التخاصم مع التاريخ , وخروج العرب منه …
سمير صادق :
كتب السيد محمد علي صايغ مايلي “هم يريدون أن نكفر بتاريخنا وأن نتملص منه ونطلب المغفرة عنه .. تلك اول الخطوات الاساسية على طريق إنهاء وجودنا ..” لي ملاحظات على رفض السيد صايغ لممارسة الاعتراف بالخطأ وبالتالي الاعتذار , أي مانطلق عليه عملية التصالح مع التاريخ , وهل يهدد الاعتراف بالخطأ ثم ممارسة الاعتذار وجود قوم السيد صايغ ؟؟؟؟
يقال ان العرب استعمروا شعوبا كغيرهم من المستعمرين ,بدون أي شك لاوجود لأي دولة أو مجتمعا الا واعتدى على غيره , الشر عمومي , الا أن عمومية الشر لاتشرعنه وتحوله الى قاعدة للحياة وللتعامل مع ابناء الحياة , الشر المعمم لايغيير من استثنائيته , كل مستعمر برع في تبرير استعماره بشكل ما وطريقة ما , أهداف الاستعمار كانت في معظمها ريعية مادية وذاتية بحتة … بريطانيا استعمرت الهند , لذلك كان عليها استعمار الطريق الى الهند أي قناة السويس … استعمر العثمانيون البلاد العربية لأنهم خلفاء الخلافة العباسية , لايعتبرون نفسهم مستعمرين , انما موكلين من قبل الله برعاية اخوانهم في الدين في بلاد الشام وغيرها من المناطق …
لا نرى “عربيا” أي امكانية للخلط بين مفهوم الفتح ومفهوم الاستعمار ,ولا نرى ” اعجميا ” امكانية الفصل بين المفهومين , فاللغات الأجنبية لاتفرق بين مفهوم الفتح ومفهوم الاستعمار , عربيا تشير مفردة ” فتح” في المعجم الوسيط إلى “التغلب والتملك “، أما المفهوم السياسي للفتوحات فهو “ضم” البلاد المفتوحة إلى الجهة الفاتحة, واعتبارها ولاية من ولاياتها, وتطبيق نظاما خاصا بها مستمدا من ثنائية “السيد -العبد” على الولاية الجديدة, جذور هذا النظام متحذرة في الكتاب وفي ارادة الخلفاء والفقهاء.
يدعون بأن الفتوحات لم تكن تستهدف استعمار السكان والأرض , إنما استهدفت نشر الدعوة والجهاد في سبيل الله , لامنطق في نشر الدعوة عن طريق الاحتلال او الفتح بالسيف , فمفهوم الدعوة لايتضمن مفهوم السيف والغزو والقتل والذبح, ولا يتضمن مفهوم اسلم تسلم ولا تتضمن السبي والجواري ولا تتضمن غنائم الغزوة وطرق توزيع الغنائم ولا العهدة العمرية ولا مجمل ماقام به الفاتحون البدو العرب لمدة ١٠٠٠ سنة ومن بعدهم العثمانيون لمدة ٤٠٠ سنة بالمجل ١٤٠٠ سنة من الجمود والعنف والحروب والاستغلال والاجرام والتعريب ثم التتريك , مما قضى على ماضي وحتى حاضر ومستقبل هذه الشعوب
يدعي الفاتحون بأنهم لم يستهدفوا السكان اسلاميا ,لا أرى صحة ذلك , فاعتبار الأرض ولاية والعمل على أسلمة الناس أو دفع الجزية ثم خلق المجتمع الطبقي هو استهداف للبشر , استهداف غير انتماء الناس الديني وغير ديموغرافية البلاد كما حصل في سوريا , لقد أصبح بعض الناس في سوريا عبئا على عروبية بدو الجزيرة , لذا كان عليهم أن يصبحوا عربا , وهذا ماسمي التعريب …, وهم في الأصل لاينتمون للعرب والعروبة , تحويل واستهداف كان السيف أداته ووسيلته ,ومايقال عن اللطف والرقة وحرية الخيار ..لكم دينكم ولنا دين , ليس الا تلفيقة ومحاولة لتبييض الأسود وطلاء الرزيلة بطلاء الفضيلة .
ليس الهدف من بحث هذه الاشكاليات بالدرجة الأولى مقاضاة من فعل ذلك , انما الحض الى ضرورة التصالح مع التاريخ , وانهاء الخصام معه , ثم البرهنة على ضرورة هذا التصالح , والتصالح مع التاريخ لايتم الا بالمصارحة والاعتراف بالخطأ , لقد تصالح الشعب الألماني مع التاريخ , بعد أن أجرم بقيادة القيصر وبقيادة الفورر, وأشعل نار حروب عالمية , اعتذر الألمان وتمت تسوية وضعهم عالميا , وأسسوا دولة جديدة تمكنت من تصدر العالم علميا وحضاريا وانسانيا , أما العرب فلايزال الكثير منهم يعتبرون طرد العرب من اسبانيا عملا شريرا , فاسبانيا عربية , وعليها العودة الى الخلافة الاسلامية , ليس فقط اسبانيا وانما الهند أيضا , اذ خرب ذلك “الوغد” غاندي طبيخ الدولة الاسلامية , التي كان لها أن تقوم في الهند كاستمرار لحكم المغول المسلمين .
هناك صعوبة بالغة في ممارسة الاعتذار عند الصغار , فالاعتذار من شيم الكبار ,والكبار وحدهم يملكون الرصيد المعاوض , يملكون من الحسنات مايغطي السيئات , وأين حسنات العرب , التي يمكنها أن تعاوض عن أخطاء العرب ؟ هل اعتذروا ؟ هل قاموا بواجباتهم تجاه البشرية ؟ ,لم يعتذروا , لابل يهدد بعضهم ويبشر بعودة الفتح الى اسبانيا , بشارة بمنتهى الجلافة , الجلافة هي السبب الرئيسي للتجاهل وللتعنت وللتنكر للحقائق والخلق السليم , وللتزوير والرياء العبثي الهادف الى صبغة الرزيلة بصباغ الفضيلة.
سيان أن تم الاستعمار بمباركة جلالتها البريطانية أو مباركة جلالة الخالق السماوية , الحق والمنطقي , هو رؤية الوضع من وجهة نظر شعوب المستعمرات , وليس من وجهة نظر المستعمر فقط , لم تطالب شعوب المستعمرات بقدوم طارق ابن زياد ؟؟؟, ولا يعرف التاريخ شعبا طلب استعماره من الغير,واذا كان اعتناق الاسلام مطلب هذه الشعوب فليعتنقوا الاسلام عن طريق الدعوة وليس عن طريق أسلم تسلم , لقد اعتنق البعض المسيحية دون سيوف بولص ودون جيوش بطرص , وبخصوص غزوة اسبانيا ,ما هي ضرورة السيف وحرق البواخر والتخويف الدنيئ …البحر من ورائكم والعدو من أمامكم ..الخ ,قبل استعمار اسبانيا تم استعمار المحاربين بوضعم أمام خيارين أما الانتحار أو الانتصار , قبل أن يجرد الجاني ضحيته من الأنسنة , جرد نفسه منها ..!
ليست مهمة العرب , وهم في تلك المحنة الأخلاقية , ارشاد الشعب الانكليزي أو الفرنسي أو الروسي … الى الطريقة الأفضل لمعالجة لا أخلاقيتهم واستعماراتهم واستغلالاتهم , ليرشد العرب أنفسهم أولا , قبل ارشاد الآخرين , من يعتبر نفسه قدوة في الأخلاق , عليه بالبدء بالأخلاقيات , لكي يقتدي الآخرون به , عندها يتنكر الاستعمار الغربي والشرقي لأفعاله ويعتذر كما يتنكر العرب ويعتذرون , العرب كانوا قدوة في الاحتلال والقهر والقتل والتملك كغنائم الحرب , لاحق للعرب وهم يعتبرون اسبانيا ملكا لهم , اتهام الصهاينة بشيئ … المنطق الأعوج الذي يقول بأن اسبانيا لهم هو نفس المنطق الأعوج , الذي يقول أن فلسطين للصهاينة , انها الأندلس كما هي اسرائيل, وللعديد من الأسباب التاريخية يمكن القول بأن ادعاء العرب أسوء بدرجات من ادعاء الصهاينة .
تتكرر الأكاذيب بنمطية ومنهجية واحدة , لقد جاء المسلمون لانقاذ أهل اسبانيا من ظلم “القوط”, وجاء خالد ابن الوليد لانقاذ سكان بلاد الشام من الرومان , ذهب عمرو ابن العاص الى مصر لينقد المصريين , وعقبة بن نافع لانقاذ الأمازيغ من الامازيغ …وعن الهند وبلاد فارس فحدث ولا حرج , تبرع بدو الجزيرة بأرواحهم لانقاذ البشرية ورفع الظلم عن البشر , ولكن لماذا بقي المنقذ مئات السنين مسلطا سيفه على رقاب الناس , أما كان لهم أن يمضوا من حيث أتو , تلك طروحات فاقدة للأبجدية وفاقدة للمصداقية ومتسربلة بجلابية المثالية , طروحات مغرقة بالسواد المغلف بالتضليل واحتقار الخالق , الذي يتهمونه بأنه كان الآمر بخصوص الفتوحات , والآمر بخصوص السبي والآمر بخصوص السرقة والنهب والقتل والاجرام , والآمر بخلع الوالي أبو المهاجر دينار , لأنه لم يسرق وينهب كما ارادت الخلافة منه أن يسرق وينهب .
هل كان فتحا تملكيا ونهبا مبرمجا واجراما مشرعنا ؟؟ أو أنه كان انقاذا وعملا انسانيا جليلا وتضحية بالنفس من أجل الغير ؟؟؟ لايمكن الرد على هذا السؤال بدون معلومتين اضافيتين , من هو السائل ؟ ولماذا يطرح هذا السؤال ؟
لم يأبه العرب بسؤال الشعوب , التي رزخت تحت فتوحاتهم واحتلالاتهم , لذلك لاوجود لسؤال من هذا النوع في الأدبيات العربية , باستثناء كتاب ظهر قبل فترة قصيرة (حسام عيتاني) , لقد غابت أصوات الشعوب المغلوبة عن التدوين العربي غيابا مطلقا , وكأنه لاوجود لتلك الشعوب المغلوبة ,ولا وجود لموقف لهذه الشعوب المغلوبة من غالبها وفاتحها … من يتأمل الأدبيات العربية , يظن بأن هذه الشعوب ميتة , لاحس ولا حسيس لها , وذلك بالرغم من المعارك الضارية في سياق الفتوحات , ومقتل حوالي مئة ألف من الصحابة(ادعاء المشايخ) , الذي رووا بدمائهم الأرض المفتوحة في سبيل الله , ثم يدعي البعض بأنه لم يقتل فردا واحد من أفراد الشعوب التي تم اخضاعها حربيا , يحاولون اقناعنا بأن هذه الشعوب من الصين الى مشارف باريس , قد رحبت بالفتوحات ورحبت بالجزية وبالعهدة العمرية وبالطورقة وبتهديم دور العبادة , الذي مارسته الخلافة من اول الخلفاء مرورا بالمتوكل الى سلاطين آل عثمان الى مشايخنا الأفاضل من ابن باز والقرضاوي وحمداش وغيرهم , , لماذا يطرح سؤال لاوجود له حسب رأي العرب … لايسأل الله عن ارادته , فارادته هي التبرير لما أراد .. الله أمرهم بذلك , والله لايخطئ ,وهذا بحد ذاته جوابا على كل الأسئلة .
هناك من يبشر بفتح كامل أوربا بدون سيوف , انما بالسكاكين والتفجيرات والارهاب , أظن بأن ذلك مجرد وهم كبير , اللاجئ الجائع يريد أن يشبع, ومن حقه ان يشبع , وعند تجاوز حقوقه يعود من حيث اتى … هذه هي السياسة الأوروبية الآن
Post Views: 376