من القومية العربية الى القومية السورية …

جورج  بنا :

     النظام  السوري  هو نظام نزوات  وليس  نظام ايديولوجيات , النزوة  هي  التي جاءت  بالتوريث, والنزوة  التسلطية هي  التي جاءت بالمادة الثامنة , التوريث  والمادة الثامنة الى  جانب العديد من النزاوت هم  من قضى على  البعث من  قبل  أهل البعث , اضافة الى ذلك فقد تخلى أهل البعث عن البعث لصالحح أجهزة الأمن الراعية للفساد وريع الفساد ,منذ مدة طويلة  لم يصدح  شعار  وحدة حرية اشتراكية , يبدو وكأن الشعار  قد مات أي  أن الوحدة  والحرية  والاشتراكية اعطوكم عمرهم , وماذا بقي من البعث بعد موت الشعار الثلاثي؟
صمد  البعث  تجاه معارضيه وأعدائه ,الا أنه  انهار  وسقط بفعل  الممارسات   البعثية قبل أن يسقط بفعل الفكرة , وحتى الفكرة  القومية لم  تكن بتلك  الواقعية ولم  تكن متناسقة  مع زمانها ومكانها , فعندما ولد  الفكر القومي في هذه  المنطقة   في أوائل  القرن العشرين , كان الفكر القومي الأوروبي  من القرن التاسع عشر قد استقال  بعد   أن أتم مهمته في بناء  الدولة القومية , بدأنا قوميا عروبيا بعد أن انتهى غيرنا من الفكر القومي  , الفكر القومي  الأوروبي المتقاعد  لم يعد مصدرا لحيوية أي فكر قومي    آخر ,لذلك  تلاشى الفكر القومي العربي, ومات بعد حياة مليئة بالألم والفشل , الفكر القومي العربي  لم يكن قادرا على  الاستمرار  ولم يكن صالحا للاستمرارية  , لذلك   انقرض  ومات, وأشرفنا  على الموت والانقراض معه!

ماهي ماهية العروبة وماذا ا كانت وظيفتها ومهمتها ؟ بعد حوالي قرن من غوغائية وعدمية الفكر القومي العربي يمكننا  أن نستنتج  بأن هذا الفكر  كان المادة  الاستهلاكية    للأنظمة  التي  يصعب  تعريفها ووضعها في أي مصنف سياسي , الأنظمة استهلكت الفكر القومي العربي, ليس لأن هذه  الأنظمة  قوية  وانما  لأن الفكر القومي العربي    كان  واهي  هزيل  وضعيف  ,سمح بتمزيق الأوطان , وتحول   التمزيق   الى  واقع  وممارسة  ,لذلك  يمكن القول بالنتيجة, ان  القيادت  التي  كات  حصرا  بيد    العروبيين   والاسلاميين (فكر  قومي  عربي  واسلام  سياسي)  قد  فشلت في  انتاج  مشروعا قابلا للحياة وخادما للوحدة والتقدم  والمدنية , مانراه اليوم هو حصيلة مافعلوه ,أخذوا  سلطة ومارسوا استبدادا واستغلالا, ااستغلوا الأوطان كبقرة حلوب , ولم يعطوا  للمواطن  سوى الافقار والتجمد والتأخر والنزاعات ثم التلطي والتطفل    المريع  على الماضي.

   انحصرت  أهدافهم ان كانت بعثية قومية أو اسلامية, في محاولة احياء الماضي وبدون أي خجل من التاريخ …يريدونها صراحة ماضوية , وكان لهم مايريدون …اننا    نعيش  الآن    عمليا  في  القرن الأول هجري, ولو تمكنا من حدف القشور الحضارية التي مكنها ريع البترول من شراء جهاز التلفون والسيارة والطيارة …. لتحولنا قلبا وقالبا الى حالة القرن الأول الهجري ,  تأملوا فظاعة ودمامة وقصور فكر اعادة احياء الماضي,  انه اعتراف بالاخصاء وعدم المقدرة على صنع حاضر ومستقبل عصري متناسق مع مستوى بقية الأمم .

جف ينبوع العروبية وابتعد حتى العروبيون عن مجرد الحديث عن العروبة , جف ينبوع  الاسلام  السياسي , وأصبح الحديث عن الدولة الاسلامية وضرورة تطبيق الشرع الاسلامي وحتى الخلافة والجزية ودار الاسلام ثم دار الكفر ثم الولاء والبراء بمعظمه تهريجي الى جانب كونه درامي , انه حديث الانتحار الحضاري وحديث الخروج من التاريخ , بالمقابل أو بالنتيجة استيقظ فكر آخر هو فكر الانتماء القطري الجديد الأقدم من الفكر القومي العربي ومن الفكر الاسلامي , العروبة تحولت الى انتماء مقزز للنفس  …ضار  وسخيف  , فكيف على السوري الفينيقي أو السرياني أو الآشوري أو الكردي أن يتعامل مع زبالة البشرية من بدو وبدوية !, العروبة لم تعد الحل والاسلام لم يعد الحل , وكلاهما تحول الى مصدر لانحلال الدول التي كان لها أن تتطور وتواكب بقية دول العالم في التحضر والتقدم.

قلب العروبة النابض  لم يعد ينبض قوميا عروبيا , فتوأم القومية-الاسلام السياسي تحول الى توأم اسلام سياسي – اسلام سياسي, اي الى توأم متحارب شيعة-سنة , وبذلك تم اسنحضار الماضي بحذافيره, موت القومي العربي وخروجه من دائرة ألمنافسة  ,  خلق   الحاجة   الى انتماء   آخر , وما   أفضل  من   الانتماء  القومي  السوري   الحضاري   الضارب  في  العمق,  والذي   صمد   بالرغم  من   الاستعمار  العروبي  وبعده  العثماني   ومحاولات اغتيال   هذا   الانتماء  والغائه  وتعريبه    للعديد  من  القرون . اننا الآن في جنازة البعث الذي  كفر  بالعروبة   قبل     أن   يموت  نهائيا ,   بقايا  البعث تتحدث  بصوت أشبه بالصراخ عن العرب الذين تحولوا الى عربان وعن البدو والتصحر والبدوية.

سيكون  التوازن المستقبلي  في  سوريا خاضعا لنتائج   الصدام   بين  الاسلام السياسي وبين السوري القومي  العلماني  المتمكن فكريا وأخلاقيا وعقائديا والقادر على مواجهة الاسلام السياسي بكل سهولة, خاصة بعد بتر الذراع العسكري للاسلام السياسي, المتمثل بداعش والنصرة وأشباههم.

جورج  بنا:syriano.net

رابط  المقال :https://syriano.net/2020/03

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *