جورج بنا :
١- معرفة الفرق الجوهري بين نقد الذات وجلدالذات ضرورية لفهم مواطن الخلل وطرق علاجها في مجتمعاتنا , فجلد الذات تجريدا ليس “جلد “,انما تعبيرا عن الفشل وظرفه المسيطر , وعن الطريقة السلبية في التعامل مع الفشل , انها طريقة الهروب وليست طريقة المواجهة , طريقة معاقبة الكسلان الاتكالي والمقصر بحق نفسه وحق مجتمعه , هروب من الموضوعية الى الشخصية , انه مبالغة في تقزيم الذات , وتضخيم ماتتعرض له الذات من عوامل قاهرة , فالمؤآمرة ومفاهيمها ترتكز على ترويج الاستسلام والاقرار بضعف الذات مقابل الاعتقاد بقوة المؤامرة ,ثم الاعتراف بأنه لامجال لمجابهة القوة بالضعف , , ثم أن افتراض أو اكتشاف مؤامرة خفية ابليسية يهب البعض شعورا بأنهم من ذوات “ذكاء خاص وخارق”, الانتصار هنا ليس على التحدي وليس على المشكلة , انما فقط على الغموض الذي يحيط بالمشكلة , يظنون بأن ادراك وجود المؤامرة , هو بحد ذاته انتصار, لكنه انتصار وهمي على الغموض , وللأسف ليس انتصارا علىى التحديات .
٢-يمثل وهم اكتشاف المؤامرة عمليا , اضافة غموض جديد على غموض متواجد ..انه تضخيم أو تكاثر للأوهام , لايمثل وهم اكتشاف المؤامرة انتصارا عليها انما استكانة واستسلاما للتحدي الموضوعي , بعد اكتشاف وهم المؤامرة برتاح المهزوم في ظل هزيمته مقتنعا بوجاهة هذه الهزيمة , التي لايمكنه مواجهتها , لكون التحدي عملاق , يفوق قدرته وقدرة غيره على المواجهة , اذن اكتشاف المؤامرة لايعني مواجهنها , انما الاستراحة والاستظلال بظلها , المؤامرة مريحة ورافعة للشعور بعدم المسؤولية عن الفشل ..فما حصل هو مسؤولية الغير المتآمر الجبار , الذي لايمكن لبشري مقاومته وهزيمته .. الأمر واضح بنظرهم بشكل يسمح بولادة شيئا من التوازن والاستقرار الداخلي .
٣-يتمثل جلد الذات بالشعور السلبي الذي يتنامى عادة في أوقات النكبات والصعوبات الحياتية , بينما نقد الذات هو الشعور الايجابي , الذي يطمح الى التعرف الموضوعي على الوضع بشكل عام قوة وضعفا بدون مبالغة تشاؤمية أو تفاؤلية , نقد الذات لايمثل هروبا , وانما استعدادا للمواجهة ,ومهمة نقد الذات هي الخروج من المأزق , وليس الهزيمة في المأزق… بعكس جلد الذات , الذي يوفر الخلفية النفسية للموت في المأزق , انه محاولة للتغلب على الفشل عن طريق الهروب منه , بدلا من مواجهته , لأنه عاجز عن المواجهة بسبب عدم ادراكه بمواطن ضعفة وقوته , وعدم ادراكه بمواطن ضعف أو قوة التحديات التي يواجهها , المبالغة في تقدير حجم التحديات هو بمثابة محاولة لتبرير الهروب من مواجهة هذه التحديات .
٤-يلتبس نقد الذات في حالات عديدة مع جلد الذات , فالاشارة الى مواطن الضعف وتوصيفها وتحليلها ليس جلدا وانما نقدا , ومن يشير الى هزيمة التراث العربي أمام الحضارة الغربية , ثم ينصح بالذوبان في الحضارة الغربية ليس جلادا انما ناقدا , مفردة “ذوبان” ليست بتلك المفردة القبيحة المفجعة والغير واعية والمنتقصة من الذات , وانما هي دعوة للواقعية , اذ أنه ليس بالامكان خلق حضارة خاصة بآل يعرب , ثم رعاية هذه الحضارة وتنميتها بسرعة , لكي تتمكن من منافسة الحضارة الغربية , تأخرنا جدا !!!!, ولم تعد هناك امكانية للنهوض والتسابق مع الغرب ,لذا لابد في هذه الحالة من الاعتماد على منجزات الغرب الفكرية التي ليست ملكا خاصا للغرب , وانما ملك الانسانية جمعاء , ليس من العار الاعتماد على الفكر الغربي , العار هو أن نبقى في حالة التأخر , والعار هو الاعتماد على الغرب استهلاكيا ثم رفض الغرب فكريا , اذ لولا الفكر لما كانت هناك حضارة غربية ولا صناعات غربية ولا تقدم علمي , ولولا الفكر عموما لما تقدم الغرب على العرب.
٥-هناك لجلد الذات شكلان على الأقل, شكل مادي وشكل معنوي , يتمثل المعنوي بالقنوط واليأس والشعور بعدم جدوى الحياة , ثم جملة من الهواجس السلبية والمسلكيات العدمية , الأمر هنا مرضي , ولهذا الأمر اشكال مكتسبة تعتبر أقل خبثا من الأشكال الولادية الموروثة المستعصية عادة على العلاج , أما الشكل المادي فيتمثل في الحاق الأذى العمدي بالذات, كوسيلة للمعاقبة وبالتالي المساهمة في خلق توازن واستقرار نفسي جديد نفسي جديد.
٦-الفصل بين النقد والجلد صعب , لأن الحدود بين النقد والجلد ليست بتلك الوضوح , عمليا تفوق فوائد النقد , حتى ولو التبس جزئيا مع الجلد , على فوائد تفادي الجلد بالرغم من حسناته , عموما يمثل الجلد حالات مرضية يجب علاجها بشكل منفصل , بعكس النقد, الذي يمثل حالة صحية يجب الحفاظ عليها لابل تنميتها .
جورج بنا :syriano.net
رابط المقال :https://syriano.net/2020/03