آل عثمان وقانون قتل الاخوة والأولاد…

ميرا    بيطار :

   لايعرف  التاريخ  البشري حالة مطابقة   للحالة   العثمانية , من  حيث   شرعنة   تقتيل   الأقرباء ,   كل   النظم  العالمية   والأنمبراطوريات  القديمة  عرفت   اغتيالات  فردية  , بسبب   الخوف  على  السلطة  أو الخوف  منها , ولكن   لم  تعرف  البشرية قانونا    كالذي   أصدره  محمد  الثاني   بخصوص   ضرورة  قتل   الأقرباء  خاصة  الاخوة   عام  ١٤٨١, كل   ذلك     انطلق  من  اعتبار   الدولة   او  المملكة   ملك   للعائلة  الحاكمة  , وحتى  بعد    دخول   الاتراك   في  الاسلام   لم  يتغير  الأمر, انه   العرش  الذي  يحب  الحفاظ  عليه  ومسألة   الدولة  وحياة  الشعب  كانت   ثانوية  لابل  هامشية .

عثمان  غازي  مؤسس   الدولة  او  السلطنة   كان  أول  من  أعدم  قريبا  له  , وسيئ  الحظ  كان  عمه   دونار  بيك , نفس  المصير  كان  من  حظ  ثلاثة  من   أبناء  بيازيد  الأول   بعد  أن  انتصر   عليهم     أخاهم   محمد  الأول   عام  ١٤١٣,    قتل   المنافسين    على  الحكم  كان   الحل   في  غياب    أحكام  وقواعد   للتوريث   , الى  أن  أتى  محمد  الثاني  أو  الفاتح , الذي  عبر  عن  ذلك  بقوله :

” وإن تيسرت السلطنة لأحد من أبنائي، فإنه ومن أجل المصلحة العامة يصح له قتل إخوته، إن هذا قانون آبائي وأجدادي، وهو كذلك قانوني، ولقد جوز أكثر العلماء ذلك، فليعمل بموجبه حالًا”

أي أن   قتل   الاخوة     انتظم  وتنظم  وأصبح   شرعيا  وضروريا  ,  ولكن   هذا  القانون   فشل  جزئيا   في  تنظيم    أمر  الوريث  أو  الوراثة   عن  طريق    قتل  منافسيه ,   هنا  تحول   القتل  الى  سياسة  والى   حق  , فمنعا    لتجزئة  الحكم   ابتكر   العثمانوين    شرعية   تصفية  الآخرين   , هنا  يمكن   القول  بأنه  على   الوليد   الأمير  الجديد     أن  يعرف  فورا  بعد  ولادته  , على  أنه   سيموت  قتلا   بناء   على  التقليد   الذي   بدأ  السلطان  محمد  الثاني   به.

لقد  كان  لاعدام   أمراء  العثمانيين  عدة  اسباب   أولها, إعدام الأمراء الذين قاموا   بالخروج  على الحاكم  في محاولة لتولي  زمام    السلطة  ومسألة الانقلاب  هي جرم  معهود  في  القوانين  الدولية, فعند  وفاة  السلطان  محمد  الفاتح  عام 1481 , قام ابنه الأصغر, جم, بإرسال رسالة لابن الفاتح الأكبر, بايزيد الثاني, والذي كان الوريث آنذاك, ويتضح في هذه الرسالة أن الأول كان يريد اقتسام ممالك السلطنة مع أخيه الأكبر, وعندها رفض السلطان بايزيد هذا الطلب,  عندها طارد   الأخ  الذي  انهزم  ,وهرب جم الى أوروبا, وبقي   هناك إلى آخر حياته في الأسر ,

ثانيهما ,  وجود مؤشرات على انتفاضة ما  ضد  الأمبراطور ,. مثل ذلك كان   بالنسبة للسلطان  العثماني   الثامن   سليم  الأول عندما ورث عرشه, لم يقتل أخاه قورقوت, بل  قدّم  له  منصب  حاكما إداريا, وعندما  شعر  سليم  الأول  بأن   قرقوت  يريد  السلطنة , قام سليم بالتخلص من أخيه قورقوت في عام 1513.

مثل  ذلك  كان الأمير  مصطفى , ابن السلطان سليمان الأول (القانوني) قد أعدم لذات السبب, لم يكن الأمير  مصطفى أو  الأمير  محمود, أبناء السلطان محمد الثالث, متورطيْن شخصيًا بأي عملية تدل على انتفاضة منهما, لكنهما كانا متهورين, لذلك فقد اعتبرت مثل هذه السلوكيات المتهورة تهديدًا للممالك في ذلك الوقت, وأدت إلى إعدامهما , أما الأمير سليم, ابن  آخر للسلطان سليمان الأول, وكذا الأمير إبراهيم, ابن السلطان أحمد الأول.

مسألة قتل الإخوة من أكثر القضايا إثارة في التاريخ العثماني, فقد منح دستور السلطان محمد الفاتح (1481) إعدام الأفراد الذكور من العائلة الحاكمة(قانون  البغي), تجنبًا لحصول حادثة الفوضى التي نشأت عن فترة خلو العرش في عهد بايزيد الأول,

كان التقليد القائل بأن «المملكة هي ملك مشترك للعائلة الحاكمة» قد استمر منذ عادات الأتراك السياسية الأولى حتى لما بعد دخولهم الإسلام, واعتاد بعض الحكام الأتراك أن يقسم ممتلكاته على أبنائه الأمراء من أجل تجنب حصول حرب أهلية, ومع ذلك فإن هذه الممارسة كانت الطريق لإضعاف الدولة, ومهدت الطريق لإسقاطها,

يروى  أن أول حادثة للإعدام قد حصلت على يد مؤسس الدولة الأول,عثمان غازي,  عام 1298, وكانت موجهة لعمه دوندار بيك,  في أعقاب معركة أنقرة (1402),التي هزم فيها العثمانيون, حيث سقطت الدولة في «عهد الفترة»، وتقاتل أربعة من الأمراء على الحكم, من أبناء بايزيد الأول,كل  منهم منهم   جمع الآلاف من الجند  والداعمين  له  ليتقاتلوا  للحصول  على  العرش  , وبعد انتهاء هذه الحرب الأهلية,كان محمد الأول, هو المنتصر الوحيد الذي تغلب  على إخوته واستطاع السيطرة على العرش العثماني عام 1413.

لم تكن هناك  أية  قاعدة  معينة  لخلافة  العرش  عند  العثمانيين,  استقوا  كل  ذلك  من العادات التركية القديمة, بحيث يتم إرسال كل أمير من أبناء السلطان بعد عمر الـ 12 إلى السنجق (الناحية الإدارية في تقاسيم الإدارة العثمانية), وهي آنذاك كانت ضمن مسافات متعادلة وقريبة من مركز إدارة الدولة, وهنالك ينالون قسطًا من التدريب في الحكم والإدارة إلى حين وفاة السلطان حتى يأتي أحد الأبناء لينال مكانه ويخلف أباه.

رغم وجود هذا الدستور فهو لم يقدم الجديد في مسألة وراثة الحكم, ولكنه أظهر   أن الأمير الأكثر   ذكاء وقوة  قد ينجح في  الوصول  لإدارة  البلاد  في  التغلّب  على  إخوته  الذين  قد  يدّعون    الأحقية  بالنسبة  للحكم.

أما  الحالة  الثالثة ,  فقد  كانت   التصفية  مبررة  بالرغم  من  عدم  عدم وجود  الثورة  والخروج  على  السلطان , يعتبر إعدام الأمراء في هذه الحالة مشروعا بالتخلص من الخطر الداهم والمنتظر  مستقبلا ,لقد  ضحى  السلطان مراد الرابع بأخيه البريء قمعًا لأعمال الشغب التي قام بها الجيش الذي  اراد  تنصيب  اخاه.

وبينما  سن محمد الفاتح دستور قتل الإخوة,  كان أحمد الأول قد استبدل هذا الأمر بعدم قتل إخوته, مقابل تقديم الفرد الأكبر سنا من أجل وراثة عرش السلالة العثمانية, وعلى الرغم من أن هذا الفعل قد يبدو عقلانيًا ,الا  أنه  لم  يؤثر على  نهاية  السلطنة .

لقد شرح  العلماء  العثمانيون  مسألة  قتل  الإخوة  من  خلال  الآية القرآنية  في  سورة  الكهف (18/80-81), على لسان رفيق موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}, وبعد ذلك أجابه موسى عند  انتقاد  رفيقه  له  في  السفر  نتيجة  هذا  القتل, {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}, كما قد ورد مثل ذلك في إنجيل يوحنا (18:14): «من الخير لك أن يموت فرد واحد من أجل الجميع بدلًا من هلاك الأمة,

وكمثال من كتب الفقه الإسلامي بما يخص هذا الموضوع يُذكر: «في حين مهاجمة العدو المسلمين، وكان قد استخدم بعض السجناء المسلمين كدرع بشري, فإنه يسمح لجيش المسلمين التصويب وقتل هؤلاء السجناء في حال أنهم لو لم يطلقوا النار كانوا سيهزمون أمام العدو», وهذا هو الحال الذي يطلق عليه في الفقه الإسلامي بالـ«مصلحة»؛ أي المنفعة المشتركة, خلاف ذلك فإنه لا يجوز قتل مسلم بريء, ويمكن للجيش  المسلم حينها  أن يصوب  نحو  عدوه  ولو  لم يتخذ  أية  إجراءات  لإنقاذ  السجناء  المسلمين؛ ذلك لأن العدو سيجتاح البلاد عندها,وبالتالي سيقتل الجميع بما فيهم السجناء.

العالم الحنبلي السوري الكرمي   أشار  على ١٦٢٤ أن مسألة إعدام الأمراء هي من فضائل السلالة العثمانية, الامام  وافق   على  قتل  الأقرباء درءا   للثورة  التي تؤذي المسلمين وتضع البلاد في مشاكل كبيرة , ولقد قال إنه بالرغم من أن أي شخص سليم الحواس قد لا يحسّن هذا القرار, إلا أن فيه فائدة كبيرة, الامام  اعتبرإعطاء الفتوى لإعدام ثلاثة أشخاص من أجل حماية 30 آخرين  أمرا  محقا .

على مدى مسار تاريخ الإمبراطورية العثمانية, كان هنالك نحو 60 أميرًا قد أعدموا, 16 منهم قد أعدموا نتيجة الثورة على السلطان, بينما 7 قتلوا لمحاولاتهم الثورة, من الحالة الثانية, بينما البقية يمثلون الحالة الثالثة, أي “المصلحة العامة”. هذا وقد كانت شاكلة إعدام الأمراء العثمانيين بالخنق,  اذ  حظرت التقاليد المغولية التركية إراقة دماء أفراد الأسر النبيلة,

ومع صعود السلطان أحمد الأول إلى العرش,عام 1603, لم يقتل إخوته, ومن بينهم الأمير مصطفى, وهو مؤشر على أنه شخصية متسامحة, وكذلك كان درويشًا صوفيًا, ولم يكن لديه أي طفل حينما تولى عرش السلطنة, وتصرفه هذا قد يكون مرتبطًا بالسخط العام نتيجة إعدام والده محمد الثالث إخوته الـ19 عند توليه الحكم, وعندما توفي أحمد الأول عام 1617، كان أخوه قد خلفه, مع أنه كان له ذرية,وهي المرة الأولى التي يخلف فيها الأمير أخاه, ويصبح إمبراطورًا بعد موت السلطان, وحتى ذلك الوقت, كان الأمير لا ينفك عن متابعة والده السلطان, وبعد ذلك أيضًا ما عاد الأمراء يرسلون إلى النواحي والسناجق,كحكام فيها, ولكنهم بدأوا ينتظرون دورهم للحكم في القصر السلطاني, كما أنه لم يتم إعدام الأمراء بعدها,

لقد زادت هذه العملية من رصيد السلطان أحمد الأول, كما وقد وضع السلاطين المتعاقبين من بعده مصير الإمبراطورية في حال حرج, وبرغم أن عملية حيازة الأكبر عمرًا لعرش السلطنة قد أنهت ممارسة قتل الإخوة,  الا  أنه  كانت  هناك  عدة  اعاقات  بسبب  ذلك :

1. عندما تمت وراثة الحكم من الأب لابنه في المرحلة الأولى من الدولة, كان متوسط حكم السلطان أطول, وكان لديه ثبات سياسي أكثر قوة, وذلك لأن أفراد العائلة الكبار في السن قد حصلوا على عرش السلطنة في الفترات المتأخرة, وفترة حكمهم أقصر بحيث لم يكن السلاطين قادرين على إظهار الدينامية المطلوبة كأباطرة.

2. تبعًا للسابق, فإن الأمراء الذين يتم تعيينهم كحكام في السناجق والولايات المختلفة, كانوا يحوزون على تدريب سياسي جيد، بينما ذهبت هذه الخبرة السياسية أدراج الرياح نتيجة بقائهم منتظرين دورهم لخلافة العرش في القصر.

3. في بداية حكم السلطنة، كان الأمراء حكام السناجق, هم السلطة الوحيدة التي تلي القصر الحاكم, بينما عندما بدأوا بالبقاء في القصر منتظرين دورهم, فإن سلطات أخرى, من خارج العائلة الحاكمة, بدأت بالتدخل في نظام الحكم, كالوزراء والعلماء والجند, بل وحتى الشخصيات العامة, بحيث نالوا المزيد من القوة,

ريم   بيطار  :syriano.net

رابط  المقال :https://syriano.net/2020/08

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *