سيرحلون جميعا …ولن يرحل !
نبيهة حنا:
يتباهى متملق أسدي باصرار الأسد على البقاء حتى ولو رحلوا جميعهم .. سيرحلون جميعا ..ولن يرحل ..كان ذلك عنوان رسالة وقاحة غير مسبوقة , لايعرف التاريخ صفاقة من هذا النوع …حتى ولو رحلوا جميعهم فسوف لن يرحل ..سيبقى يرأس نفسه , حقيقة رحل ١٣ مليون سوري وعلى ماتبقى الرحيل وذلك لاستحالة الحياة في سوريا الأسد, اقتصاديا: كيف يمكن للسوري الذي يعمل كشرطي أو معلم مدرسة أو موظف في دائرة أو حتى في القطاع الخاص أن يأكل ويشرب من دخل لايكفيه لمدة يومين في الشهر , انه جائع بحكم القانون ,ومن زبانية الأسد من هو ثري بحكم الفساد ..يسرق وينهب ويرتشي دون اشباع , في ظل اقتصاد الفساد الريعي كل مواطن هو سارق ومسروق بآن واحد , حتى الفساد لم يعد يدر بشكل كاف وذلك لجفاف المال , تكاثر اللصوص ولم يتكاثر المال لذلك انخفض الريع وجاع حتى اللصوص …من كل ذلك يجب استثناء جماعة الأسد ومدخرتاهم التي لم تجف بعد وهم الآن في سياق تبييض مسروقاتهم ,, ومن يريد التأكد من ذلك عليه بجولة في الأرياف العلوية , حيث يمكن هناك رؤية عشرات الآلاف من البنايات التي غطت الجبال والسهول ومن يسأل عن المالك لبناية كبيرة يأتيه الجواب ..انه الملازم …أو المقدم ..أو مأمور النفوس أو مدير التموين أو الآذن عند العقيد رئيس شعبة الأمن السياسي ..الخ , منطقيا لايستقيم الدخل الحلال مع تغطية نفقات يومين في الشهر , الا أنهم ينفقون المليارات في الحجر والباطون والعقار ويريدون استبدال المال المسروق بالعقار النظيف حتى ولو كانت قيمته أقل من قيمة المال الذي أنفق عليه , المهم هو التخلص من المال واستبداله بأبنية وعقارات …
صدفة التقيت بصديق ألماني ورويت له قصة البناء او الأبنية في الوقت الذي لايستطيع به الانسان ق تأمين حاجاته الغذائية , وبالرغم من تمكني النسبي من اللغة الألمانية , الا أن الألمانية ليست لغة الأم بالنسبة لي , ومهما تعمق الانسان في معارفه اللغوية تبقى هناك بعض التعابير التي يجب تعلمها , وما تعلمت في هذا الخصوص كان تعبير beton gold اي الباطون الذهبي , وقصة الباطون الذهبي هي أن العديد من لصوص النازية قد قاموا بحركة بناء كبيرة مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي أشهر هذه الحرب الأخيرة , لقد سارع لصوص النازية الى التخلص من مسروقاتهم وتبييضها عن طريق تحويلها الى عقار أو بناء , في سوريا نرى أيضا مايسمى الباطون الذهبي , أي تحويل المال الأسود الى الى اسمنت وماء وحجر وحجرة ومنزل وشقة بيضاء .
استحالة الحياة في سوريا الأسد ليست اقتصادية فقط ,وانما سياسية أيضا , فممارسة السياسة هو أمر غريزي , وطوال نصف قرن منعت الأسدية ممارسة غريزة الكلام تحت طائلة عقوبات تصل الى القتل , الصمت ضروري والتصفيق أكثر ضرورة والخوف هو المطلوب ..
بهذه المناسبة أريد تقديم قصة حقيقية معبرة عن مواطن حلبي لجأ الى ألمانيا , بعد سجن دام تسع سنوات تمكن شخص حلبي من الوصول الى ألمانيا مع عائلته , ولكي تتم الموافقة على لجوئه يجب على اللاجئ المثول أمام قاض , وقف الحلبي أمام القاضي برفقة مترجم , سأله القاضي , لماذا قدمت الى ألمانيا , قال الحلبي …اني أحب ألمانيا ,وأريد العيش هنا , سأل القاضي سجين السنوات التسع , هل ضايقك أحد في سوريا ؟ هل لاحقك أحد ؟ هل سجنت أو تم تعذيبك ؟ هل اعتدت المخابرات عليك ؟ هل تستطيع ابداء رأيك ..الخ , الحلبي أجاب بأن حياته فيي سوريا كانت كالحياة في الجنة ..لامضايقة ولا ملاحقة ولا تعذيب , والحرية كاملة , وعن الرخاء فحدث ولا حرج ..
اندهش المترجم الذي يعرف تفاصيل قصة الحلبي تماما وطلب من القاضي تأجيل اصدار الحكم بالموافقة على اللجوء أو رفضه الى اليوم التالي , وكان له التأجيل , وقبل الجلسة الثانية سأل المترجم المواطن الحلبي عن أسباب ادعائه بأن الوضع في سوريا جيد , وقال له على أن القاضي قد لايوافق على اللجوء لأن وضعه في سوريا حسب اعترافه ممتاز جدا ,هنا أجاب المواطن من حلب بالتالي : اني لست بذاك البلاهة كي أقول للقاضي كل شيئ , فمن يضمن لي بأن القاضي سوف لن يخبر المخابرات السورية عن كل كلمة قلتها له , وما هو مصير الأقرباء عندما تعرف المخابرات ماقلته للقاضي ….اندهش المترجم ثم طلب من المواطن الحلبي أن يقول الحقيقة , والقاضي سوف لن يعلم المخابرات بمضمون ماقاله , اذ أن تصور قيام القاضي بالوشاية بالمواطن السوري للمخابرات هو أمر يفجر كل تصور!.
هذه القصة القصيرة تظهر لنا مدى الهلع والخوف الذي يكتنف المواطنين في جمهورية الخوف, فقد اكتملت كل معالم التخويف وترهيب الانسان في البلاد , هنك ترهيب أو ارهاب فكري حيث من الممنوع أن يكون لك رأي آخر , ثم ارهاب اقتصادي وسياسي ومذهبي , والمذهبي هو تعبير عن الطائفية التي قضت على مبدأ المساواة , وهناك ارهاب أمني, فالأمن مهتم بأمن بشار الأسد فقط وليس بأمن الشعب السوري , أمن بشار الأسد يستطيع اعتقال أي سوري ثم سجنه لسنين وقتله تحت التعذيب أو بأي شكل آخر دون أي محاسب أو رقيب , هناك ارهاب اجتماعي ومن يتعرف على قانون الأحوال الشخصية يدرك ذلك جيدا , هناك ارهاب غذائي ..مياه شرب ملوثة.. معلبات فقدت صلاحيتها ومواد غذائية لايمكن لمخلوق مستقيم تمويلها … وعن ارهاب الفساد فحدث ولا حرج ,الفساد سيد الارهابيين , وبشار الأسد سيده وراعيه ومخترعه .
رحل أكثر من نصفهم , ورئيس البلاد يهدد ..لن أرحل ولو رحلوا كلهم , فبربكم هل يعرف التاريخ تيسا من هذا النوع , قلت انه “يهدد” فعلا انه يهدد بترحيل الجميع , رئيس يرى على أن نصف الشعب قد هرب في ظل قيادته الحكيمة لايخجل من التبشير بالمزيد من الهروب والهجرة , انحطاط ووضاعة رئاسية لامثيل لها …يفخر بما حدث لحد الآن وزبانيته من المرتزقة يبشرون ببقاء القائد الذي يقود الركب ..أي ركب هذا يارجل الغابة راكب الدبابة , مما يتألف الركب عنما يهرب الشعب ؟.
انه فعلا أسطورة لابل حكاية لايمكن لأحد أن يصدقها , في الاجرام والغباء والانحطاط حطم أرقام صدام ومعمر وحتى الكوري الشمالي , رئيس يقول لا أرحل ولو رحل الشعب هو مخلوق لايمكن وصفه بمفردات اللغة التي نستعملها , لتوصيفه يجب ابتكار لغة خاصة بمفردات خاصة