكارثة !!!!! , الغرب والشرق ينتظر من الأعراب أي هفوة ليدور سوط الفلق …. وهم صاغرون !
لاتقتصر الشهوة لاستعادة اسبانيا على السيدات في الصورة المنشورة , وباء الشهوة لاستعمار الغير وسرقة أرضه وحريته جائح , والمصابون بهذا الداء هم الاسلاميون بشكل عام , هؤلاء مصابون بعصاب الاستعمار , وما يعذبهم اضافيا كونهم مخاصي ومصابون بعنانة القوة , يريدون ولا يتمكنون !!
