أن يفعلها متأخرا , خير من أن لايفعلها اطلاقا

نبيهة حنا :

نحن الآن تقريبا  في السنة الخامسة  من  حرب  ساخنة  وفي السنة الخمسين  من  حرب   أقل سخونة , حرب تشنها  الديكتاتورية البغيضة  على  شعب بأكمله , وأقول “بأكمله” عمدا لأن الأسدية الحقت الأضرار المادية والاجتماعية  والحياتية بشكل عام  بمن عارضها  , والحقت أضرار جسيمة  أيضا بمن أيدها   , فالمؤيد   تحول من  مواطن  الى “زلمة” عند آل الأسد , المؤيد   تحول الى عدو لجزء كبير من الشعب , الدم سال أنهارا  والعداء  بين   أطياف  الشعب   أصبح  قاتلا واصلاحه أصبح  شبه مستحيل.

تتعمق  الازمة  أكثر وأكبر واعمق وأخطر من كونها مجرد أزمة بنيوية للنظام أو سادته أو رموزه،, النظام فاسد وأفسد الناس ثم عكس قيمهم  الايجابية  واستبدلها بالسلبي  من القيم , الأنسان  أصبح غريبا عن غريزة  التعددي التشاركي ..فقد حقيقته الطبيعية وأصبحت رؤيته قصيرة , تعمقت الأحادية في  فكره وميوله  , وأصبح برى في  تأليه الحاكم  أمرا  طبيعيا  بسبب  طول الاعتياد على ذلك ,  ازمان الاعتياد على الاقصاء  والتسلط  والتنكر  والتخوين والتكفير  ثم ممارسة العنف  ساهم الى حد كبير  في مشروع “حيونة ” الانسان” وتطبيعه بطباع  تؤهله الى ممارسة التملق والخنوع   والتزلف  والتنكر للمواطنية وأهلته  لممارسة الفوضى والأنانية  وأبعدته عن خواصه الاجتماعية  ليحل محلها  منهجية  التفرد  وطغيان “الأنا”  على  مساكيته , فالنظام  لم يقتل   اعداد كبيرة من الناس فقط  , وانما قتل الجميع  أخلاقيا  ومعنويا  ومسلكيا .

اردت بالأسطر السابقة  اعطاء لمحة عن  مدى الانهيار الحضاري الذي  ألم بالانسان السوري  ,  انهيار  اعتبره  أفدح وأقسى  وأضر من  مقتل  مئات الألوف من البشر  ومن تخريب الوطن ماديا  , وقد كان بالامكان  تجنب كل ذلك  , لقد كان بامكان  المتوفي حافظ الأسد  أن  يسير بالبلاد بالاتجاه المألوف في العالم ,  البشر في كل انحاء العالم يريدون الرخاء والحرية  ولايريدون العنصرية  , الأسد المتوفي   أراد  الرخاء المادي لزبانيته وكان له ما أراد , اراد  هيمنة  مجموعة الى مجموعة أخرى  فكان له ما  أراد  ,  أصبح   الها  وكان له ما أراد ,  ورث ابنه  وكان له ما أراد  , واليوم   اصبحت  سوريا حطاما , وهل من المعقول القول  على  انه كان له  أيضا ما أراد , وفي سوريا تدور رحى حرب أهلية طائفية  , وهل من المعقول القول على أنه كان له ما أراد  ؟   والحقيقة  ان الأسد  ابا وابنا  لايريدون قتل البقرة الحلوب  ولا يريدون  تخريب سوريا ولا يريدون حربا طائفية  , الا ان  مسلكيتهم  وممارساتهم  ستقود حتما الى الخراب والى  الحرب الطائفية . ينقص  عند الأسود الكثير من جدلية الثورات  والكثير من  الرؤيا البعيدة المستقبلية  , همهم الوحيد كان ولايزال النهب والتسلط  والهيمنة والاستبداد  , ولا يخطر على بالهم  على أن هناك شعب  وله مصالح وطموحات  وارادة  وقوة  , ولم يخطر على بالهم  قيام  فرد في سوريا  بمعارضة الأسد  ,  فلا وجود في ادراكهم  لمن يعارض الأسد  او يصبح أقوى منه في الداخل …. لم يدرك الأسد الأب  كل ذلك  وظن على أنها أبدية  , وهنا  لم يكن له ما أراد .

الأسد الأبن ليس كالأب  خاصة في  مجال الذكاء , والأبن  بالنسبة للأب  ليس  أقل  من “مهبول” ,فاقد  الرؤيا , فاقد الشرف  والكرامة  ,  قاتل   ومجرم  , وكانت هناك فرصة مناسبة  في شهر آذار ٢٠١١ , لقد كان بامكانه  السماح بحدوث تطورات في البلاد شبيهة بالتطورات التونسية   لابل أقل  حدة من التطورات التونسية  التي أرغمت زين العابدين على الهروب , لقد كان بامكانه البقاء وحتى المشاركة في الحياة السياسية والعامة , وكان   بامكان سوريا  أن تصبح دولة ديموقراطية  بدون خراب أو تقتيل  وبدون مجازر ,  فالتطور في سوريا  كان شبيها بالتطور في تونس والتطور في العديد من دول أوروبا الشرقية  , لقد  انتهج الهمجي سياسة قادت الى مانراه اليوم  , داعش  التي لم يكن لها وجود عام ٢٠١١ تحتل نصف البلاد , النصرة التي لم  يكن لها وجود عام ٢٠١١ تحتل ربع البلاد,  والأسد  استجلب الغرباء   وسلم البلاد الى ايران  وأصبح ليس أكثر من  رجل كرسي  ولا حول له ولا قوة  , الا انه   يستطيع  بالرغم من ذلك ممارسة  السرقة  والنهب  وهذا هو على مايبدو موضوع  اهتماماته .

واليوم  والأسد قد   تحول الى فأر  تطاردة  القطة من  زاوية لأخرى  , وحتى  تحول وضع الأسد الى أمر ميئوس منه  لم يشجع  الأسد على  الاتعاظ وعلى الادراك الواقعي السليم   واكتساب رؤية  أطول من أنفه  , انه ماض في التقتيل والتهديم والتخريب  وماض في   دفع غيره الى   الموت  الشامل    القاتل قتيل  والقتيل قاتل  ,  عدمية عبثية لاتفوقها   أخرى , وبالرغم من كل ذلك  لايلين الرأي اليابس  الا بالتحطيم , لقد حطم  وبالنتيجة سيتحطم  , وللأسف لايوجد من  ينصحه من  الأزلام , ارحل يارجل  وسلم البلاد الى  جماعة   لربما تستطيع انقاذ ما أفسدته  وأفسدها  والدك ,سوف لن تنتصر  ولا أحد يستطيع  اليوم الانتصار على أمريكا  وارادتها  , اذهب الى طهران  أو الى الضاحية  أو  الى جهنم  , ليس رأفة بك  وانما رأفة بمن تحرضهم  على الموت   في سبيلك  ,  مصيرك لايهمني اطلاقا  وسيان  ان تحطم رأسك في المجرور  أو في القصر  , البشرية ستكون أسعد بعدم وجودك .

  ان  فعلتها  متأخرا جدا , أفضل من أن لاتفعلها  ابدا  , وحتى  بعد   التطور  الكارثي  في سوريا  , لايزال هناك مايمكن انقاذه , ولا يزال هناك  أمل  بامكانية اعادة بناء  الدولة  ولو كان على المستوى الأدنى  اقتصاديا  , تذكر يابشار   لايوجد اعادة اعمار  ولا يوجد في العالم من يقتدر على  تحمل  كلفة  اعادة الاعمار ,  ستبقى  سوريا خربة ومقبرة  , وسيبقى  الخراب  والمقابر شاهدا  حيا على   أسوء  حقبة  مرت  على سوريا .. لا أأسف عليك   اطلاقا بل  أأسف   على  من  انجر ورائك .. سيعانون   ويستحقون ذلك !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *