بقلم:الياس خوري
هوس الاحتفظ بالسلطة الى الأبد هو ما دفع نظام الأسد الى إحراق سوريا الجميلة بشكل همجي لا مبرر له. فالعنف الفائض الذي استخدم لم يكن بهدف قمع المتظاهرات والمتظاهرين من أجل اطفاء نار الاحتجاج الشعبي فقط، بل كان يهدف أيضا الى تلقين الشعب السوري درسا لن ينساه الى الأبد.
منذ انفجار الاحتجاجات الشعبية في سوريا في آذار- مارس 2011، رفع انصار النظام الاستبدادي أو ما يطلق عليه السوريون اسم ‘الشبيحة’، شعارين:
الشعار الأول هو ‘الأسد او نحرق البلد’، واشتعلت الحرائق، وامتلأت شوارع المدن والبلدات السورية بجثث الشهداء والضحايا. بدأ النظام باحراق البلد قبل ان تطلق المعارضة السورية رصاصة واحدة. الأزهار والمياه التي قدمها غياث مطر للجنود السوريين، قابلها النظام بإعادة جثة الشاب الى ذويه مشوّهة. والرد على مظاهرات درعا السلمية اتى عبر جثة الفتى حمزة الخطيب الممزقة، وحنجرة القاشوش اقتلعت قبل ان ترمى جثة المنشد الشعبي في نهر العاصي.
لم يسبق ان استخدمت الدبابات في قمع المظاهرات، ولم يسبق لسلطة ان تجبّرت كما فعل نظام الابن الذي لم يحفظ من تاريخ والده سوى مجزرة حماه، ووأد المجتمع السوري في الصمت، وسحق المعارضة في سجن تدمر الرهيب.
بدأ النظام في إحراق البلد بشكل همجي لا مبرر له. فالعنف الفائض الذي استخدم لم يكن بهدف قمع المتظاهرات والمتظاهرين من أجل اطفاء نار الاحتجاج الشعبي فقط، بل كان يهدف أيضا الى تلقين الشعب السوري درسا لن ينساه الى الأبد.
الأبد… هدف مجانين السلطة
استبداد نظام الأسد نجح في تحويل سوريا إلى رقعة شطرنج يتبارى فيها اللاعبان الدوليان فوق أنهار الدم والدموع، مشيرا إلى أن نزع الكيماوي يعطي مظلة حياة مؤقتة لنظام الأسد، وهذا ما يريده الروس، ولا يسمح بانتصار الشعب السوري على جلاديه، وهذا ما تريده الولايات المتحدة وروسيا!
والأبد، كما يعلم القاصي والداني، هو هدف مجانين السلطة، ونقطة ضعف جميع المستبدين. واذا كان الجنون قد قاد الامبراطور الروماني كاليغولا الى ان يعلن انه يريد القمر، كما في مسرحية البير كامو التي تحمل اسم الامبراطور عنوانا، فإن الملك المحتضر كان له طلب واحد هو الخلود المستحيل، كما في مسرحية يوجين يونيسكو ‘الملك يموت’. غير أن الأسد الأب تفوق في خياله الإستبدادي على خيال أسلافه جميعا، فانتقلت اليافطات المؤيدة له من كونه رئيسا ‘الى الأبد’ الى اعلانه رئيسا ‘الى الأبد والى ما بعد الأبد’.
لم أستطع فهم معنى ما بعد الأبد إلا حين رأيت كيف يقوم الإبن بتنفيذ أبد والده عبر إحراق سوريا وتدميرها، ثم ينتقل الى مرحلة ما بعد الأبد عبر ترشيح نفسه كي يكون رئيسا على الركام.
‘الأسد أو نحرق البلد’، لقد نجح الشبيحة وحلفــــاؤهم الروس والإيرانيون والميليشيات التــــابعة في إحــــراق البلد، بل نجحوا في استدراج ميليشيات تشبهـــهم في استبدادها كي تتسلط على الشعب السوري، وتدعشه وتنصره على نفسه.
وهذه مسألة يجب ان تفتح صفحتها كي نفهم من يتحمل مسؤولية هذا الإنهيار، وكي تتم محاسبة قيادات المعارضة والجيش الحر ايضا، من دون ان ننسى دور النفط الخليجي، ولؤم الغربونذالته ونذالة من عوّل على مساندته لقضية الحرية في سوريا.
كان الخيار هو الأسد أو احراق البلد، احـــترق البــــلد، وتشّرد الشعب، فلماذا الأسد بــــعد ذلك. حـــــرف ‘او’ يعني ان الحريق جاء بعد ان صـــار بقاء الأسد مستحيلا، او هكذا تدلّ العبارة، لكن يبدو ان للنظام طريقته الخاصة في إعراب اللغة.
كان الخيار هو الأسد أو احراق البلد، احـــترق البــــلد، وتشّرد الشعب، فلماذا الأسد بــــعد ذلك. حـــــرف ‘او’ يعني ان الحريق جاء بعد ان صـــار بقاء الأسد مستحيلا، او هكذا تدلّ العبارة، لكن يبدو ان للنظام طريقته الخاصة في إعراب اللغة.